الانتفاضات العربية .. تحليل سياسي
الانتفاضات العربية .. تحليل سياسي
كتب د.صالح السعدون
ثالثاً : نموذج سلطنة عُمان : وهي استجابة ممتازة , فقد أثبت السلطان قابوس أنه أكثر وعياً من أي زعيم عربي آخر , وأنه يتمتع بعقلية فذة وجبارة , وهو قادر على اتخاذ القرار الشجاع في وقته ودون تأخير , فقد اقتلع رئيس ديوانه السلطانيالانتفاضات العربية .. تحليل سياسي ..
كتب د.صالح السعدون
حتى اليوم الأول من مارس 2011م سقط نظامين عربيين في تونس ومصر , بينما ثلاثة أنظمة عربية في طريقها للسقوط , وهي ليبيا التي قد جنح سفينتها للسقوط والغرق , واليمن التي أصبحت على رأس قائمة الدول العربية اللاحقة بتونس ومصر , بالإضافة إلى البحرين التي تنتظر دورها إلا أن يسعفها الله العظيم جبار السموات والأرض من اللحاق بركب تلك الدول , وهي في طريقها لزعزعة أمنها واستقرارها على الأقل .
اتجهت مؤامرة الغرب بعد هذه الأنظمة الخمسة إلى عُمان وبلادنا السعودية الطاهرة ثم قطر الراعية من خلال قناتها الفضائية الجزيرة لأكبر أدوات التدمير للنظام العربي القديم الذي تعتبر إمارة قطر واحدة من أصغر وحدات ذلك النظام .
فما الذي أعدته الأنظمة العربية التي لم تصلها المؤامرة بعد لمواجهة ذلك الطوفان ؟.
الطوفان السياسي والاجتماعي الجديد مكون من عدة سيول جارفة مختلفة كروافد ضخمة ومساندة وهي كما يلي :
1- منظمة بلاك ووتر ورجالها الذين يدخلون مع بداية المظاهرات وهم مدربون بأجهزة عسكرية حديثة بالليزر , وواقيات مميزة من الرصاص لحماية أولئك الجنود الذين يشعرون أنهم يؤدون مسرحية محببة وسهلة , من خلال تميزهم بتدريب عال بكل المقاييس , وقد أخذوا بروفات وتدريبات مكثفة قبل انتفاضة تونس وبعدها .
2- مليشيات من حزب الله اللبناني , و قوات الباسيج الإيراني المتوحشة ؛ والتي تم تسريبها وإدخالها نحو الأهداف العربية بجوازات سياحية أو غيرها نحو المواقع التي ستبدأ المظاهرات والثورات فيها ؛ استعداداً لامتشاق البندقية في الوقت المناسب , و يتواءم معهما قوات الإخوان المسلمين الخاصة , والتي طالما تلقت تدريبات سرية في خلوات ومعسكرات كشفية صحراوية .
3- جيش من العمالة الأجنبية , وجيوش من العاطلين عن العمل لتغذية المظاهرات السلمية منها والتخريبية , لتقف أمام قوات الأمن الوطنية تقوم بدورها ضمن الطوفان الجارف مما يستدر عطف الأمم المتحدة والنظام الدولي الجديد وعملاؤه داخل البلدان العربية وخارجها .
4- سيل من التصريحات التي تعطي التأشيرة الخضراء لبداية المظاهرات من قبل وزارة الخارجية الأمريكية , فيتبعها بقية الساسة في الدول الغربية التابعة للنظام الدولي الجديد ؛ ثم حماية تلك المظاهرات من أي ضغوط من قوات الأمن , ومن ثم الإنقلاب على السلطة الرسمية في البلدان العربية ليساهم كل ذلك في تأجيج تلك الانتفاضات بمزيد من الدماء الجديدة والزخم المستمر حتى تحقيق الأهداف بسقوط النظام العربي القديم في هذه الدولة أو تلك .
5- قوة آلة إعلامية جبارة مكونة من العديد القنوات الفضائية العميلة التي تحقق ما لم تحققه الجيوش الجبارة بدءاً من الكذب والتزوير للأحداث وتضخيمها , وصولاً إلى تغيير الكثير من الحقائق والمسميات , وتسويغ الكثير من القرارات والتوجهات , فما هو محرم في الذاكرة العربية كالتدخل الأجنبي يصبح ضرورة شعبية كبرى وواجب وحق , ومن أهم تلك الآلات الإعلامية قناة بي بي سي والجزيرة القطرية والعربية ( اسماً عبرية التوجه والعقيدة ) .
