ماالذي يطبخ في دهاليز السياسة الدولية للمنطقة ..
ماالذي يطبخ في دهاليز السياسة الدولية للمنطقة ..
أربطوا الأحزمة .. فالأمر وراءه ما وراؤه ..
في الأسبوع الثاني والثالث من شهر أبريل عام 2008م سيتذكره الناس باعتباره بداية لأحداث من الصعب التنبؤ بها- حالياً – إذا ما ستكون خيراً أم شراً على المنطقة ؛ فقد قام كارتر بزيارة للمنطقة ؛ هذا الرئيس الأمريكي العجوز الحكيم والذي يبدو أن زيارته للمنطقة ومبادرته التي يحملها للسلام بين العرب وإسرائيل ما هي إلا في سياق الصراع داخل قادة النظام الدولي الجديد
د.صالح السعدون
في الأسبوع الثاني والثالث من شهر أبريل عام 2008م سيتذكره الناس باعتباره بداية لأحداث من الصعب التنبؤ بها- حالياً – إذا ما ستكون خيراً أم شراً على المنطقة ؛ فقد قام كارتر بزيارة للمنطقة ؛ هذا الرئيس الأمريكي العجوز الحكيم والذي يبدو أن زيارته للمنطقة ومبادرته التي يحملها للسلام بين العرب وإسرائيل ما هي إلا في سياق الصراع داخل قادة النظام الدولي الجديد ؛ وكما تقول مجلة العصر أنه (( لو عدنا إلى السياق التاريخي لظهور المحافظين الجدد، لوجدنا أن هذا التيار قد نشأ مع خروج مجموعة كبيرة من المفكرين اليهود واليمينيين من الحزب الديمقراطي إبان ولاية جيمي كارتر، الذي تبنى أجندة اليسار الجديد، وعارض اعتماد القوة ضد السوفيت ، رافضا بذلك مطالبهم (أي المحافظين الجدد)، ولقد نبه جيمي كارتر في كتابه: “القيم الأميركية المعرضة للخطر”، إلى توافق توجهات المحافظين الجدد مع توجهات يمينية وصهيونية متطرفة)) .
لقد زار كارتر إسرائيل ودمشق والقاهرة والرياض وعمان ثم عاد إلى إسرائيل ثم إلى بلاده ؛ وألقى في المياه الراكدة صخرة ضخمة لم نتبين تفاصيلها ؛ ولكن نشأ صراع على الفور بين تيار المحافظين الجددبأمريكا وإسرائيل من جهة وبين كارتر ومن ورائه والعواصم في الشرق الأوسط من جهة أخرى , ومن هنا جاء رفض إسرائيلي لمبادرة كارتر ويبدو أن هذا الرفض جاء بشكل فوري ، ولم يكن هذا الرفض إلا نوع من الصراع بين هؤلاء وأسيادهم في قيادة النظام الدولي الجديد من جهة وبين الليبرالية في ذلك النظام والديموقراطيين الأمريكيين ، ولذلك فردة فعل المحافظين وتشنجهم تجاه كارتر سواء بالناطق باسم البيت الأبيض أو وزيرة الخارجية الأمريكية ” حمالة الحطب ” كما وصفها المفكر الكويتي عبدالله النفيسي ، إلى درجة أن اتهم كارتر رايس بالكذب بشأن محادثاته مع حماس ؛ ومحددا لردة فعل وسلوك ذلك التيار تجاه هذه المبادرة، ناهيك عن وجود أسباب ذاتية يُعزى لها موقف الإدارة الحالية من مبادرة كارتر، فمن المعلوم حالة العداء والتناقض الشديد بين توجهات ورموز هذا التيار وتوجهات جيمي كارتر كما تؤكد مجلة العصر (كارتر والمحافظون الجدد- 21/4/2008م) ؛ ويزيد التشنج لهذا الفريق الصهيوني حين يشتم المندوب المتزمت للكيان الصهيوني العنصري بالأمم المتحدة الرئيس الأمريكي كارتر بأنه”متزمت ” .
ثم ماذا ؟ ! ؛ توالت هيستيريا غير عادية في العالم العربي , دعونا نقرأ فقط عناوين الأخبار ( الرئيس المصري في زيارة مفاجئة إلى القذافي لم يعلن عنها مسبقاً ) ( الرئيس المصري في برلين ) ( قائد حركة حماس مشعل في قطر ) ( رئيس السلطة الفلسطينية في طريقه لواشنطن للقاء بوش ) ( الملك عبدالله الثاني يلتقي بوش ويقول بأن لقائه مع بوش كان “إيجابي جداً ” ) متكي يتفق مع نظيره السوري على رفض أية وصاية أجنبية على لبنان ) ( وزير الخارجية السوري المعلم يقول : يجب العمل على تحقيق التضامن العربي لمواجهة مخططات تقسيم المنطقة ) . ولعل في هذين التصريحين كل الأسرار ؛ وفي مقال لمحرر مجلة العصر يقول ( … وعليه ، لا واشنطن ترغب في إبعاد طهران ولا العكس أيضا، ذلك أنه لا الولايات المتحدة ستغادر المنطقة قريبا، ولا هي قادرة على الاستمرار في وضع سياسات وترتيبات في المنطقة ، على أساس فكرة أن إيران يمكن إهمالها واستبعادها. وعليه ، ستتعلم إيران وأمريكا ـ عاجلا أم آجلا ـ كيفية تقاسم المنطقة. )).
