المؤامرة … بين الحقيقة والتكذيب2/4
انتقال الحكومة اليهودية إلى شرق أوروبا :
وفي عام 1492م كان آخر ملوك بني الأحمر ملوك غرناطة عبدالله الصغير يذرف
دموع الحسرة على الجبل الذي سينزل منه إلى السفينة التي ستقله إلى المغرب مودعاً الأندلس حيث سمي ذلك الجبل بـ ( حسرة العربي ) ؛ حيث أمسى ملوك الأسبان وقد تخلصوا من الخطر العربي , فبدأوا بتطبيق سياسة البابوية المسيحية ضد العرب و المسلمين واليهود معاً , وأوتي اليهود من حيث لم يحتسبوا , فضيق عليهم الأسبان وجودهم بأسبانيا, واضطروا البحث …..
د.صالح السعدونانتقال الحكومة اليهودية إلى شرق أوروبا :
وفي عام 1492م كان آخر ملوك بني الأحمر ملوك غرناطة عبدالله الصغير يذرف
دموع الحسرة على الجبل الذي سينزل منه إلى السفينة التي ستقله إلى المغرب مودعاً الأندلس حيث سمي ذلك الجبل بـ ( حسرة العربي ) ؛ حيث أمسى ملوك الأسبان وقد تخلصوا من الخطر العربي , فبدأوا بتطبيق سياسة البابوية المسيحية ضد العرب و المسلمين واليهود معاً , وأوتي اليهود من حيث لم يحتسبوا , فضيق عليهم الأسبان وجودهم بأسبانيا, واضطروا البحث عن ملجأ يلتجئوا إليه بعيداً عن اضطهاد الأسبان والحكومات الأوروبية الكاثوليكية , ووجدت الحكومة اليهودية الخفية ضالتها في الملكية البولندية الضعيفة في شرق أوروبا؛ حيث انتقلوا إلى هناك وأخذوا من الملك البولندي المقاطعات البولندية الأربعة ؛ يأخذون الضرائب من الفلاحين ليعطوا الملك ما يريدوه ويبقوا الباقي لتوفيره لهم , وسيطروا على الصناعات من صناعة الخمور إلى صناعة السلاح , وظلوا فيما سمي بحكومة الحاخامات اليهودية الخفية ما بين عامي 1500م -1772م حتى تمكنت الحكومة الروسية تحت قيادة الإمبراطورة كاترين الثانية من إسقاط الملكية البولندية لمعاقبة يعاقبة وارسو كما يقول المؤرخ الأمريكي بول كيندي , وبهذا سقطت الحكومة اليهودية أو كما يقول المؤرخ الصهيوني أوغسطين “إن المركز أنهى وجوده ” أي أنه حلَّ نفسه , ولكنه يعود مرة أخرى ويقول بأن مركز الحكومة اليهودية في المنفى قد استمر وجوده بعد عام 1772 م لكنه عمل بالسر ( دوغلاس ريد ص 77- 78) .
وفي السنة التالية غير هؤلاء القادة تكتيكهم فبدلاً من الحاخامات جاء دور الاقتصاديين ؛ حيث كان أكبر اقتصادي يهودي آنذاك أسمه مائير آمشل باور في فرانكفورت يدير أعمال صيرفة كبرى ناجحة ويمتلك علاقات كبرى مع أسر مالكة ورجال السياسة في أوروبا وللهروب من معاداة السامية سمى عائلته بأسم الدرع الأحمر ( رد شيلد ) أو روتشيلد , وهذه العائلة الآن منتشرة بين فرنسا وبريطانيا و أمريكا, وهي من أكبر العائلات ثراء على مستوى العالم قاطبة , وتمكن هذا الرجل من إقامة مجلس احتكار اقتصادي عالمي للتحكم والسيطرة على اقتصاديات العالم , ومقره فرانكفورت , وأصبح هذا المجلس هو المسيطر ليس على الجاليات اليهودية في الشتات بل على السياسة العالمية برمتها بحيث سيطر على السياسة من خلال الاقتصاد .