6- جيش من مسئولي الدول العربية المعنية في النظام العربي القديم , والذين قد قبضوا الثمن مسبقاً , أو تم تجييرهم والضغط عليهم قبل بداية الانتفاضة , فيكونون وهم الذين ساهموا بالظلم والطغيان كأعضاء في النظام العربي السابق , ممن يساهم بتفتيت تلك الأنظمة , وهم من يصبون الزيت على النار من أجل زيادة الثورة , وهم الوزراء والسفراء والمندوبين الذين يعلنون استقالاتهم مع بداية الانتفاضات العربية .
7- جيش من القيادات العربية الجامدة وغير القادرة على الحركة أو الاستجابة , فقانون التحدي والاستجابة للمؤرخ العالمي توينبي ؛ إنما يفرض على الزعماء ألا يكونوا جامدين كالصخر الجلمود أمام التحديات الشعبية والدولية , والمتغيرات الجديدة للنظام الدولي الجديد , إنما ينبغي على هؤلاء الزعماء أن يقوموا بما يجب عليهم من تطوير خلاق للنظام العربي الجديد , يستجيب ذلك التطوير للتحديات الجديدة , وينزع فتيل الأزمة ويسحب البساط من تحت أرجل النظام الدولي الجديد كلاعب أساسي فاعل في هذه الانتفاضات .
ولعلنا ندرس كيف كانت ردة فعل الدول العربية وفق هذا القانون وفق ثلاثة نماذج :
أولاً : نموذج تونس ومصر واليمن : ويمكن وصفها بأنها استجابة رديئة أو ضعيفة أو متأخرة فكلما تقدم الشعب بتحديات جديدة قدمت القيادة بهذه البلدان استجابة ضعيفة ومتأخرة , مما يزيد من عنف الانتفاضة ويكسبها مزيداً من التحدي , وهذا ما أسقط النظامين التونسي والمصري سابقاً , وحسب المعطيات فلعل النظام اليمني لن يختلف عن مصيرهما , إلا أنه استفاد من تعثر خطة النظام الدولي الجديد في ليبيا وتأخر نجاحها بفضل صلابة القذافي .
ثانياً : نموذج البحرين : ولعلها كانت استجابة جيدة , فقد قدمت القيادة البحرينية التضحية بخمسة وزراء أسماهم ملك البحرين وزراء التأزيم , وربما تتمكن القيادة من التواكب مع زخم التحدي ؛ إذا ما تواصلت على نفس الديناميكية السابقة وإن ستظل المصاعب جمة .
ثالثاً : نموذج سلطنة عُمان : وهي استجابة ممتازة , فقد أثبت السلطان قابوس أنه أكثر وعياً من أي زعيم عربي آخر , وأنه يتمتع بعقلية فذة وجبارة , وهو قادر على اتخاذ القرار الشجاع في وقته ودون تأخير , فقد اقتلع رئيس ديوانه السلطاني , ووزير آخر معه فوراً باعتبارهم مسئولين بمشورتهم عن تردي الأوضاع , وعدم قراءة الأحداث كما ينبغي وبالسرعة الكافية لتلافي الانفجار , ثم استجاب السلطان للتحدي بصورة أكثر , و بشكل كامل فأنزل خمسين ألف وظيفة للشعب ؛ مما يعني أنه قد أفلس المنادين بالمظاهرات من أتباع النظام الدولي الجديد من جيش مساند لهم وقدره خمسين ألف جندي متظاهر انضموا الآن إلى حماة الدولة . وقد اضطرت أمريكا إلى الترحيب القوي بالإجراءات الفعالة التي اتخذها السلطان قابوس .ثم استجاب للتحدي بسرعة وبشكل غير مسبوق , فأقال إحدى عشر وزيراً مقصراً وألغى وزارة الإقتصاد , مما يعني أن استجابته للتحدي كانت ممتازة إلى أبعد حد .
ومن خلال هذه الدراسة المبسطة فإنه على الأنظمة العربية الباقية أن تختار في تعاملها مع الأزمات القادمة بين المواقف التالية ونتائجها ومصيرها: :
1- مصر وتونس واليمن – استجابة ضعيفة للتحدي – سقوط النظام .
