كتب د.صالح السعدون
السلام عليكم
بدأ الربيع العبري وكان الملك عبدالله في رحلة علاجية خارجية , عاد منها لفترة نقاهة بالمغرب شفاه وحفظه الله , وسقط زين العابدين ,وتلتها مصر فليبيا في وسط ذهول عربي وخليجي وسعودي , استقبلت السعودية الرئيس التونسي زين العابدين بن علي , وعرضت على حسني مبارك اللجوء للسعودية بعد امسك الماسون خناق مصر من تلابيبها وخنقوا الحريات فيها , ثم رفضت السعودية تأييد الثورة على القذافي وسط استغراب من البهلول الليبي المخبل قائد الثورة العميلة عبدالجليل , كيف أن السعودية على علاقات سيئة جدا مع القذافي ومع ذلك ترفض دعم الثورة الماسونية أو حتى مجرد الاعتراف بها حتى بعد سقوط طرابلس الغرب.
كانت السعودية بحاجة إلى استعادة هول المفاجأة فالذي يجري بالساحة العربية صورة متقنة من سقوط العالم الشيوعي في شرق اوروبا بعد ان تولى قيادة السوفييت رجل عميل هو جورباتشوف. تعاملت بهدوء مع الربيع العبري في اليمن , وبشدة بالبحرين , وتنوعت اساليب سياساتها تجاه سوريا تحت ضغوط من داخل الحكومة وضغوط داخلية تتعلق بمريدي وأتباع المرشد بالقاهرة , وضغوط خارجية , ففي عام 2011 منحت السعودية سوريا قرضين احدهما 350 مليون دولار والثاني ب 500 مليون دولار , وتحت الرؤى والضغوط انقسم الدعم في عام 2012 للحكومة السورية وللمعارضة ممثلة بالمخيمات السورية واللاجئين السوريين بالأردن ولبنان بينما اتجه دعم الاخوان السعوديين للاجئين السوريين بتركيا وسط حفلات زواج المسيار وركوب الخيل والمآدب التي عليها خرفان تركية بالسمن بما اطلق عليها غزوة تركيا للعريفي والقرني وغيرهما وآخرين ممن يتسمون بشهادات الدكتوراه الوهمية حيث يوصلون الدعم السري للثورة السورية والجيش الحر , ثم في عام 2013 تمكنت جهات مؤيدة للثورة السورية من حسم توجه الحكومة السعودية لدعم الثوار بما فيه السلاح , تحت مبرر أن سوريا سمحت لحزب الله وايران بالتواجد في الأرض السورية وكان خطأ سوريا بلا شك , لأن ايران لاتريد لسوريا الخير , وهكذا وفي بداية عام 2014 طلب الأمير بندر بن سلطان اعفاءه فأعفي بناء على طلبه من عمله بالاستخبارات حيث تسلم الملف السوري الأميرين مقرن بن عبدالعزيز ومحمد بن نايف , وكلفهما خادم الحرمين بالتمهل في اختطاط سياسة سعودية جديدة تجاه الملف السوري , وسط اتهامات قذرة من الحليف السابق الأمريكي بأن السعودية تؤيد الارهاب حيث كانت صرخة قوية في وجه السعودية وانذار مبكر بأن تأييد السعودية للثورة السورية سيستغل في يوم ما ضد السعودية.
بالنسبة لإيران معروف انها تشارك الغرب واسرائيل في الربيع العبري وليس من داع لتكرار ماذكرناه حيال الهلال الإيراني , غير أنها في الفترة الأخيرة اتجهت لحصار السعودية من قبل اليمن والعراق , لكن السياسة السعودية ابدعت ابداعات لاحدود لها , فبعد أن كانت ايران تخطط وفق خطة كشفها د.عبدالله النفيسي(خطة أم القرى) ووضعها الأخوين لاريجاني بإيران وهي احتلال السعودية وهدم الكعبة ونقل الحج لقم خلال 50 سنة , ويكفي أن لدينا تجربة القرامطة بهدم الكعبة وسرقة الحجر الأسود لهجر ثم الكوفة 17 سنة وقتل الناس بمكة في القرن الرابع الهجري حيث استمدت الخمينية الصفوية خطتها مما فعلته القرامطة .
