كيف ألغي مشروع إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل ..؟
كيف تتغير السياسات الدولية بين قرن وآخر ..
أين ذهبت .. وكيف .. خطة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل ..
ليس من المحبب أن نكرر الكثير من الحقائق التي قرأها متابعوا موقعي المأوى ومارد في العديد من مقالاتنا السابقة ؛ ولكن من المهم إيضاح الكثير من السياسات التي يجعل القارئ العربي يقف عاجزاً عن إيجاد تفسير مقنع بين ما يجري حالياً وما خطط له قبل قرن من الزمان .
كيف تتغير السياسات الدولية بين قرن وآخر ..
أين ذهبت .. وكيف .. خطة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل ..
ليس من المحبب أن نكرر الكثير من الحقائق التي قرأها متابعوا موقعي المأوى ومارد في العديد من مقالاتنا السابقة ؛ ولكن من المهم إيضاح الكثير من السياسات التي يجعل القارئ العربي يقف عاجزاً عن إيجاد تفسير مقنع بين ما يجري حالياً وما خطط له قبل قرن من الزمان .
ولعلنا نذكر كم كتبنا عن النظام الدولي الجديد الذي أخذ صيغته الأولى في معاهدة وستفاليا في عام 1648م بعد حرب دامية استمرت بأوروبا ثلاثين عاماً , وغيرت مجرى السياسة العالمية آنذاك , بعد أن تم قتل 30% ثلاثين بالمائة من سكان أوروبا , أي أننا لو افترضنا أن عدد سكان أوروبا مائة مليون آنذاك فيعني أنه قد تم قتل ثلاثين مليون إنسان .ثم طور بعد ذلك في معاهدة المحيط الأطلسي عام 1776م حيث بدأ النظام الدولي الجديد يأخذ وضعه على ارض السياسة الدولية منذ الثورة الفرنسية عام 1789م وهكذا كان يتجدد كل مائة عام تقريباً أو أقل من ذلك , حيث يتجدد في خطوط سياساته ويحدد أهدافاً جديدة بعد أن يكون قد حقق أهدافه القديمة .
ولعل من المحطات التي وقف عندها النظام الدولي الجديد ؛عام 1813-1814م حين تمرد نابليون ابن النظام الدولي الجديد وتلميذ الأندية اليعقوبية الماسونية حيث تمكن سدنة النظام الدولي من القبض عليه في معركة واترلو وسجنه بجزيرة ألبا بالمحيط الأطلسي .
وبين عام 1900-1914 م كان النظام الدولي قد مر عليه قرن من الزمان وأصبح نظاماً عتيقاً , وكان لابد من تجديد بنيته وأهدافه ووسائله , ولأن جميع الدول الكبرى لم تكن قد أصبحت بعد طوع يد صناع النظام الدولي الجديد ؛ كان لابد من أن يدخل العالم في حرب جديدة طاحنة مشابهة لتلك الحرب التي استمرت ثلاثين عاماً وانتهت بمعاهدة وستفاليا ؛ فدخل العالم حرباً عالمية هي الأولى لمدة أربع سنوات بين عامي 1914-1918م نتج عنها سقوط الأنظمة الإمبراطورية في كل من الدولة العثمانية وروسيا والنمسا وألمانيا بين عامي 1917-1918م , كما صدر وعد بلفور عام 1917م وبهذا فقد تغير وجه العالم كما تم تغيير النظام الدولي بقوة الحرب ؛ ولكن فجأة ظهر كل من لينين ومن بعده ستالين في روسيا كما ظهر هتلر في ألمانيا كقوى ممانعة لتنفيذ إرادة النظام الدولي الجديد أو المجتمع الدولي كما تسميه رايس وتوني بلير وساركوزي في عصرنا هذا ؛ ولذا كان لابد أمام قوة هتلر من قيام حرب عالمية ثانية عام 1939لتستمر ست سنوات حتى عام 1945م ؛ ومع ذلك كان قد تم القضاء على هتلر بمساعدة ستالين الذي ظلت له تحفظاته على توجهات النظام الدولي الجديد فاشتعلت الحرب الباردة بين الشرق والغرب واتسع نطاقها لمدة تزيد عن خمسة وأربعين سنة حيث بسقوط الإتحاد السوفييتي العتيق وقيام روسيا أصبح النظام الدولي الجديد وفق متغيرات كبرى .
قبيل عام 1900 م ببضعة عقود انقسم راسمو النظام الدولي الجديد إلى ثلاث كتل يهودية كبرى الكتلة الأولى هي كتلة الرأسمالية العالمية التي يسيطر عليها في الغالب إثني عشر مليارديراً يهودياً هم أحفاد أولئك الذين كانوا في الأصل قد شكلوا عام 1773م تكتل فرانكفورت الإقتصادي العالمي للسيطرة على اقتصاد العالم ثم أصبح التكتل يضم 13 رئيساً ومعه إثني عشر عضواً في عام 1776م كما تسطره وثيقة الدولار فئة واحد .