ولعل المؤامرة قد استمرت من خلال زخم كبير وسريع ومن خلال أحداث متلاحقة لم تستطع أوروبا النائمة والغارقة في الجهل حتى أذنيها استيعاب تلك الأحداث , ففيما بين عامي 1500و 1520م قامت ثورة البروتستانت بحيث تغيرت أوروبا فشمال أوروبا كاد يحرق الإنجيل واعتنق التوراة ككتاب مقدس له المكانة الأولى في ديانتهم الجديدة حيث أصبح للعهد القديم (التوراة ) المقام الأول أما الإنجيل الذي أطلق عليه ( العهد الجديد ) فقد وضع على الرف بلا قيمة , وأصبحت شمال أوروبا يهودية المعتقد دون أن تتمكن من أن تعلن أنها يهودية الديانة , لقد ركب اليهود من خلال مارتن لوثر زعيم الديانة الجديدة لشمال أوروبا البروتستانتية لكي يكون أتباعها مجرد خدمٍ متطوعين لخدمة شعب الله المختار , وحين حاول التراجع أتى من يكمل دوره أمثال كليفن الهولندي 0لقد زرعت تنبؤات غامضة في توراة البروتستانت بأن هناك شعباً سينقل بنات وأبناء إسرائيل من وراء الجزر عبر البحار نحو فلسطين فأصبحت هولندا وإنجلترا فيما بعد كل يتمنى أن تكون تلك النبوءة تعنيهم بالذات .
وفيما بين 1540 و 1560 م تمكن اليهود من إقامة نظام جديد في هولندا من خلال ما سمي بثورة الأراضي المنخفضة بهولندا وبلجيكا ضد العرش الأسباني الكاثوليكي حيث تم الاتفاق على أنه يسمح لليهود بالتجمع في تلك البلد التي اتخذت نظاماً جمهوريا وتمكنوا من تشكيل شركات تجارية ومصرفية كبرى عبر البحار وصلت جهودها ونشاطها حتى جنوبي آسيا ولم تمض عقود قليلة حتى تطورت المؤامرة شمالاً فمن ألمانيا 1520م إلى هولندا عام 1540م إلى إنجلترا عام 1620م وحتى عام 1640 م حين قبض على الملك الإنجليزي من أسرة آل ستيوارت الكاثوليكية وسجن ثم أعدم وأعلنت أول جمهورية في إنجلترا على يد أحد النواب غير معروف الأصل وأسمه كرومويل الذي أصبح سيد جمهورية إنجلترا الحرة والذي أعطى اليهود كل الحرية التي يطلبونها من أسرة آل ستيوارت دون جدوى حتى أنه أول من أعلن أن العالم بدأ يشهد تغييرات حاسمه وأن شعب إنجلترا سيكون أول من ينقل بنات إسرائيل نحو الأراضي المقدسة , لقد تمكن اليهود من إجراء تغييرات دموية متشددة في إنجلترا من خلال هذا العميل حتى أن اليهود أرسلوا من هولندا من يبحث عن أصوله إن كان يهودياً وقد اكتشف الشعب الإنجليزي بعد فوات الأوان مدى خطورة الدور القذر الذي قام به هذا العميل فنبشت جثته وأحرقت في العراء .
وفي عام 1772م سقطت حكومة الحاخامات – كما أسلفنا بوارسو – عاصمة بولندا , وأسست في فرانكفورت عام 1773م بقيادة روتشيلد واثني عشرة مليونيراً يهودياً أول حكومة للاقتصاديين اليهود ؛ هدفت إلى القبض على زمام ودفة السياسة العالمية من خلال التحكم بالاقتصاد وخنق الحكومات المخالفة لأوامر اليهود وسميت هذه بكتلة الاقتصاديين اليهود ذلك أن عام 1848م ولدت كتلة يهودية أخرى هي الاشتراكية الدولية أو الشيوعية العالمية بقيادة ماركس اليهودي الألماني وزميله أنجلز وحدثت في ذلك العام أول اضطرابات للبروليتاريا ( طبقة العمال ) الذين هم الخادم الثاني لتحقيق مآرب اليهود بغباء مطلق وقد حدثت اضطرابات عمالية بألمانيا استدعت هروب ماركس نحو إنجلترا حامية اليهود .
