سوريا ولبنان … والغرب (عنز وإن طارت).
يريد الغرب , بوش والعالم الصهيو – بروتستانتي أن يرهن سوريا من خلال قميص عثمان الذي هو لبنان , فكان مطلوباً من سوريا أن تخرج من لبنان لترفض , فيكون سبباً لضربها , وحين خرجت أصبح كل ما يحدث في لبنان مسئولية سورية , فإما أن عقلاء العالم مجانين في زمن بوش الصغير , وإما أن عملاء بوش بلبنان بدءاً من العملاء الصغار أمثال السنيورة والحريري هم أكبر المجانين .سوريا ولبنان … والغرب (عنز وإن طارت).
30/9/1426 هـ الكاتب عبدالحميد الثاني
لبنان وسوريا … والغرب
سوريا ستدفع ثمن مواقفها ضد إسرائيل…. وأمريكا بالعراق
كان رجل عجوز من بني إسرائيل ثرياً وعقيماً بدون أولاد , وليس له وارث سوى ابن أخيه الذي قام بقتل عمه ليرثه ثم حمل جثته ورماها على باب جماعة من اليهود وطالب بديته , فقال بعض عقلائهم أتتقاتلون ورسول الله بينكم فذهبوا إلى موسى عليه السلام , فقال (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزواً قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) البقرة آية 67 .وحين ذبحوا البقرة أمر الله سبحانه موسى فقال لهم إضربوه ببعضها فقام المقتول فقالوا من قتلك ؟ فأشار إلى ابن أخيه ثم مال ميتاً .
لقد كان كيداً متيناً ومؤامرة محبوكة , ولكن معجزات عصور النبوة فضحتها , و لم يكن بقدرة البشر على أن يتخيلوا أن المطالب بدم القتيل إنما هو القاتل نفسه , ويقول المثل العربي ( يقتل القتيل ويمشي بجنازته ) . فهو لم يقتل عمه فقط لوراثته , وإنما إتهم به بريئاً ليأخذ ديته , وفيما يبدو أن الغرب قد إستفادوا من قصص التوراة في حربهم المعلنة مع المسلمين في هذا العصر , ففي الوقت الذي يقتل أهل السنة بالعراق سواء ما اعترف به السفير البريطاني من تطهير عرقي كبير من قبل الشيعة بالبصرة أو أهالي وسط العراق والتي يتم إستئصالهم على يد قوتين قوة الحكومة العراقية المدعومة أمريكياً وإيرانياً ومن قبل الجيش الأمريكي بالعراق, وحتى الآن حيث تقوم القوات الأمريكية بعمليات إبادة تستأصل من خلالها وبعنف شباب السنة في وسط العراق وعلى مسمع ومرأى من العالم , فإن هؤلاء الشيعة في جنوب العراق كحلفاء للغرب يحق لهم ما لا يحق لغيرهم , ولا نعني أن الشيعة كلهم مقربين من الغرب , مطلقاً بل إن بعض الشيعة الذين يتخذون الخط العروبي السوري هم تحت المحك مثل أهل السنة , فأنصار الصدر بالعراق وحزب الله بجنوب لبنان تُعد المؤامرات ليل نهار لتصفية الحسابات معهم من قبل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل , وهذا إيهود باراك يصرح بأن زيادة الضغوط على سوريا ما هو إلا بركة على إسرائيل .
قتل رفيق الحريري كمسلم سني من لبنان وقامت الدنيا ولم تقعد بعد , وقبل قتل الحريري وبعده قتل عشرات الآلاف من أهل السنة بالعراق ولكن لم يتحرك حتى المنظمات الدولية المختصة بحقوق الإنسان كمنظمة العفو الدولية أو منظمات حقوق الإنسان عبر العالم , فليت بهية الحريري أو سعد الحريري يكلفون أنفسهم – هذا على إفتراض أنهم لا يعرفون كل خفايا الأمور – مالذي يجعل دم رفيق الحريري يساوي إستقلال سوريا في حين لا تساوي كل الدماء الزكية التي تسفك بالعراق مجرد حبر بيان إحتجاج من مقامات الرئاسة في الدول الكبرى .
ومع كل محاولات المدعو ميليس أن يربط بين إغتيال رفيق الحريري وبين سوريا أو شخصيات سورية غير أنه فيما يبدو لم يجد رابطاً لا قانونيا ولا جنائياً , ولأن سوريا حذرة في سياساتها عبر تاريخها فلم يكن من السهولة أن نتصور أن تلجأ إلى قتل رفيق الحريري في هذه الظروف بالذات , فكان لابد من قتل العم الثري ليرثه قاتله ثم يرمي جثته على بوابة الحدود مع سوريا ليقول أن سوريا هي المسؤولة عن قتله , وإذا لم يجد دليلاً على قتل سوريا للحريري فإن الغرب سيقول حسب المثل المشهور ( عنز وإن طارت ) , والشاهد الذي يخفي ميليس أسمه حرصاً عليه يكفي لإثبات صحة ما نذهب إليه , وحكاية أسلحة الدمار الشامل العراقية تؤكد أيضاً مبدأ عنز وإن طارت .
