الانتفاضة التونسية .. قراءة جديدة 5/7
الانتفاضة التونسية .. قراءة جديدة 5/7
كتب : دصالح السعدون
فيبدو أن بعض الأنظمة العربية ستتساقط تباعاً والعالم يتفرج على المسرحية التي أعدها النظام الدولي الجديد , فهل هذه التغييرات إنما استدعتها ما يريد الغرب تنفيذه في عام 2012م ؟ هل يعدون المنطقة العربية لتكون متناسبة مع الحرب العالمية الثالثة أو الكارثة العالمية التي يهدون سيناريوهاتها في عام 2012م ؟ .
الصورة لشاه إيران محمد رضا بهلوي
الانتفاضة التونسية .. قراءة جديدة 5/7
كتب د. صالح السعدون
الحلقة الخامسة : الثورة الإيرانية :
ظلت إيران في الثلاثة قرون الأخيرة رغم قوتها واستقلالها الظاهري ؛ إلا أن يد الغرب ظلت تعبث بمقدراتها من حين إلى آخر , فقد أطاحوا بالكيان الفارسي عام 1921 حيث تولت “تاج الملوك” عرش البلاد،وصار “رضا خان بهلوى” وليًا للعهد فأنجب ثلاثة أطفال من بطن واحدة في نفس العام , صار محمد رضا بهلوي وليًا للعهد عام 1926 وعمره خمس سنوات بعد صعود والده إلى الحكم من والدته “تاج الملوك” وأطلق على بلاده مسمى ” إيران ” الذي مازال حتى يومنا هذا منذ عام 1935 ،ودرس ولي العهد في مدارس سويسرية والتحق بالمدارس العسكرية في بلاده.
على أن إرادة إيران لم تتحرر يومًا من يد الغرب التي كانت تتربص بها وتغير أنظمتها من حين لآخر ، فحينما أطاحت بعرش شاه إيران محمد رضا بهلوي في فبراير عام 1979 وأتت بالخميني من منفاه في فرنسا محمولاً على الأعناق؛ أرادت أن تغير نظام الشاه بأي نظام آخر؛ وكما يرى البعض لتشيعه مع السوفيت وخروجه عن طوع أمريكا , وكما يرى آخرون لأن الشاه قد احترق وآن أوان تغيير نظامه ليأتي نظاماً أكثر قوة في تنفيذ إرادة الغرب في المنطقة كشرطي يحارب إلى جانب الغرب وينفذ ما يحتاجه من مشروعات سياسية وعسكرية واقتصادية ويتحالف معه ضد العرب والمسلمين السنة .
كان الخميني قد ولد في 24/ 9/1900 واسمه “روح الله بن مصطفى موسوي” في قرية “خمين” التي نسب إليها ،ولكنه انتقل مع معلمه إلى ” ُقم ” عام 1922 م ، حتى حصل على درجة علمية , فساعد معلمه في تدريس الفلسفة حتى تم منعه من إلقاء الدروس ؛ لخلطه بين السياسة والدين وتسلق على أخطاء حكم شاه إيران وتكسب منها حتى عام 1963 حيث قاد الجماهير المعارضة لقرارات الشاه , وتم وضع الخميني في الإقامة المحددة ثمانية شهور وتم الإفراج عنه بعدها إلا أنه صار مهاجمًا للنظام الحاكم وعلاقاته مع إسرائيل والأمريكان حتى صدر ضده قرار نفي خارج البلاد فذهب إلى تركيا أحد عشر شهرًا ثم انتقل إلى النجف العراقية التي كانت تربة خصبة لأفكاره ؛ مما جعل نجله الأكبر مصطفى يلجأ إلى تهريب خطبه في تسجيلات صوتية لإيران فالتهب حر المعارضة وقُدِح الزيت خاصة بعد ظهور جماعتي ” فدائيو خلق”،”ومجاهدو خلق” اللتان اعتنقتا الفكر الماركسي بقيادة ” علي شريعتي ” الذي يعتبر الراعي الأول للثورة الإيرانية .