وظلت الكتلتين تتوازعان وتتقاسمان النفوذ كما سنرى لاحقاً في أوروبا والعالم حتى ظهرت كتلة القوميين اليهود (الصهيونية) التي كانت الوسط بين اليمين اليهودي كتلة الرأسماليين واليسار اليهودي كتلة الاشتراكية الدولية .
الـصـهيـونية:
أول من استعمل تعبير الصهيونية هو ناثان بيرنباوم ( Nathan Birnboum) وذلك اثر المذابح التي تعرض لها اليهود في روسيا ، على خلفيـة اغـتيال القيصر الروسي الكسندر الثاني في عام 1881م/1298هـ ، وقد قامت هذه المذابح بعد أن تبين مسئولية بعض اليهود عن هذا الاغتيال .وقد أدت هذه الأحداث إلى بروز المسألة اليهودية في روسيا بشكل واضح ، كما كان من نتائجها نزوح وهجرة أعداد كبيرة من اليهود إلى بولندا وأوروبا الغربية وأمريكا وتوجهت أعداد من هذه الجماعات اليهودية إلى فلسطين .
وفي عام1882م/1299هـ ظهرت منظمة يهودية تحت مسمى((محبي صهيون )) في روسيا نادت بفكرة استيطان فلسطين واستعادة اللغة العبرية، فكانت هذه ((البذور الأولى للصهيونية السياسية )) (آلان تايلر ص20- 23) ، ويعود اسم صهيون إلى جبل في القدس ومنه أخذت الصهيونية اسمها (أكرام ألمعي ص 18-19). والصهيونية حركة سياسية قامت في شرق أوروبا هدفها تجميع يهود العالم في وطن قومي لهم متخذين من الاضطهاد الذي حدث لهم ذريعة لوجودها وأهدافها (حسن الخولي ج 1 ص 15) . ويوحي اسم هذه الحركة أن الأرض التي ستنشأ عليها دولة اليهود في المستقبل هي فلسطين بالتحديد .
حدث ذلك بعد فشل فكرة اندماج اليهود في مجتمعاتهم التي بدأت منذ بداية القرن التاسع عشر أثناء الثورة الفرنسية، وكانت هذه الدعوة سلاحاً ذا حدين ، ففي الوقت الذي يتمكن اليهود من الاستفادة من كافة الامتيازات والتسهيلات الموجودة في المجتمع ، فهم أيضا ظلوا مجتمعاً له خصوصيته . وقد استغل اليهود ذلك للتفوق والسيطرة على مناحي الحياة ، كالتجارة والصرافة والجامعات وغيرها, وقد انتبهت الحكومة الروسية إلى هذا الأمر فحاولت سن قوانين للحد من سيطرة اليهود على الحياة في روسيا ، فنتج عن ذلك مزيداً من التذمر في أوساط اليهود وبالتالي شاركوا في قتل القيصر الروسي في عام 1881م/1298هـ . فرد الروس بمزيد من الاضطهاد لليهود، فاعتبر اليهود أن الحركات الاندماجية والثقافية هي دعوات فاشلة . (ي . س . يغسييف و ل . فوستوكوف ، الصهيونية في روسيا القيصرية ص 22-25 ) .
