خيارات إيران الصعبة في عام 2010م: التأثير الإقليمي أم العالمي؟
خيارات إيران الصعبة في عام 2010م: التأثير الإقليمي أم العالمي؟
يوسف شلي
هناك من يرى أن إيران هي مُجرد دولة عادية مثل باقي الدول الأخرى باستثناء القوى العظمى المؤثرة، وأنها تُحاول أن تلعب في ملعب الكبار من خلال أية وسيلة تملكها. وقد طُرحت هذه الرؤية على عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين والمحللين السياسيين، وكانت ردود الفعل متباينة عندهم،خيارات إيران الصعبة في عام 2010م: التأثير الإقليمي أم العالمي؟
منقول / مجلة العصر
يوسف شلي
هناك سؤال ملح يفرض نفسه على الجميع مع بداية العام الجديد (2010): ما الذي سوف يحمله هذا العام من جديد على مستوى العلاقات المتأزمة منذ عقود بين الولايات المتحدة وإيران؟ هناك اختلاف واضح وجلي بين المحللين السياسيين والخبراء العسكريين والمختصين في الإستراتيجيات، حول معالجة الأزمة الإيرانية، حيث قد تأخذ منحى استمرار الجمود القائم، مع المزيد من تدهور العلاقات في جميع المجالات، والتشديد في الإجراءات العقابية المقررة ضد الجمهورية الإسلامية في إيران من ناحية، أو من ناحية أخرى، حدوث تحسن تدريجي فيها، وربما حتى بعض الانفراج، خاصة على صعيد الملف النووي، الذي يحتل مركز الصدارة في النزاع الدبلوماسي الحالي بين البلدين؟
وثمة تساؤلات لها صلة وثيقة بالمسائل الهامة التي لا تخص الولايات المتحدة وإيران فحسب، ولكن أيضا العلاقات مع الدول المجاورة لإيران، التي يشوبها الكثير من الاضطرابات والشكوك، خصوصاً العراق وأفغانستان، ليصل إلى عمق منطقة الشرق الأوسط، بل والمجتمع الدولي بأسره، وكل هذه الجهات لديها مصلحة في قضايا الحرب والسلام، التي تثيرها الأزمة النووية الإيرانية منذ سنوات عديدة.
ونحن نقترب من عام 2010، وفي ظل قرار مجلس الأمن للأمم المتحدة الذي صدر في منتصف يناير الماضي من أجل التصدي لمحاولات إيران خوض المغامرة النووية، بعد رفضها لقرارات المجلس، الذي طالبها بتعليق برنامجها لتخصيب اليورانيوم، واحتمال أن تشدد الأمم المتحدة العقوبات، فضلا عن غيرها من العقوبات الأحادية أو المتعددة الأطراف (على سبيل المثال، الاتحاد الأوروبي)، التي قد تتجسد في الأفق القريب، وربما تكون ثقيلة جدا، فإن روسيا والصين ستساندان قرار الأمم المتحدة بفرض المزيد من العقوبات، تماما كما فعلا في الماضي، وأيضاً في الآونة الأخيرة، كما أيدا القرار الذي صدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية (AIEA)، بتوجيه اللوم إلى إيران حول برنامجها في منشأة تخصيب اليورانيوم الثانية بالقرب من مدينة قم.
إذاً، ما هي طبيعة العقوبات الجديدة التي ستتخذها الأمم المتحدة؟ لا أحد في الأمانة العامة للأمم المتحدة في نيويورك يبدو متأكداً من الإجابة، رغم ما تداولته بعض المصادر غير المؤكدة من أنه قد لا ترقى هذه العقوبات إلى ما يأمله بعض من صقور الساسة الأمريكيين ووسائل الإعلام الأمريكية البارزة ونخبة من الخبراء في الإستراتيجية من خلال الضغوط الممارسة من أجل فرض عقوبات قاسية على إيران في مجال استيراد المنتجات النفطية (خاصة البنزين).
ووفقاً لمصدر في الأمم المتحدة، ما يثير القلق حالياً، أن البعض من هذه العقوبات الأممية لها “الكثير من الأنياب الجارحة”، كما جاء في تعبيره، وهي عقوبات من شأنها أن تصيب في المقتل الطبقة الإيرانية المتوسطة وتؤثر فيها، وهذا يعني أن العقوبات المقررة قد تأتي بنتائج عكسية.
إنه مصدر قلق واقعي، سيما بعد أن حظيت إيران بمساندة قوية من العديد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، المحسوبة على حركة عدم الانحياز. وكان مسؤول في حركة عدم الانحياز في نيويورك، صرح بأن 118 دولة “سيساندون إيران بكل قوة وحزم” من خلال القبول بالإعلان الإيراني حول سلمية برنامجها النووي، خاصة وأن طهران ستتولى قيادة حركة عدم الانحياز في عام 2012م، وأنه من الأهمية بمكان أن تحافظ على وعودها للمجتمع الدولي وحركة عدم الانحياز. وأضاف: “إذا لم تف إيران بوعودها النووية التي التزمت بها أمام حركة عدم الانحياز، سوف تخسر معركتها في مواجهة المجتمع الدولي”، كما قال المصدر نفسه.