ولعل الأرض السياسية الإيرانية كانت معدة – كما ترى موسوعة ويكبيديا – لحدوث الثورة من خلال كثير من الأسباب :
1- فسياسة التغريب القوية التي انتهجها الشاه على الرغم من تعارضها مع الثقافة الشيعية .
2- علاقات الشاه الوطيدة مع إسرائيل واعتماده على القوى الغربية (الولايات المتحدة).
3- إضافة إلى الإسراف والفساد والنخبوية (الحقيقية والمفترضة) في سياسات الشاه وديوانه الملكي .
4- فشله في استقطاب المتعاطفين والأتباع من القيادات الدينية الشيعية لمقارعة الحملة الخمينية ضده.
5- تركيز الحكومة على مراقبة وقمع مجاهدي حركة مجاهدي خلق وباقي أطياف المعارضة اليسارية الإيرانية، بينما راحت المعارضة الدينية الأكثر شعبية تنتظم حتى قوضت تدريجياً نظام الشاه.انتهاك الدستور الإيراني الذي وضع سنة 1906م بما في ذلك قمع المعارضة من خلال جهاز الأمن (السافاك)، ولم تكن المهادنة والظهور في موقف الضعف من مصلحته عندما لجأ إليها في الوقت الذي كسبت فيه الثورة زخماً متزايداً.
6- البرنامج الاقتصادي الطموح عام 1974 لم يواكب الطموحات التي أثارتها عائدات النفط، إضافة إلى تكريسه سياسة احتكار الحزب الواحد، وتزايد حدة التضخم، ثم انتشار الأسواق السوداء.
7- سوء تقدير سياسة التقشف التي أغضبت الباعة والناس.
8- سوء تقدير قوة المعارضة.
9- طبيعة حكومة الشاه، التي منعت بروز أي منافس ذو كفاءة يمكن أن يقود الحكومة، مما أدى إلى ضعف فعالية الحكومة وتدني مستوى الإنتاج، الأمر الذي ساهم بدوره في زرع الخلافات والانقسامات داخل الجيش وبين النخب السياسية، ومن ثم غياب الدعم عن النظام وعدم توفر حلفاء فقد غادر هؤلاء مع أموالهم مع بداية الثورة.
10- سياسات الحكومة الأمريكية، فقد ساعدت على تحويل الشاه بشكل جعله يبدو كما لو أنه “دمية” في يد أمريكا، علماً أن لهم في ذلك سجل حافل، فأمريكا هي التي تكفلت بقلب حكومة محمد مصدق الديمقراطية والمعادية للغرب. وهي في الوقت نفسه التي دفعت الشاه جراء ضغوطها المستمرة ليقوم بإطلاق مشروع التغريب الذي كان من أسباب انطلاق الثورة، وأخيراً فقد تسبب الفشل الأمريكي في قراءة السطور الأولى لتلك الثورة. وبنفس الوقت بناء سيناريوهات بديلة للشاه بمجرد دنو سقوطه وكان الخميني أحد تلك السيناريوهات .
في سنة 1977م دخل رئيس أمريكي جديد إلى البيت الأبيض، كانت الآمال تحدو جيمي كارتر لتغيير صورة الولايات المتحدة المرتبط بحرب فيتنام، وتغيير السياسة الخارجية، فأنشأ مكتباً خاصاً لحقوق الإنسان، ووجه “مذكرة مؤدبة” إلى الشاه بينت فيها أهمية الحقوق السياسية والحريات. وكانت هذه بداية التغيير في سياسات أمريكا الرسمية تجاه الإطاحة بالشاه , ( وهي نفس الإشارات التي أعطاها أوباما وساركوزي لزعماء تونس ومصر , ونفسها التي أعطتها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لزعماء المنطقة العربية في مطلع عام 2011م ) , واستجاب الشاه بالعفو عن 357 سجيناً سياسياً في فبراير، وسمح للصليب الأحمر بزيارة السجون، في مسعى للبدء بطور من التحرر.
ما بين أواخر الربيع مروراً بالصيف وإلى بدايات خريف ذلك العام 1977م أسست المعارضة الليبرالية منظمات أصدرت من خلالها رسائل مفتوحة تدين فيها النظام , ولعل هذا بداية تنسيق الثورة بين ما يريده الغرب والمجتمع الدولي أو النظام الدولي الجديد بالتنسيق مع المجتمع المحلي .