وكان الكثير من الأوروبيين ينظرون إلى أن تحرير اليهود مع قيام الثورة الفرنسية سيجعل اليهود غير محتاجين إلى ما يريدونه في مزاميرهم من حب العودة إلى فلسطين ، وأنهم سيندمجون مع الشعوب التي يعيشون فيها ، كما أكدوا ذلك إلى نابليون, وكما يقول تقرير اللجنة الملكية لفلسطين الذي عرض على البرلمـان البريطـاني في يوليو 1937م/1356هـ (( بأنه قد كان يظن أن اليهود سيندمجون في سكان البلاد التي يقطنونها فيصبحون إنجليزاً أو فرنسيين أو ألماناً أو أمريكيين في كل شئ ما عدا العقيدة والأصل … ,غير انه في أواسط ذلك القرن (التاسع عشر الميلادي ) تبين أن المشكلة اليهودية لم يكن مقدراً لها أن تحل بهذه السهولة …)) ( تقرير اللجنة الملكية لفلسطين ، لندن ، تقرير عرض على البرلمان البريطاني في تموز 1937م، ص 17) ويمضي التقـرير قائلاً (( والحـق أن الصـهيونية لاقت هوىً شديداً في نفوس الطبقة
المثقفة من اليهود الذين كانوا قد تحرروا في أوروبا الغربية ، أصبحت حريتهم مضمونة كل الضمان ، ثم إن منشأ الصهيونية هو الاعتقاد بأن التحرر والاندماج في الشعوب الأخرى لن يتوصلا قط إلى حل المشكلة اليهودية ، فهذه العملية المزدوجة كانت عندئذٍ قد أحدثت رد فعل مخيف … ثم انه … كان ثمة عدد كبير من اليهود … حتى في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية ممن يشعرون بأنهم بالرغم مما مُنحوه من المساواة ، وما سمُوا إليه من المناصب ، فالمجتمع الذي كانوا يعيشون فيه لم يعتبرهم قط كجماعة من أفراده بكل ما في هذه العبارة من معنى ، فاليهودي ظل مختلفاً عن البقية ومنعزلاً نوعاً ما ، ومهما بلغ من حب الناس له واحترامهم إياه ، فإنهم ظلوا يفكرون به ويتكلمون عنه كيهودي )) ,و أكد التقرير أن الصهيونية رأت من هذا المنطلق أن الحل في وجود وطن لليهود وفي نظر معظم الصهيونيين (( لا يمكن أن تكون تلك البلاد إلا فلسطين … ولذلك كان نشوء الصهيونية منذ البدء مقروناً بفكرة إحياء اللغة العبرية )) (1).
ولعل التساؤل الذي يطرح هنا ، إذا كان فقراء اليهود قد اعتنقوا مبادئ الصهيونية تحت وطأة الاضطهاد ، فما هي الأسباب التي جعلت كثير من الذين منحوا حق المساواة و سمو إلى مناصب ومراكز عالية في مجتمعاتهم الانضمام إلى الصهيونية . ولعل مما يزيد من علامات الاستفهام وفي الوقت ذاته يؤكد ما ذكره التقرير، أن يهود هولندا تقدموا برجاء إلى الحكومة الهولندية في عام 1785م/1199هـ حين أرادت إثر الثورة الفرنسية تغيير وضع اليهود وطرحت على البرلمان مشروع تحرير اليهود وإخراجهم من الجيتو, وإدماجهم مع المواطنين ومساواتهم في الحقوق والواجبات، فتقدموا برجاء أن تتركهم وشأنهم (2) , مما يعني أن اليهود لم يكونوا صادقين في رغبتهم بالاندماج مع الشعوب الأخرى وإنما كانت مجرد خطة مرحلية .
ولقد أكد الدكتور مانديلشت مندوب مدينة كييف الروسية الصهيوني للمؤتمر الصهيوني الثاني الذي عقد في بال بسـويسرا عـام 1898م/1316هـ (( أن اليـهود يرفضون قطعـاً الأفـكار التي تدعـوهم للالتقـاء مع الشعـوب الأخـرى ، وسـيظلون أوفـياء لآمالهم التاريخية ، إقامة إمبراطوريتهم اليهودية … )) .
ويحلل هرتزل الموقف الذي يعيشه اليهود في القرن التاسع عشر ، وسط المجتمات الأوروبية قائلاً (( إن العداء الحديث للسامية لا ينبغي أن يختلط علينا مع الاضطهاد الديني لليهود في الزمن الماضي … ولكن التيار الرئيسي لحركة العنف قد تغير الآن ، إنه يحدث نتيجة لتحرير اليهود في أكبر البلاد التي يسود فيها العداء للسامية ، فعندما تنبهت الأمم المتحضرة إلى لا إنسانية قوانين التمييز العنصري أعتقونا ،فمن الغريب أننا ونحن في الجيتو قد تحولنا الى برجوازيين ، وخرجنا منه فقط لندخل في منافسة ضارية مع الطبقة الوسطى … ,وفي نفس الوقت لا يمكن إلغاء حقوق اليهود في المساواة أمام القانون بعد أن تم التسليم بها ، ليس لأن ذلك سيكون مضاداً لروح عصرنا ، ولكن لأنه سيدفع اليهود على الفور –أغنياء وفقراء على السواء – إلى صفوف الأحزاب المخربة ،فلم يعد هناك شيء فعال للإضرار بنا )).