شاء العالم أم أبى فالمؤامرة ماضية في طريقها إلى دمشق , مستفيدين – أي أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا – من ظروف جديدة في صراع الغرب مع العالم الإسلامي في الجبهة السورية , كما يلي :
1) تختلف مواقف العالم تجاه الصراع الأمريكي – الإسرائيلي مع دمشق عنها مع بغداد قبيل الغزو , فقد كانت باريس آنذاك تقف موقفاً أكثر قوة من واشنطن , ولكن سهولة الغزو الأمريكي البريطاني لبغداد وتفاعلاته وتبعاتهوسلبية مواقف الدول العريية؛ جعل باريس تنظم بقوة للنادي البروتستانتي – صهيوني , ( أمريكا – بريطانيا – إستراليا – إسرائيل ) , ولهذا فإن باريس تقود الصراع الغري مع دمشق الآن كرأس حربة .
2) ظهور سمير جعجع من جديد في لبنان بعد إختفائه منذ خروجه من السجن ربما كان هذا الإختفاء في أقبية المخابرات بأوروبا حوالي الثلاثة أشهروذلك لإعادة تأهيله بعد سنوات السجن الطويلة وإيضاح الدور الذي أنيط به بين الأدوار المناطة بزملائه بالمرحلة القادمة , والتي سيتم إعداد لبنان لتكون أرض إنطلاق الغزو للأراضي السورية , تماماً كما حدث عشية معركة ميسلون واحتلال دمشق على يد الجنرال غورو .
3) عبثاً ستحاول الحكومة السورية إقناع عالم محكوم من قبل القوى الخفية , ببراءتها من دم الحريري كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب , لأن أعداء دمشق وأصدقاؤها كلهم أجمعون يعلمون أن دمشق بريئة من دم الحريري , ولكن رأس دمشق مطلوب لقضية أخرى وهي ما ترى إدارة بوش بأنها- أي دمشق – هي المسئولة عن فشل مشروع غزو العراق الأمريكي , وذلك لدعمها للمقاومة العراقية كما يصرح رامسفيلد وكونداليزا رايس علناً , إلى جانب تلكؤ دمشق بالإستسلام لسلام مخز مع إسرائيل أيام حكومة رابين , ولذا لا بد من أن تدفع دمشق ثمن سياساتها المعارضة لإسرائيل وأمريكا بالمنطقة .
4) لن تكون الدول العربية معنية بدمشق بل ربما ستلعب مصر مبارك دوراً أكثر خطورة ضد دمشق _ بداية من دور الوساطة حتى تحميلها المسئولية وأخيراً تأييد غزو دمشق _ تماماً كما كان دورها قبل وإبان غزو العراق , بينما ستكون بقية الدول العربية صامتة صمت الحجارة , لذا فعلى دمشق أن تعد نفسها لمعركة خاسرة مع أعداء أقوياء ودون أن يكون لها من يقف معها.
5) يجب ألا تعوِّل دمشق بتاتاً على الصين أو روسيا فالعالم الآن يدار كمنظومة واحدة من قبل جهات خفية , وإرادتها ماضية في الأرض لأمر يريده الله سبحانه , ولذا فدمشق يجب أن تتعامل على أنها وحدها بالميدان .
6) كل الجبهات التي تعلن أمريكا وبريطانيا وإسرائيل الحرب عليها خلال الفترات القادمة , هي حروب إعلامية هدفها إرسال رسالة للعالم العربي خاصة والعالم عامة أن العرب ليسوا هم المستهدفون من هذه الحروب , وبعد إحتلال دمشق ستجد كوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا وإيران أنها في أمان واطمئنان فلا حرب ولا ضغوط لأن كل ماحدث إنما هو دور يكمل جوانب صورة الحرب ضد العرب التي مثلتها العراق أمس وتمثلها سوريا اليوم وغداً وسنرى عما قريب من يمثلها بعد غدٍ.
لذا فعلى دمشق أن تحسب حساباتها على أن الحرب مبدؤها الكلام , والخيار العسكري بدأ يلوح بالأفق , كما صرح به بوش لقناة فضائية يخيل لك من أسمها أنها عربية , حيث قال إن الخيار العسكري في نهاية المطاف غير مستبعد . وقرع طبول الحرب لآ يستدعي من المستهدف أن يقرع طبول الحرب , ولا أن يستفز العدو بل يستدعي شحذ السيوف , وإعداد الرجال .
من المهم لسوريا أن تكون مستعدة عسكرياً للغزو الأوروبي ربما جيوش فرنسية وبريطانية , بحيث يكون مسألة إحتلال دمشق من قبل القوى الصليبية والصهيونية مسألة دونها الكثير من الخسائر في صفوفهم , وألا يتكرر ما حصل عام 1920 م حين أقدم الملك فيصل بن الحسين ملك سوريا آنذاك والحكومة العربية بدمشق على حل الجيش العربي قبل ساعات من دخول غورو والجيش الفرنسي من لبنان نحو دمشق ليحتلها بعد مقاومة بسيطة قادها وزير الحربية يوسف العظمة بما جمعه من جنود الجيش المنحل .
غزو دمشق أصبح مسألة وقت ليس إلاوالعالم يتفرج أو يؤيد , والقريب يتخلى , وليس لأهل الشام إلا الله ثم سيوفهم , فكل الأحابيل الدبلوماسية والدهاء وحب السلام لن يعيد اللعبة إلى الوراء .
د. صالح السعدون