وفي وقت لاحق من ذلك العام تطور الأمر بحيث التقت بعض المجموعات المعارضة علناً دون أن تقوم الشرطة بتفريقها كما جرت العادة. بل حاول الشاه أن يرضي الأطراف المحلية والدولية بأنه يستجيب للمطالب الدولية والمحلية , وعملت مختلف المجموعات المناهضة من الخارج، في الأغلب من لندن وباريس والعراق وتركيا على تسجيل خطابات قادة هذه الجماعات بأشرطة تسجيل ليتم تهريبها إلى إيران ليستمع إليها الكثيرون من الأميين من السكان.
قاومت السلطة الإيرانية وحاولت أن تقوم بحملات معاكسة , وكتبت الصحف الرسمية قصة تشهير بالخميني للحد من شعبيته, إلا أنها أتت بنتائج عكسية فقد خرجت جموع غاضبة من الطلاب والزعماء الدينيين احتجاجا على تلك الإدعاءات في مدينة قم ، وأرسل الجيش لتفريق المتظاهرين حيث قتل بعضهم بالصدامات، وزعمت بعض الروايات أن عدد القتلى تجاوز 70 طالباً . وفي الذكرى الأربعينية لمقتلهم أعدت مظاهرات جديدة في تبريز وكل أرجاء البلاد , وهاجم المتظاهرون الفنادق الفخمة ودور السينما والبنوك والمكاتب الحكومية ومدارس البنات وغيرها من الرموز التي رآها المتظاهرون أنها رموزاً لنظام الشاه، وتدخلت قوات الأمن مرة أخرى، وقتل الكثيرون في مايو 1978م.
حاول الشاه إرضاء المتظاهرين عبر تخفيف نسب التضخم، وتوجه بالمبادرات إلى بعض رجال الدين المعتدلين ، وعزل رئيس السافاك. ووعد بإجراء انتخابات حرة في الشهر يونيو اللاحق ، ولكن العمل على خفض التضخم عن طريق تقليل النفقات تسبب في ارتفاع نسبة البطالة، خصوصاً في صفوف الشباب غير المؤهلين للعمل كما يجب والذين يعيشون في أحياء فقيرة في المدن. [ وقد أدت تلك الإجراءات إلى نفس النتائج التي أدت لها التنازلات التي قدمها زين العابدين للمتظاهرين التونسيين قبيل سقوطه عام 2011م ].
في ذلك الوقت تمكن الخميني من قلوب الشعب الإيراني وساعد الغرب في نشر خطاباته , وتعاطف الشارع الإيراني معه بعد وفاة ابنه مصطفى المفاجئة والتي صبت الزيت على النار واتهم الشاه أنه مسئول ربما عن موته , كما أن زوال منافس الخميني الحفيفي آية الله علي شريعتي الذي كان من أكبر رجال الدين سبباً في خلو الطريق أمامه , ثم ضغط الشاه على رئيس العراق الجديد صدام حسين لإخراج الخميني من أراضي العراق , فأخرج العراق الخميني فاختار فرنسا لإقامته , وهناك فتح الغرب بأقوى دوله مفاوضات مع الخميني , وفي الوقت الذي وقع الخميني اتفاقات محددة بينه وبين المخابرات الفرنسية والبريطانية والأمريكية , غير أن المخابرات الإسرائيلية رفضت التوقيع معه على أية اتفاق , ومن هناك بدأ الغرب يطيح بنظام الشاه ويفكك أدواته , وجاءت أولى مظاهر المعارضة من الطبقة الوسطى في المدن، وهم فئة من السكان كانواً من العلمانيين نسبياً وأرادوا بناء ملكية دستورية وليس جمهورية إسلامية، ومن أبرز هؤلاء مهدي بازركان من “حركة تحرير إيران”، وهي حركة ليبرالية إسلامية معتدلة كانت وثيقة الصلة بالجبهة الوطنية التابعة لمحمد مصدق، وقت لاقت هذه المجموعة دعماً كبيراً في إيران ومن الغرب.وانقسم رجال الدين وتحالف بعضهم مع الليبراليين العلمانيين وآخرون مع الماركسيين والشيوعيين، الخميني الذي كان منفياً في العراق، عمل على أن تتوحد المعارضة الدينية والعلمانية والليبرالية والأصولية تحت قيادته، وذلك عبر تجنب الخوض في التفاصيل، على الأقل علنا، فتلك قد تفرق بين الفصائل.