ولو أن كاتباً ما وصف هذه المسيرة التاريخية لليهود مع المجتمعات الأوروبية لقيل انه معادٍ للسامية ، غير أن هرتزل يصف تاريخاً ذاتياً يعرفه جيداً ,وهو الحال ذاته التي وجدت روسيا نفسها فيما بين النصف الثاني للقرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين . كما يتفق في بعض زواياه بما ذكره دزرائيلي حين أنتخب في لنـدن (( لا يونيل دي روتشيلد )) نائباً في البرلمان البريطاني ، غير أنه لم يتمكن من دخول المجلس لان الدستور البريطاني – آنذاك – يقتضي القسم بأنه (( مسيحي مؤمن صميم )) ، واقترح اللورد جون رسل رئيس حزب الأحرار, وصديق دزرائيلي تعديل الدستورحيث (( يحق لكل بريطاني أن ينعم بجميع امتيازات الدستور ))، إلا أن حزب المحافظين صوت جميع أعضائه ضد المشروع ( اقتراح رسل ) عدا دزرائيلي وزميل له ، وألقى دزرائيلي خطابا قويا قال فيه : (( إن أكبر خطأ يرتكبه حزب محافظ هو اضطهاد اليهود ، تلك الأمة المحافظة الصميمة ، يدفعونها بهذا التصرف إلى الالتحاق بأحزاب ثوروية وفوضوية يمهرونها بإدارة رشيدة مرهوبة الجانب…)).
وبهذا فقد أصبحت الدول الأوروبية حكومات ومجتمعات بين أمرين كما قال هرتزل ، فهم غير قادرين عن التراجع عن منح اليهود للحقوق التي اكتسبوها ليس لمبررات أخلاقية ، ولكن – وكما يتفق معه دزرائيلي – إن لم تمض هذه الحكومات والمجتمعات في نفس الخط فإن اليهود سينضوون تحت لواء الأحزاب الثورية الفوضوية ، وقد لخص ذلك أحد اليهود واسمه بيتر ناثان بقوله (( فإذا كنت معادياً للرأسمالية ، فإنها من اختراع اليهود ، وها هو جميع رأسمال العالم بيد اليهود ، أما إذا كنت معادياً للشيوعية فستجد أن جميع الاشتراكيين والشيوعيين من اليهود ، كما هو الحال مع ماركس وتروتسكي …)) (2) .ورغم المبالغة في استخدام كلمة “جميع ” إلا أن ذلك لا يعني أن هذا الزعم بعيداً عن الحقيقة .
هذه الصورة التي كانت الشعوب الأوروبية تعيشها كانت وراء الشعارات والعبارات التقليدية ((في برلين : أيها اليهود اخرجوا)) (3)، و (( لا تشترى من اليهود)) (4) . وفي الوقت الذي كان موقف اليهود يزداد قوة كانت الشعوب الأوروبية غير قادرة على التغيير ، فحين فاجأ دزرائيلي البرلمان البريطاني بخطابه القوي, صاح أعضاء البرلمان(( يا للجرأة يا للجرأة )).