العلاقة بين إيران وحركة عدم الانحياز من جهة، والمواجهة النووية مع العالم الغربي التي وصلت إلى طريق مسدود من جهة أخرى، تثير تساؤلات هامة حول التوجهات السياسية الإيرانية في الخارج، وميولها نحو التوجه إلى النفوذ والتأثير والدور عالمياً، أكثر منه إقليميا، إلى درجة أنه، ووفقاً لدبلوماسي إيراني مخضرم: “ليس لدى إيران إستراتيجية إقليمية، بل إستراتيجية عالمية”. والمدهش أن هذا قد يبدو صحيحاً، وأن هناك ذرة من الحقيقة حول هذا الموضوع، وهو يعكس في الحقيقة حدث صغير لكنه عميق، خاصة خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية أين أنفق الرئيس محمود أحمدي نجاد المزيد من الوقت والكثير من الجهد في جولاته في عواصم دول أمريكا اللاتينية، عكس تلك الجهود القليلة المبذولة مع الدول المجاورة لإيران.
فلماذا، تركز إيران جهودها على الصعيد العالمي، بينما كان الأحرى ـ حتى من الناحية المنطقية ـ الإسهام في الجهود الإقليمية (سياسياً واقتصادياً) على أساس وضعها الإقليمي المعترف به؟ أشار الدبلوماسي الإيراني إلى أن ذلك يرجع إلى حيوية الثورة الإيرانية التاريخية، وإلى حقيقة أن طهران لديها تاريخ طويل ومعترف به في بناء إمبراطورية.
وامتلاك اثنين من الكيانات الجديدة الفتية في المشهد العالمي، باكستان (التي نالت استقلالها من الهند في عام 1947) وإسرائيل (التي ظهرت إلى الوجود بعد القرار الأممي القاضي بتقسيم فلسطين في عام 1948)، قنابل نووية، في حين أن إيران القديمة تاريخياً وحضارياً (الإمبراطورية الفارسية التي عمرت أكثر من عشرات القرون) لا تملك واحدة منها، ليس أمراً معقولاً أو مقبولاً عند غالبية الإيرانيين، الذين يقولون إن إيران بحاجة إلى درع نووي للدفاع لحمايتها من التهديدات الأمريكية والغربية، التي يشكل وجودها العسكري في جوار إيران خطراً إستراتيجياً يُهدد مصالحها الحيوية في المنطقة.
ولكن، في ظل النظام السياسي القائم والعولمة السائدة، فإن الأهمية الحقيقية لطموحات إيران “النووية” ترتكز على تحقيق ـ إلى حد ما ـ توازن دقيق، لا تكون بموجبه إيران دولة قومية فحسب، ولكن جبهة رائدة عالميا وفي الصف الأمامي الأول لبلدان عدم الانحياز، وهو ما يشكل ضغطا فعلياً على القوى والدول النووية لدفعها إلى اتخاذ خطوات جدية وجذرية في اتجاه نزع السلاح أو مواجهة احتمال ارتفاع في عدد الدول الحائزة على السلاح النووي.
ومن جانب آخر، لنفترض للحظة أن إيران التزمت بهذا السيناريو، فإنها بذلك قد كسبت المزيد من الهيبة والاحترام في جميع أنحاء العالم، حتى وإن لم تحصل على القدرة النووية، خلافا لدول مثل الهند التي حصلت على القنبلة النووية في إطار التأقلم مع “الوضع الإقليمي” ومن باب “الهيبة والنفوذ”.
في المُقابل، فإن هذا يتطلب مسلكا نظامياً ذا توجهات سياسة خارجية، تتجاوب مع منطق الدولة “السيادية” وتحترم القرارات المذكورة أعلاه، بدلاً من الوقوع في حبائل الإقليمية البحتة من باب “استعراض القوة”.
وفي الوقت نفسه، فإن مخاوف إيران المشروعة لحماية أمنها القومي يستوجب على الآخرين (خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي) معالجتها بالكامل لتأمين الحماية لها من التهديدات الخارجية التي تطالها، والتي من الممكن أن تُزعزع كيان الدولة، مما قد ينطوي على مخاطر كثيرة. وبعبارة أخرى، فإن إتباع نهج متوازن مرتبط مع نهج أكثر قوة إقليمياً على أساس “الطاقة (النفط والغاز) والدبلوماسية” وذلك للتقليل من المخاوف الإيرانية حيال حماية أمنها القومي. ولكن، هناك من يرى أن إيران هي مُجرد دولة عادية مثل باقي الدول الأخرى باستثناء القوى العظمى المؤثرة، وأنها تُحاول أن تلعب في ملعب الكبار من خلال أية وسيلة تملكها.
وقد طُرحت هذه الرؤية على عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين والمحللين السياسيين، وكانت ردود الفعل متباينة عندهم، حيث ذهب البعض إلى أن إيران ومع ضآلة دورها في الاقتصاد العالمي، لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تتحول إلى مشروع ما يسمى بـ”قوة عالمية”.
في حين، دافع آخرون على هذا الوصف، باعتبار إيران قوة إقليمية وعالمية، وذلك من خلال الإشارة إلى “مناطق نفوذها”، ودورها الفاعل في مجموعة الـ 8، وفي منظمة المؤتمر الإسلامي، وموقعها كمراقب في منظمة شانغهاي للتعاون، وعضويتها في حركة عدم الانحياز، وهو دليل ـ عند هؤلاء ـ على البعد الدولي الذي تتمتع به إيران، مع إصرار بعض الخبراء على أن إيران هي “دولة طلائعية بامتياز في العالم الثالث”.