وبعد أن كانت المظاهرات التي يؤججها الخميني بمقدور سلطات الأمن السيطرة عليها أصبحت من غير الممكن لها ذلك نتيجة للزخم الذي أخذته مع الوقت , فاضطر الشاه أن يأمر قوات الجيش بالتدخل وإنهاء المظاهرات بالقوة , لكن قائد الجيش قد وصلته أوامر من أمريكا بناء على رأي مجلس الأمن القومي الأمريكي، عندما كان زبجنيو بريجنسكي مستشارا للأمن القومي، تلك الأوامر تمنع جنرالات الجيش الإيراني من تنفيذ أوامر الشاه بسحق الانتفاضة الشعبية ضده ، وقد تم إرسال الجنرال روبرت هويزر القائد العام للقوات الأمريكية في أوروبا وقتها إلى طهران في ذروة الأزمة , وطلب من الجنرالات عدم التدخل لصالح الشاه مقابل وعد بعدم إعدامهم عند سقوط الشاه؟.[ وهي نفس الأوامر التي وصلت لقائد الجيش التونسي رشيد عمار من السفارة الأمريكية قبيل سقوط الدكتاتور التونسي بن علي بأن يتدخل ويأخذ زمام المبادرة ويستولي على السلطة إذا خرجت الأمور عن السيطرة ] .
ويرى البعض أن هذا التغيير في إيران من قبل الغرب ووصول الخميني إلى السلطة في إيران وبدعم أمريكي أوروبي، تزامن مع دعم أمريكا وأوربا للمجاهدين الأفغان في حربهم ضد الاتحاد السوفييتي , فهل كان كل ذلك صدفة أم انه حصل كثمرة لمخطط عام لتشجيع ودعم الجهاد الأفغاني ضد السوفييت من خلال حرب بالوكالة ؟ , إن عام 1979 ( عام إسقاط الشاه وعام وضع الاتحاد السوفيتي في أفغانستان أمام تحد خطير وعام استيلاء صدام حسين على السلطة بالعراق ) دخل ذلك العام التاريخ على انه عام بدء الهجوم الأمريكي المضاد للاتحاد السوفيتي ومعسكر وارسو ، انطلاقا من إيران ذات التوجه الديني الشيعي ، وأفغانستان ذات التوجه الديني الجهادي ضد الشيوعية، وكأنه رداً على هزيمة أمريكا في فيتنام وتبنيها سياسة عزلة مؤقتة منذ عام 1975 وحتى عام 1979 أعادت خلالها ترتيب أوضاعها ووضعت خططها وهنا يجب أن نذكر بأن بريجنسكي قد نفذ
اعتبارا من عام 1976، بصفته مستشارا للأمن القومي في إدارة جيمي كارتر،
نظرية اصطناع قوة أيديولوجية فعالة وذات جاذبية وشعبية اسماها بـ ( الأصولية
الدينية ) لخوض الحرب بقوة أمريكا ودعمها الكامل.
خلال عام 1977 التقى شاه إيران في أمريكا مع كل من ألفريد أثيرتون، ووليم سوليفان، وسايروس فانس، والرئيس كارتر، وزبيغنيو بريجينسكي، ففي مواجهة هذه الثورة سعى الشاه وراء مساعدة من الولايات المتحدة. فقد احتلت إيران موقعاً استراتيجياً في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، فهي موالية لأمريكا وتتقاسم حدوداً طويلة مع عدوها في الحرب الباردة الإتحاد السوفياتي، وهي أكبر دولة نفطية قوية في الخليج العربي ، لكن النظام البهلوي حظي بدعاية سلبية لسجله السيء في مجال حقوق الإنسان . السفير الأمريكي في إيران، ويليام سوليفان يقول بأن مستشار الأمن القومي الأمريكي السيد زبيغنيو بريجينسكي ” أكد للشاه مراراً وتكراراً أن الولايات المتحدة تدعمه بالكامل “. لكن الرئيس كارتر فشل في الالتزام بتلك الوعود والتأكيدات. في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 1978، اتصل بريجينسكي بالشاه ليبلغه بأن الولايات المتحدة “ستدعمه حتى النهاية”، وفي الوقت نفسه، قرر بعض المسئولين رفيعي المستوى في وزارة الخارجية أن الشاه يجب أن يذهب بغض النظر عمن سيحل مكانه.