ومما يثبت ذلك ما كتبه هرتزل في كتابه ( الدولة اليهودية ) حين قال : ((لقد كانت مجوهراتنا في الماضي تصادر ، ولكن كيف يمكن الوصول إلى ممتلكاتنا المنقولة الآن ، أنها تتألف من أوراق مطبوعة مغلق عليها في مكان ما بالعالم ، ربما في صناديق المسيحيين ، طبعاً من الممكن الوصول إلى السندات والأسهم في السكك الحديدية والبنوك والمشروعات الصناعية من كل نوع ، وذلك من خلال الضرائب ، فحيثما يطبق نظام متقدم للضرائب فإن ممتلكاتنا المتنقلة يمكن في النهاية الوصول إليها ، ولكن …لا يمكن قصرها على اليهود وحدهم ، ومهما يكن من الأمر فإنها حيثما وجدت, فإن أثرها المباشر سيكون كارثة اقتصادية حادة لن يقتصر أثرها على اليهود، …هذه الاستحالة في الوصول إلى اليهود هي نفسها التي تغذي الكراهية ضد اليهود وتجعلها أكثر مرارة ، إن العداء للسامية بين الشعوب يتعاظم يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة ، وهي حرية بأن تتعاظم حقاً لأن أسباب نموها مستمرة في الوجود ، ولا يمكن إزالتها … أما سببها الراهن فيرجع إلى ظهور أنصاف المثقفين بيننا بأعداد كبيرة ، وهؤلاء لا يجدون متنفساً أسفلهم أو من فوقهم ، أعني لا يجدون متنفساً صحيحاً في أي اتجاه ، ونحن عندما نغرق نصبح بروليتاريا ثائرة من أتباع جميع الأحزاب الثورية ,وفي نفس الوقت عندما نرتفع ، ترتفع معنا القوة الرهيبة للمال …)) .
إن الخيارات – حسب رأي هرتزل – التي يضعها اليهود أمام شعوب أوروبا هي : إما أن يرتفع اليهود فيرتفع معهم قوة المال الرهيبة ، وإما أن يغرقوا فتصبح جموعهم بروليتاريا ثائرة تدخل في الأحزاب الثورية فتدمر أعداءها ، إذ يؤكد هرتزل في موقع آخر من كتابه : ((إن الذين يرغبون بصدق أن يروا اليهود يذوبون في بوتقة واحدة مع الشعوب الأخرى ليس أمامهم غير طريق واحد وهو أن يمتلك اليهود بادئ ذي بدء قوة اقتصادية تمكنهم من التغلب على التحيز الاجتماعي القديم الذي يمارس ضدهم … أن الحصول المسبق على القوة يمكن أن يكون مرادفاً للتفوق الاقتصادي الذي يتهم اليهود خطأ بأنهم يملكونه )) .
ورغم ذلك فإنه يقول في رسالة له لسيدني وايتمان (1) في عام 1897م/1315هـ (( إن نشاط اليهود وأهميتهم تجارياً ومالياً معروفان جداً ، إنه نهر الذهب ، والتقدم والحيوية )) (2) . وسواء قام الأوروبيون بتحرير اليهود أو حاولوا التراجع في ذلك ، وسواء كان الفقراء من اليهود أو الأغنياء فلا التحرير ولا الاندماج هو الذي سيحل المسألة اليهودية ، ومن دراسة أفكار هرتزل كزعيم صهيوني يمكن أن نستنتج أن معاداة السامية أو الاضطهاد الذي تعرض له اليهود ، لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون سبباً أوجب على اليهود الاتجاه نحو الصهيونية التي ستضع حلاً لاضطهاد العالم لليهود .
ويؤكد هرتزل أن اليهود مسئولين عن استمرار العداء للسامية حين يقول (( إن المسألة اليهودية توجد حيث يوجد عدد ملحوظ من اليهود ، وحيث تختفي هذه المشكلة فمعناها أن اليهود قد هاجروا وحملوها معهم ، ومن الطبيعي أننا نرحل إلى الأماكن التي لا يوجد فيها الاضطهاد ، حتى إذا حللنا هنالك فإن مجرد وجودنا في حد ذاته يولد الاضطهاد ، هذه هي الحال في كل بلد وستظل هكذا أبداً … )) .
وقد كتب هرتزل في يومياته بتاريخ 11/6/1895م-1313هـ يقول (( لقد صرنا أداة تعذيب للشعوب التي اضطهدتنا ، إنهم يلاقون جزاء ما اقترف آباؤهم إن أوروبا الآن تعاقب على المعسكـرات ، والحق أننا نتألم الآن بسبب الآلام التي نحن سببها, إنـه جـلد بأذنـاب العقارب، عقارب حية …))(1). ومن هنا فمن الصعب القبول بالاعتقاد الذي يروج من أن يكون الاضطهاد والتمييز ضد اليهود وراء ظهور الصهيونية (2) . أو أن ظهور الصهيونية كان بسبب أن اليهود الروس قد تعرضوا إلى اضطهاد ومذابح وافقت عليها الحكومة الروسية ضمناً أو ربما تواطأت في تنظيمها (3).