ايران والسعودية وفق معلومات استخبارية دقيقة وصلت لأشد من حالة العداء التي هي بين سوريا واسرائيل فهؤلاء سكنوا العداء منذ حرب 1973 م ونقل الرئيس حافظ الأسد ذلك العداء للحرب الباردة بلبنان بين اسرائيل وسوريا, أما عداء ايران للسعودية فقد اتجه للحرب الحقيقية وقد قامت ايران في عامي 2012 -2013 بتطويق السعودية بمجموعة من القواعد العسكرية بالسودان وارتيريا وجزر دهلك واثيوبيا والعراق وكانت قد تفاهمت مع مرسي حول تأجيرهم بقاعدة بسيناء فقام الطيران السعودي بضربة قاصمة في بداية 2013 لكل القواعد الايرانية ضربة واحدة دون أن تتجرأ ايران حتى على الاحتجاج لا رسميا ولا اعلاميا , فطلبت ايران من السودان السماح بوضع صواريخ ارض ارض وأرض جو في قاعدتها قرب بورتسودان , لكن السودان رفض العرض أخيرا حين رأى جدية السعودية بضرب القواعد الايرانية في داخل السودان , وأعادت السعودية طائرة البشير مطرودا من الأجواء السعودية ومنعته من المشاركة بأحد اعياد ايران ,وأدرك البشير أن علاقاته بالسعودية ستنتهي ان استمر يقدم التنازلات لإيران , فالحرب بين البلدين معلنة بينهما دون اعلان حرب بمستوى الاعلام .
سياسات ايران تجاه سوريا ؛ وسوريا تجاه ايران خلال السنوات السابقة كانت لوي يد وإضعاف للطرف الآخر وكل يريد انهاك القوة الأخرى , وفي وقت كان بشار الأسد يتمهل في اظهار الخلافات السورية الايرانية ؛ فقد تمكن ماهر الأسد في اظهار هذا الخلاف للملأ منذ معركة القصير حين اكتشفت احدى الفرق السورية المدربة بروسيا وكوريا الشمالية والتي وصلت للتو قبل ايام من معركة القصير أن حزب الله يقاتل خلف قواته فيقتلهم من الخلف , ويقاتلهم متنكرين من الأمام في جانب قوات الجيش الحر , فما كان من ماهر الأسد الا منح الفرقة صلاحيات بقتل كل من يعترضها ووضع قوات حزب اللات أمام الجيش السوري , وفق ماذكرته جريدة السفير اللبنانية في حينه في تصريح لمصدر مسئول مقرب من حزب الله. وفي الفترة الأخيرة بدأ ماهر الأسد بتصفية لقوات حزب الله كقوات معادية للجيش السوري حيث ثبت من شهود عيان زيادة القتلى في قوات الحزب.
أرسل الرئيس بشار الأسد عبر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رسالة مهمة مفادها أن الخلافات السورية الإيرانية قد وصلت حدا لايمكن تحملها , وأن سوريا مستعدة لعلاقات طيبة مع السعودية وربما يمكن الفهم أن هناك تأكيدات سورية بالعمل على طرد التواجد الإيراني الحزباللاتي على الأرض السورية , ولذا بمجرد ان ارسل بشار للملك عبدالله خلافاته مع ايران تغيرت السياسة السعودية تجاه سوريا , فقامت السعودية بإغلاق قناة وصال , وعزل وزير الإعلام السعودي عبدالعزيز خوجة , الذي يبدو أنه كان فيما مضى راضيا عن قناة وصال وسيدها العرعور , فأوقفت العرعور , وأوقفت العريفي , كما عزلت عبدالرحمن الراشد من العبرية , فقامت الكويت باستقبال ثلاثة دبلوماسيين سوريين للقيام بأعباء السفارة السورية بالكويت , كما أمر الرئيس بشار الأسد بالسماح لسيارات النقل السعودية بدخول سوريا مما يعني استيراد الفاكهة والملابس وسواها من سوريا .