واستمر بريجينسكي والوزير جيمس شليزنغر في التعهد للشاه بأن الولايات المتحدة ستسانده عسكرياً. حتى في آخر أيام الثورة، عندما كان الشاه يعتبر هالكاً لا محالة مهما كانت نتائج الثورة، استمر بريجنسكي في الدفاع عن خطة التدخل العسكري الأمريكي لإعادة الاستقرار الإيراني . الرئيس كارتر لم يحسم كيفية استعمال القوة بشكل مناسب، وعارض قيام الولايات المتحدة بانقلاب وأمر حاملة الطائرات يو أس أس كونستوليشن بالتوجه إلى المحيط الهندي لكنه سرعان ما ألغى أمره، تم التخطيط لصفقة مع جنرالات إيران لتحويل الدعم لصالح حكومة معتدلة، لكن هذه الخطة انهارت مع اجتياح الخميني وأتباعه البلاد، وتوليهم السلطة في 12 شباط/فبراير 1979م . أو هكذا تقول كتب التاريخ , ويبدو أن ذلك كله كان مجرد تمويه على الخطة الأصلية كسيناريوهات بديلة فيما لو فشلت خطة إيصال الخميني للحكم في طهران ولكي لا يتحول الشاه إلى عدو صريح للمصالح الغربية .
استمر العنف ليحصد أكثر من 400 شخص قضوا في حريق سينما ريكس، وهو حريق متعمد وقع في آب/أغسطس في عبدان، ورغم أن دور العرض السينمائي كانت هدفاً مستمراً للمتظاهرين الإسلاميين فقد بلغ استغل الإسلاميون الشيعة الحادثة لصالحهم ورغم أن المخابرات الأمريكية قد تكون وراء الحادث إلا أنه قد بلغت فعالية المعارضة في العمل والتواصل حداً جعل الجماهير ترى أن السافاك كان وراء الحادث في محاولة منه لتطويق المعارضة. في اليوم التالي تجمع 10.000 من أقارب القتلى والمتعاطفين لتشييع جماعي حاشد ومظاهرة تنادي (ليحترق الشاه) و(الشاه هو المذنب). وتحولت المظاهرات الحاشدة إلى أحداث منتظمة، فرض الشاه الأحكام العرفية، وحظرت كل التظاهرات. وفي يوم الجمعة 8 سبتمبر 1978، خرجت مظاهرة حاشدة للغاية في طهران، إنها المظاهرة التي حولت ذلك اليوم إلى ما بات يعرف اليوم باسم الجمعة الأسود.
نشر قادة الثورة شائعات مفادها أن “الجنود الصهاينة يقتلون الآلاف”، بينما كانت القوات التي أطلقت النار في الواقع تابعة لميليشيات الأكراد، وقد بينت التحقيقات بعد الثورة أن عدد القتلى كان صغير نسبياً (87)، ولكن في ذلك الوقت ظهرت الحكومة بصورة الحكومة الوحشية مما قلل من محبيها في الداخل وحلفائها في الخارج. أدى إضراب عام في تشرين الأول/أكتوبر إلى شل الاقتصاد والصناعات الحيوية التي أغلقت أبوابها و”حسمت مصير الشاه”. بلغت الاحتجاجات ذروتها في كانون الأول/ديسمبر 1978، خلال شهر محرم أحد أهم الشهور لدى المسلمين . وفي 12 كانون الأول/ديسمبر خرج إلى شوارع طهران نحو مليوني شخص ملئوا ساحة أزادي (شاهياد) مطالبين بإزالة الشاه وعودة الخميني [ وهي نفس الخطوات التي قامت عليها الانتفاضة التونسية وتسير عليها الانتفاضة المصرية ] .