وكنت قد نوهتُ بعدة مقالات سابقة من خطورة تقسيم المنطقة بين أمريكا وإيران . ولكن يظل التساؤل حول هذه الهستيريا ؛ هل هي ثورة على توجهات أمريكا في الثماني سنوات الماضية أم مالذي يجري في العالم حول منطقتنا ؟!!!!.
على صعيد آخر يبدو أن إسرائيل وإدارة المحافظين الجدد بواشنطن قد أرسلوا إشارات متناقضة لأهداف لانعلمها حالياً فقد أبلغ أولمرت رئيس وزراء تركيا أردوغان ” بأن إسرائيل مستعدة لإعادة كامل الجولان لسوريا ” فما الذي يجعل إسرائيل تتنازل دفعة واحدة وقبل أن يصل كارتر إلى واشنطن ؟ ! ؛ أم أنها مجرد مناورة لالتقاط الأنفاس من مفاجأة مبادرة كارتر السرية حتى الآن ؛ من ناحية أخرى أعلنت واشنطن التي قُهِرت بمبادرة كارتر سلسلة من الأخبار المتناقضة كان أهمها متناقضاً مع إسرائيل ؛ فإسرائيل تتحدث عن استعدادها لإعادة الجولان لسوريا ؛ والرئيس السوري بشار الأسد يقول بأن وسطاء يعملون على إعادة الحيوية لعملية السلام بين إسرائيل وسوريا ؛ يبنما بوش وإدارته تقول إنها ((ستعرض اليوم الخميس على الكونجرس وثيقة في شريط فيديو، تزعم السلطات الأمريكية أنها تثبت مساعدة كوريا الشمالية لسوريا في بناء مفاعل نووي )) ؛ وتؤجج أجواء العالم نحو حرب ضد سوريا ؛ وفي الوقت ذاته نجد أن موفق الربيعي مسئول ملف الأمن القومي العراقي ذو الجواز الإيراني يتهم إيران وسوريا بأنهما يصدران الموت للعراق ؟ كما تعلن إدارة بوش عن تعيين بترايوس خلفاً لفالون كقائد عام للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط ربما استعداداً للمغامرة الأخيرة التي قد لا تأتي !وقائد الأركان الأمريكية يؤكد ضرورة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ملمحاً بالطبع إلى سوريا و في الوقت نفسه يعلن مسئول في حزب الله أن أمريكا قد أبلغت فريقها في لبنان بأن أمريكا غير قادرة على شن أية حرب على أية جهة في المنطقة ؛ فإن نائب رايس وولش يعد اللبنانيين بصيف حار بالمنطقة فما الذي يجري ؛ وأمريكا تطلق أعيرة نارية على زوارق إيرانية وإيران تنفي الحادث كما تستقبل معارضين سوريين في الكونجرس الأمريكي .
من هذا الخليط المتناقض من الأخبار والأخبار المضادة ؛ وهي مجرد محاولات للوي الأيدي بين طرفين قويين ؛ من السابق لأوانه التنبؤ أو التوقع بأي شيء مما يجري ؛ غير إنها تشبه خلافات حادة وحرب بين قيادة النظام الدولي الجديد بين المحافظين والليبراليين أو الديموقراطيين ؛ كل يريد أن يفرض أجندته .يبدو أن نسبة الليبراليين داخل هذا النظام قد زادت ؛ وبدأت الهيستيريا ؛ فبوش والمحافظين الجدد بدأوا وكأنهم سيلعبون بالوقت الضائع وماهو مؤجل في السابق قد يصبح على رأس أولوياتهم فساركوزي انضم بفرنسا بكل قوة بتصريحات هستيرية أخرى فهو لن يتحدث مع حماس ولا إيران لأنهما تريدان محو إسرائيل من الوجود ؛ وهو لا يريد انضمام تركيا للإتحاد الأوروبي لأنه لا يريد أن يجعل الإتحاد الأوربي يلامس حدود العرب ( سوريا والعراق ) .
وهنا نقول ليس لدينا تحليل دقيق ؛ ولكن هذه العاصفة الرملية تشبه ما يسبق المطر ! فهل سيكون مطراً بالثلوج أم مطراً بالقنابل ؟ الله أعلم وهو ما ستجيب عليه تسريبات ما وراء مبادرة كارتر وزيارته الغريبة للمنطقة .
د. صالح السعدون