2- البحرين – استجابة جيدة – الصمود مع صعوبة الموقف واستمرار التحدي . .
3- عُمان – استجابة ممتازة – النجاح على المستوى المنظور القريب .( مالم تكن المؤامرة تشمل تغيير النظام بكل الأحوال ) .
ولعله من المهم أن نقرأ التاريخ والحاضر لاستيعاب المستقبل .ومواجهة التحديات العاجلة والآجلة .
د.صالح السعدون
د.صالح السعدون
أقدم قانون المؤرخ الإنجليزي العالمي المنصف أرنولد توينبي عن التحدي والإستجابة , فلعلها توضح كيف أن على الحكومات العربية أن تستجيب للتحدي الجديد , وإلا فإن القانون التاريخي هذا لن يرحم من تكون استجابته ضعيفة للتحديات الراهنة … إن التحديات الراهنة إنما هي خطط مدمرة وهائلة وطوفان عظيم من النظام الدولي الجديد وهو بقدر من الله سبحانه , شاركها في ذلك غضب جامح من العاطلين عن العمل , وغضب أشد من شعوب مسحوقة خلال العقود الأربعة الماضية من التعسف من قبل الحكومات العربية خاصة في مرحلة حرب الإرهاب .. ومن هنا فالتحدي عظيم .. ولابد من أن تكون الاستجابة بنفس القدر أو أعظم .. وإلا فالقانون سنة إلهية ستسحق من أمامها ..
د.صالح السعدون
إليكم القانون منقول باختصار :[/color]
قانون التحدي والاستجابة (أرنولد توينبي)
يرى صاحب نظرية التفسير الحضاري (توينبي) أن نشوء الحضارات وبعثها متعدد الأسباب. ويقوم أساساً على عمليات التحدي الجغرافية والبشرية التي تدفع للاستجابة والتحرك الخلاق سعياً للإقلاع الحضاري.
يقول توينبي:
يواجه الإنسان في طريقه لبناء الحضارات مجموعة من التحديات (مواقف وظروف ومشكلات صعبة) فيتعامل معها إما باستجابات ناجحة تؤدي إلى التغلب عليها والوصول إلى تحقيق النهضة المنشودة، وصولاً للحضارة، أو إلى استجابات فاشلة لا تؤدي إلى تحقيق النهضة والحضارة.
ويقسم توينبي هذه التحديات إلى قسمين:
 تحديات طبيعية: مثل المناخ والجغرافيا الطبيعية والموارد الطبيعية والموقع الجغرافي وغيرها.
 تحديات بشرية: مثل عدد ونوع السكان وثقافة المجتمعات وطبيعتها.
والتحديات الطبيعية قد تكون أرض صعبة، و زلازل وبراكين وفيضانات، وما شابه ذلك. فالأرض الصعبة تكون دافعاً لأن يطور الإنسان قدراته، وأن يشق الطرق والقنوات، ويبتكر وسائل المواصلات.
وكذلك الأرض البكر الجديدة تدعو الإنسان إلى تطوير قدراته لاستغلالها،وهناك دوافع النكبات، كأن تحدث مآسي كبيرة في المجتمع، سواءً كانت هذه النكبات بيئية أو من صنع الإنسان، ففي الحالتين يواجه مجتمع ما تحديات كبيرة جداً، ولابد أن يطور قدراته للتغلب عليها.
وهذه التحديات تواجه الأمم جميعاً بلا استثناء. والفارق الوحيد هو في الاستجابات التي تختلف من أمة لأخرى. وهذه الاستجابات هي التي تحدد شكل ونوع النتائج المستقبلية. وسنتحدث عن كل من التحديات والاستجابات بشيء من التفصيل.
أولاً: التحديات
إن التحديات هي سر نهضات الأمم. ولولا التحديات لما وجدت الحضارات، ولما كانت هجرات الشعوب واكتشافها لمواطن جديدة تصلح للحياة. ولذلك فإن الرغبة في حياة ليس بها تحديات يعتبر بمثابة حبس طاقات الإنسان. وفي هذا يقول روبرت شولر: "إن الصراع هو مكان ولادة الإبداع الأعظم" ، ويقول الدكتور كاريل: "الأهداف التي تعمل على إثارة الحافز فينا تقوم بتقديم أجمل الهدايا لنا على شكل إنجازات" .