في 16 كانون الثاني/يناير 1979 غادر الشاه والملكة إيران نزولاً عند طلب رئيس الوزراء الدكتور شابور بختيار، الذي كان لفترة طويلة زعيم المعارضة، وظهرت مشاهد الابتهاج العفوي، ودمرت خلال ساعات “كل رموز سلالة بهلوي”، وأعلن بختيار حل البوليس السرى (سافاك)، وأفرج عن السجناء السياسيين، ووعد بانتخابات حرة وأمر الجيش بالسماح للمظاهرات الشعبية. وبعد عدة أيام من التوقف سمح بعودة الخميني إلى إيران وطلب إليه تأسيس دولة مثل الفاتيكان في قم، ودعا المعارضة للمساعدة على الحفاظ على الدستور.
في 1 شباط/فبراير 1979، عاد الخميني إلى طهران وأوضح الخميني في كلمة ألقاها في اليوم نفسه شدة رفضه لنظام رئيس الوزراء بختيار، ووعد “سوف أركل أسنانهم لقلعها”، وسرعان ما أعلن عدم شرعية حكومة ” شاهبور بختيار ” معلنًا قيام الجمهورية الإسلامية , وعين منافسه مهدي بازركان مؤقتاً رئيساً للوزراء، وقال: “بما أنني قد عينته، فيجب أن يطاع”، واعتبر أنها “حكومة الله” وحذر من عصيانها، لأنه “عصيان لله”، وبدأ الجنود بالانضواء في جانبه، واندلع القتال بين الجنود الموالين والمعارضين للخميني بإعلانه الجهاد على الجنود الذين لم يسلموا أنفسهم، الانهيار النهائي للحكومة غير الخمينية حصل في 11 شباط/فبراير عندما أعلن المجلس العسكري الأعلى نفسه “محايداً في النزاعات السياسية الراهنة، لمنع المزيد من الفوضى وإراقة الدماء”.
في السنة الأولى للثورة كان هناك مركزان للسلطة : الحكومة الرسمية والمنظمات الثورية، رئيس الوزراء مهدي بازركان الذي عينه الخميني، عمل على إنشاء حكومة إصلاحية ديمقراطية، في حين عملت بشكل مستقل كل من المجلس الثوري المكون من الخميني وأتباعه من رجال الدين، والحرس الثوري، والمحكمة الثورية، والخلايا الثورية المحلية التي تحولت إلى لجان محلية. وفي حين راح رئيس الحكومة (المؤقتة) بازركان يطمئن الطبقة الوسطى، بات من الواضح أن سلطة اتخاذ القرارات النهائية هو في الهيئات الثورية وفي المجلس الثوري على وجه الخصوص، وفيما بعد الحزب الثوري الإسلامي. ازداد التوتر بين السلطتين بدون شك، رغم أن كلتيهما وضعت وأقرت من قبل الخميني.
وقد أصبح الخميني نفسه رئيسا للدولة مدى الحياة باعتباره “قائد الثورة”، وعندما تمت الموافقة على الدستور في استفتاء أجري في كانون الأول/ديسمبر 1979 أصبح “المرشد الروحي الأعلى”، وتقدم رئيس الوزراء في تشرين الثاني/نوفمبر إثر شعوره بالضعف وخلافه مع ما آلت إليه باستقالته.