الكتلة الثانية برزت في عام 1848م وهي الكتلة الإشتراكية الدولية أو الشيوعية بالبيان الشيوعي الذي تلاه كارل ماركوس اليهودي وأنجلز الألماني , أما الكتلة الثالثة فقد ظهرت عام 1898م في بازل بسويسرا وهي الصهيونية العالمية التي قادها هرتزل اليهودي الصهيوني ؛ وقد إختارت الكتلة الأولى بريطانيا وفرنسا وأمريكا مكاناً ومجالاً لعملها إلى جانب كل دول العالم ؛ أما الكتلة الثانية فقد إختارت روسيا وشرق أوروبا مجالها الحيوي ثم في عهد ستالين طورت مجالها إلى كل أنحاء العالم ؛ أما الكتلة الثالثة الصهيونية فقد إختارت هدفها إقامة وطن إستعماري لها في فلسطين ومجال عملها في ألمانيا والنمسا والدولة العثمانية ؛ وكان هدفها إقامة إسرائيل الكبرى إنطلاقاً من فلسطين بين الفرات والنيل ؛ ولكن بعد مرور قرن من الزمان , إختلفت وسائل العصر وتفكير قادة وراسمي النظام الدولي الجديد , في عام 1997م كانت قد انتهت الحرب الباردة وسقطت الكتلة الشيوعية خصوصاً بعدما افترقت كلياً عن الكتلة الرأسمالية في عهد ستالين ؛ بينما اضطرت إسرائيل إلى تبعية القيادة الرأسمالية للنظام الدولي الجديد ؛ مطلقة تلك العلاقة مع ربيبتها الصهيونية العالمية بالثلاث ؛ ولذلك أعلن المؤتمر الصهيوني المئوي في بازل بسويسرا عام 1997م بأن إسرائيل هي ” إبنة عاقة ” ؛ كان المتفق عليه أن موعد قيام إسرائيل الكبرى هو نفس العام أي بمرور مائة عام على المؤتمر الصهيوني الأول عام 1898م ؛ ولكن بعد قرن كل شيء تغير . فكيف تم ذلك ؟
إذا كان راسمو النظام الدولي الجديد هم سريون ما عدا ما يُعرف عن روتشيلد وبعض الرموز الأخرى من أصحاب الشركات عابرة القارات ؛ فإن هناك دهاقنة وفلاسفة ومفكرون لهذا النظام ؛ وهؤلاء ليسوا هم الذين يضعون الخطط والدراسات بقدر ما يقومون بتحويل رؤى القادة لهذا النظام إلى خطط وتنفيذها بمشروعات سياسية واقتصادية وعسكرية , ولعل أهمهم على الإطلاق بريجنسكي وهنري كيسنجر ويأتي في الصف الثاني أمثال هنتنجتون وغيره ,دعونا نرى من خلال ما يذكره كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق حول إسرائيل كيف تتغير سياسات النظام الدولي الجديد وتتبدل رؤاه وفق تطورات العصر بحيث تتجدد أهدافه ووسائله :
يقول كيسنجر : (( في الماضي كانت تحولات ذات حجم أقل بكثير تؤدي إلى حروب رئيسية , بل إن الحروب تقع بوتيرة عالية في النظام الدولي الحالي أيضاً .. وفي العصر الحديث , فقدت الأرض كثيراً من أهميتها كعنصر للقوة القومية , فالتقدم التكنولوجي يمكن أن يعزز قوة الدولة أكثر من أي توسع إقليمي يمكن تصوره . فسنغافورة التي لا تملك أي موارد غير ذكاء شعبها وقادتها , يزيد دخل الفرد فيها كثيراً عما هو في دول أكبر حجماً وأعظم موارد … وتجد إسرائيل نفسها في موقف مماثل .. )) كيسنجر , هل تحتاج أمريكا إلى سياسة خارجية . ص13 بمعنى أنه في عام 1898م كان للأرض قيمة في ذلك العصر ؛ ولكن بعد مرور قرن من الزمان فقدت الأرض قيمتها بالنسبة لقوة الدولة وإنما التقدم التكنولوجي يعطي الدولة قوة في عصرنا أكثر مما تعطيه لها مساحات الأرض الشاسعة التي قد تكون عبئاً على الدولة ؛ ومن هنا وجدت إسرائيل أن تفكير القرن الماضي لا يتناسب مع أهدافها في هذا العصر , ولذا فقد تغير النظام الدولي الجديد بأهدافه ووسائله وكذلك تغيرت دولة إسرائيل وكل دولة تدور في فلك هذا النظام وقياداته .
د. صالح السعدون