أنواع التحديات
وتنقسم التحديات من حيث مستوياتها إلى ثلاثة أقسام رئيسة:
تحد قاس: أكبر من قدرة المجتمع ولا يستطيع الإنسان تطوير آليات التغلب عليه، مثل شعب الإسكيمو وتحدي الثلوج المستمرة. فإنهم لم يتمكنوا من إبداع أي شيء يخلصهم من هذا، فاستمرت حياتهم البدائية حتى يومنا هذا.
تحد ضعيف: غير مستفز للإنسان ليطور ذاته وبالتالي يظل الإنسان على حاله من غير تقدم. مثل شعب نيوزيلندا، حيث قلة السكان ووفرة الموارد وسهولة الأرض. فلم يتقدم سكان نيوزيلندا الأصليين.
تحد خلاق: يستفز طاقات الإنسان. ولكنه – أي الإنسان – قادر على تطوير آليات للتغلب عليه مثل حالة كل الشعوب التي صنعت حضارات، فطورت آلاتها المعرفية والعملية، حتى ووجهت بتحدي داخلي أو خارجي أو بيئي ولم تستطع الاستمرار أو تباطأت حركتها فسبقها غيرها.
وهذا التحدي الخلاق هو الذي يستفز طاقة الإنسان لأقصى درجاتها تخطيطاً وتنظيماً وحشداً. وكلما استجابت الأمة بتنمية قدراتها لمواجهة تحد ما؛ كلما زادت طاقاتها. وبالتالي واجهت تحد آخر، فتغلبت عليه لتطوير طاقاتها. وبذلك يتكون المجتمع النامي والمتقدم والحضاري وليد سلسة التحديات والاستجابات الناجحة.
من الذي يقود مواجهة التحديات؟
ويرى أرنولد توينبي أن الأفراد المبدعين و القادة الملهمين والفئة ذات الرؤية والتصور – والتي تطرح رؤية للمستقبل وحراك لمواجهة التحديات – هم المعول عليهم في عملية المواجهة. فإذا انقادت لهم الأغلبية – سواءً عن طريق المشاركة في المعاناة والخبرة أو عن طريق التقليد والمحاكاة الآلية -قادوا هذه المجتمعات إلى التغلب على ما يواجهها من عقبات.
**منقول من كتاب "فلسفة التاريخ" للدكتور جاسم سلطان[/color]
من هنا التحدي اليوم هو بالأمور التالية :
1- شعوب ونظام دولي يطالب بأنظمة دستورية ومطالبة بمشاركة المجتمع المدني .
2- عاطلين عن العمل يطالبون بالوظائف والعدالة الاجتماعية .
3- القضاء على الوزراء وأصحاب النفوذ والقوى التي تمارس الفساد المالي والإداري بما يبدد ثروات الشعوب.
وغيرها من المظالب الصغيرة الأخرى .
هذا التحدي ليس قاس ولا ضعيف إنما هو من النوع الخلاق ..إلا في بعض حالات قليلة يمكن أن يكون ضعيفاً كالأردن والمغرب والبحرين بحكم أنها ممالك دستورية بالنسبة للمطلب الأول , والإمارات العربية المتحدة بالنسبة للمطلب الثاني فإنه مطلب ضعيف بحكم انه لا يوجد عاطلين عن العمل … وعمان بالنسبة للمطلب الثالث بوصف دولة عُمان أفضل الدول العربية من حيث قلة الفساد المالي وشفافية المحاسبة فهذا المطلب سيكون ضعيفاً .
ربما عداها سيكون خلاقاً بحكم أن الدول العربية الأخرى
قادرة على الإستجابة من خلال أن الأفراد المبدعين فيها و القادة الملهمين لديها – إن قرروا – والفئة ذات الرؤية والتصور – والتي تطرح رؤية للمستقبل وحراك لمواجهة التحديات – هم المعول عليهم في عملية المواجهة والاستجابة لهذه التحديات . فإذا انقادت لهم الأغلبية – سواءً عن طريق المشاركة في المعاناة والخبرة أو عن طريق التقليد والمحاكاة الآلية -قادوا هذه المجتمعات إلى التغلب على ما يواجهها من عقبات.. ونجت المجتمعات مما يحاك لها من مؤامرات داخلية وخارجية .
د.صالح السعدون [/color]