بادرت قيادة الثورة في البداية إلى إعدام كبار الجنرالات، وبعد شهرين أعدم أكثر من 200 من كبار مسؤولي الشاه المدنيين بهدف إزالة خطر أي انقلاب، وأجرى قضاة الثورة محاكمات موجزة افتقرت إلى وكلاء للدفاع أو محلفين أو إلى الشفافية، ولم تمنح المتهمين الفرصة للدفاع عن أنفسهم، ومن بين الذين أعدموا بدون محاكمة (عملياً) أمير عباس هوفيدا، رئيس الوزراء السابق لإيران، أما الذين هربوا من إيران فقد تم ملاحقتهم ، فبعد مرور عقد اغتيل في باريس رئيس الوزراء الأسبق شابور بختيار، وهو واحد من ما لا يقل عن 63 إيرانيا قتلوا أو جرحوا منذ الإطاحة بالشاه. وهكذا تمت سرقة الثورة , وتم تكميم الأفواه وتحريم الديموقراطية عندما أعلن الخميني “لا تستخدموا هذا المصطلح (الديموقراطية)، إنها مفهوم غربي”. في منتصف شهر آب/أغسطس تم إغلاق عشرات الصحف والمجلات المعارضة لفكرة الحكومة الخمينية، استنكر الخميني غاضبا الاحتجاجات ضد إغلاق الصحافة، وقال “كنا نظن أننا نتعامل مع بشر، من الواضح أن الأمر ليس كذلك”. بعد نصف سنة بدأ قمع المعارضة الخمينية المعتدلة المتمثلة في حزب الشعب الجمهوري، واضطهد العديد من كبارها، ورموزها منهم شريعتمداري الذي وضع تحت الإقامة الجبرية. وفي آذار/مارس 1980 بدأت “الثورة الثقافية”، أغلقت الجامعات التي اعتبرت معاقل لليسار مدة سنتين لتنقيتها من معارضي النظام الديني. في تموز/يوليو فصلت الدولة البيروقراطية 20.000 من المعلمين و 8.000 تقريبا من الضباط باعتبارهم “متغربين” أكثر مما يجب.استخدم الخميني أحيانا أسلوب التكفير للتخلص مع معارضيه، وعندما دعا قادة حزب الجبهة الوطنية إلى التظاهر في منتصف عام 1981 ضد القصاص، هددهم الخميني بالإعدام بتهمة الردة “إذا لم يتوبوا”.
ليس مهماً إن كانت الثورة لإيرانية تنفذ أجندتها مع الغرب في سلامها مع إسرائيل منذ ثلاثة عقود , بينما تهدد العالم العربي منذ ثلاثين سنة , فقد حاربت العراق ثمانية سنوات , واحتلت جزر الإمارات العربية المتحدة , ولا تزال تهدد البحرين , وتدعي بأن الخليج العربي خليجاً فارسياً , تحاور الغرب حول برنامجها النووي , بينما لا يزال الغرب يهدد ويتوعد بينما في وقت الحرب فقد زودت أمريكا إيران بالأسلحة المعروفة بفضيحة إيران جيت , من الصعب أن نتكهن إن كانت إيران قد خانت أجندتها التي وقعها الخميني مع المخابرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية جزئياً أو أكثر من ذلك أو أنه ينفذها حرفياً , لأننا لم نطلع على تلك الاتفاقات , إلا أن التنسيق السياسي والعسكري بين الغرب وإيران في غزو أفغانستان والعراق واضح لا جدال فيه , بل إن أمريكا كانت تحاور إيران في شئون العراق في أعوام 2007و2008 م في شئون العراق أكثر مما تحاور العراقيين التي تحتل بلدهم , وقد خدع الكثيرون من أن الثورة الإيرانية هي ثورة الإسلاميون الشيعة , أو الطبقة الإيرانية الوسطى , ولكن الحقيقة هي أن النظام الدولي الجديد كان وراء الثورة الإيرانية تماماً كما كان وراء الثورتين الإنجليزية والفرنسية من قبل .
هكذا يضحي النظام الدولي برجاله وعملائه لمجرد تغيير مجرى الرياح , وتغير مجرى التاريخ بحيث يستلزم تغيير الوجوه في هذه البلدان , وكما تساقطت أنظمة أوروبا الشرقية , والعالم يتفرج ؛ فيبدو أن بعض الأنظمة العربية ستتساقط تباعاً والعالم يتفرج على المسرحية التي أعدها النظام الدولي الجديد , فهل هذه التغييرات إنما استدعتها ما يريد الغرب تنفيذه في عام 2012م ؟ هل يعدون المنطقة العربية لتكون متناسبة مع الحرب العالمية الثالثة أو الكارثة العالمية التي يهدون سيناريوهاتها في عام 2012م ؟ .
د.صالح السعدون