من أقوال هرتزل وغيره من زعماء اليهود يتبين أن تعامل اليهود مع الشعوب الأوروبية عموماً وروسيا خصوصاً ، كان وراء العداء للسامية التي تدعي الصهيونية أنها قامت من أجل وضع حل للمسألة اليهودية بسبب ذلك العداء .
وفي ضوء ما تقدم من معطيات وبخاصة مضامين آراء هرتزل ، نجد أن اليهود في روسيا قد سيطروا على المال والتجارة والتعليم والجامعات والوظائف العامة في روسيا إبتداء من بداية عهد القيصر اسكندر الثاني ، وكان سلفه القيصر نقولا الأول الذي ولد في عام 1796م/1217هـ وتوفي في 1855م/1271هـ قد فرض على اليهود التعليم الإجباري بغية دمجهم في المجتمع مما أتاح لهم أن يصبحوا النخبة الروسية في النواحي الفكرية ، وأن يجمعوا السيطرة الثقافية إلى جانب السيطرة الاقتصادية ، وقد عد هذا القرار (( أخطر حدث في تاريخ روسيا )) كما سيطروا في عهد خلفه إسكندر الثاني على المال والمهن و الصيرفة والبنوك والمرافق الصناعية والتجارية ، وحين نجحت مؤامرة اغتياله ، قام القيصر إسكندر الثالث , بإصدار قوانين مايو الاقتصادية هدفت هذه القوانين للحد من سيطرة اليهود على الاقتصاد الروسي وقد مهد القيصر إسكندر الثالث لقوانين مايو الاقتصادية بمرسوم قيصري قال فيه ((وخلال السنوات العشرين الماضية استولى اليهود تدريجياً على مختلف فروع التجارة والعمل ، وعلى جزء كبير من الأراضي إما بشرائها أو بحراثتها ، وفيما عدا بعض الحالات لم يحصر اليهود اهتمامهم … لإنماء ثروة البلاد أو إفادتها ، بل لسلب سكانها ولا سيما الفقراء منهم بحيلهم وخداعهم ، وقد عبر الشعب في أعمال العنف والسرقة عن احتجاجه ضد هذا السلـوك ، وفيما الحكومة تبذل قصـارى جهدها للقضـاء على الاضطرابات وإنقاذ اليهود من الظلم والقتل فهي ترى … إن الواجب والعدل يحتمان عليها أن تعتمد بسرعة تدابير حازمة لوضع حد لما يناله السكان من اضطهاد اليهود، ولتحرير البلاد من غدرهم واحتيالهم وهما سبب الاضطرابات …)) .
ويتفق مضمون مرسوم القيصر مع ما قاله هرتزل في رسالته لروتشيلد((…وما تزال ثروتكم.. تزداد …بسرعة تفوق ازدياد الثروات القومية للبلدان التي انتم فيها…هذه الزيادة إنما هي على حساب ازدهار الأمة..)) .
ويذكر يفسييف من خلال تحليل أوردته مجلة الفجر الصهيونية بتاريخ 3 أكتوبر 1902م/1320هـ مدى سيطرة اليهود على غرفة التجارة والصناعة ، أن اليهود على سبيل المثال – كانوا يمتلكون في 7 محافظات من المنطقة الشمالية الغربية في نهاية القرن التاسع عشر (1402 ) مصنعاََ وورشة من أصل (2749) وصلت رساميل المصانع اليهودية إلى ( 29.962.000 ) روبل من أصل (62.918.500 ) روبل ويعمل بهذه المصانع والورش اليهودية (30.105 ) عامل من أصل (51.659) عامل إلى جانب أن العمالة اليهودية في المنطقة الشمالية – الغربية قد بلغ (22.779 ) عامل يهودي ، وفي المنطقة الجنوبية الغربية (9569 ) عامل يهودي ، هذه القوة الاقتصادية للجالية اليهودية في روسيا والتي هي أعلى بكثير من مستوى نسبة هذه الجالية لمجموع سكان روسيا ، حيث وصلت في إحصاء عام 1897م/ 1315هـ فقط إلى 11.5 % من السكان .