هنا تفرغت السعودية لممارسة أعلى أنواع الدهاء السياسي , فزار ارطبون العرب سعود الفيصل روسيا , ويبدو أنه تفاهم مع روسيا على سياسات بترولية كنا نظنها ضارة بروسيا , حيث ستقوم السعودية بإغراق السوق بالبترول وتخفيض اسعاره حد الانهيار بحيث تخسر السعودية وروسيا لكن ليس إلى حد الضرر , بينما يتم ضربة الحلفاء الجدد ايران وأمريكا , فأمريكا التي تنتج البترول الصخري بكلفة 65دولار لايجديها أن تنتج هذا النوع من البترول وتبيعه بـ 70دولار فقط ,بينما ايران كلفة انتاجها 70دولارا مما يعني أنها ستتوقف عن الانتاج ؛ بينما روسيا كلفة استخراج البترول لديهما في مستوى منخفض بحيث يكون سعر 70 دولار مجزيا , خاصة أن السعودية تبني ميزانياتها على اساس سعر للبترول 70دولار , وهنا صاحت أمريكا أن الرياض وموسكو تتآمران عليها في أسعار البترول , هكذا واجهت السعودية سياسات مجموعة اجتماعات عُمان بين ايران والغرب لاقتسام العالم العربي في يالطا جديدة , من خلال تخفيض حدة الحرب ونقلها للاقتصاد بدلا من السياسة والعسكرية وبالتحالف مع موسكو , الحرب الاقتصادية لي ذراع واجبار لعدوك على الخضوع سلماً دون حروب ودون طائرات ولا جيوش ؛ مما يعني ان السعودية اختارت حربا سلمية فهي تدعو ايران للتفاهم ؛ وايران تقول سأفرض ارادتي بالقوة مستمدة اسلوبها من اسلوب هولاكو والمغول .فبقدر ماالايرانيون يخططون للحرب؛ فنجد أن سياسة خادم الحرمين الشريفين حكيمة ورحيمة , فهو لا يريد الحرب الا ان فرضت عليه وهذا سبب اختياره لحرب الاقتصاد .حيث ستركع ايران في النهاية تحت ضربات مميتة قاتلة , فقد حققت السعودية وفق مختصين بالشئون الإيرانية اربع ضربات في اسبوع واحد , فالانتخابات البحرينية كانت فوزا ساحقا للحكومة البحرينية والسعودية من ورائها , والضربة الثانية في سوريا , والثالثة في العراق , فضلا عن سياسات الكويت وقطر اللتين قررتا التصالح والانضمام للجهد الخليجي الجماعي بما في ذلك اسعار البترول .
وهذا أدى إلى كثير من التطورات ففي اعتقادي أن الاستخبارات السورية ابلغت السعودية بقضايا وخفايا السياسات الإيرانية بالبحرين وأن هناك مستشارين قرب الملك وولي العهد قد جيرتهم ايران لصالحها , فقام الأمير محمد بن نايف بزيارة خاطفة للبحرين ابلغ القيادة البحرينية بالتفاصيل فتم ضرب ايران للمرة الخامسة , فاضطرت امريكا أن تعيد الدبلوماسيين لسفارتها بالبحرين بحيث تلقت ايران سبع لكمات قوية من السعودية على انفها .
السعودية الآن انتصرت على ايران في كل مكان , في البحرين وقطر والكويت , وفي سوريا وجزئيا بالعراق , ولم يبق الا اليمن وعُمان , الآن ايران تستمتع بآخر فصل لها للقيام بمسرحيات الدولة الكبرى من قش والتي تتفاوض مع خمس دول اوربية , وتتقاسم الدول العربية مع الغرب علنا دون أن تعبأ بالسعودية كدولة كبرى ند لإيران وترعى شئون الأمة العربية , وكأنها تقول سأتفاهم مع الغرب حول تقسيم السعودية ذاتها واحتلالها ,وفي الوقت الذي تعلن أن المحادثات حول النووي الإيراني , غير أن الحقيقة أنما هي يالطا ايرانية -غربية لتقسيم سوريا والخليج بعد العراق , وبهذا فقد ضربت ايران على وجهها وقفاها من قبل حكيم العرب ورجاله , ولم يتبق الا الهجوم على ايران في اليمن وربما عمان مستقبلا.
وهكذا تكون السعودية قد قادت مع موسكو متغيرات سياسية واقتصادية كبرى جعلت بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري بزيارتها مع المعلم لموسكو وكذلك المعلم يبدون في نشوة انتصار إذ أصبح التحالف الاستراتيجي بين سوريا وروسيا قويا لاينفصم . كما ضربت أمريكا وايران اقتصاديا , وعليه فقد وجهت لإيران عدة ضربات قاتلة هنا وهناك في نقاط التماس السعودي الإيراني لاسيما في سوريا والبحرين وقطر والكويت.
ترى ما سيكون عليه الرد الأمريكي الإيراني ؟
د.صالح السعدون