لقد كان في مدينة كييف وحدها في بداية القرن العشرين من تجار الدرجة الأولى ( 432 ) تاجراً منهم 414 تاجراً يهودياً و( 18 ) تاجراً فقط من المسيحيين .
ولهذا حاولت الحكومة الروسية من خلال قوانين مايو الاقتصادية عرقلة سيطرة اليهود على قطاعات التجارة والصناعة والزراعة والتعـليم ، وقد أقـرت الوزارة الروسـية احتساب 10% فقط من مقاعد الجامعات للطلاب اليهود وهو عدد يتناسب مع نسبة اليهود
قياساً بعدد السكان إلى حد كبير ، فحاول الطلاب اليهود الاستحواذ على كليات الطب والقانون التي كان اليهود يفضلونها ، فصدر تنظيم يجعل نسبة العشرة بالمائة لكل كلية على حدة مما أثار ثائرة اليهود . ولهذا فبما أن هذه القوانين تمنعهم من الارتفاع – حسب تعبير هرتزل – نحو تحقيق أهدافهم ، كان لابد لليهود من أتباع الخيار الثاني ، فإذا كانت روسيا تريد أن تغرق اليهود ، فإنهم سينضمون إلى الأحزاب الثورية والمخربة وسيتحولون إلى (( بروليتاريا ثائرة )) كان من نتيجتها اغتيال شخصيات كبرى في الحكومة الروسية كوزير التعليم عام 1901م /1319هـ ووزير الداخلية عام 1902م/1320هـ ورئيس الوزراء الروسي عام 1904م/1322هـ ، فضلاً عن تدبيرهم لمقتل القيصر عام 1881م /1298هـ ، إلى جانب دورهم الأساسي في الثورات ضد الحكومة القيصرية في بداية القرن العشرين .
ولعل من الغريب أنه قبل تأسيس منظمة الصهيونية العالمية ، كـان ينظم اليهود مندوبي (( الاتحاد الإسرائيلي العالمي )) في روسيا المتواجدين بصورة سرية , ويرى يفسييف أن المراسلات بين مركز الاتحـاد في باريس والمـراكز في روسـيا تستخدم (( الحبر السري )) و (( الشيفرة )) وأن أقدم وثيقة تم الحصول عليها تعود إلى عام 1881م / 1298 هـ ، وترى هذه الرسالة – الوثيقة – ترحيب قيادة الاتحاد الإسرائيلي بالمذابح التي تتعرض لها الجالية اليهودية ، وتحدثت الرسالة عن برنامج وطرق توحيد اليهود في منظمة واحدة ، وزيادة تخويف اليهود من المجازر من خلال المبالغة في تضخيمها ، وبالتالي ترغيبهم بالهجرة إلى أمريكا أو فلسطين وتقترح الرسالة تنظيم شبكة أوسع من الجمعيات وجذب الجماهير إليها وجمع التبرعات والاشتراكات والإكثار من الحفلات المنـزلية للدعاية للغة العبرية ، وسمح بإنفاق نصف الأموال على احتياجات الجمعية والنصف الآخر يرسل للمركز ، ومهما كان نشاط الإتحاد متواضعاً في ذلك الوقت إلا أنه بمثابة ما قبل مرحلة الصهيونية .
مالت جماهير اليهود إلى الأحزاب الثورية والفوضوية ، وهو ما اتصف به اليهود الذين انتظموا في المستوطنات القليلة التي بنتها منظمة (( محبي صهيون )). في فلسطين ، فقد تعاملوا مع العرب بنفس القسوة والوحشية .
وقد وصف ذلك أحد مثقفي اليهود في ذلك الوقت واحد ابرز زعماء الصهيونية ، ليون بنسكر ( Leon Pinsker ) (1) والذي كان يكتب مقالاته تحت اسم مستعار ( أحاد هاعام) أي واحد من الناس ( Achad Haam ) ، وقد كتب مقالاً مصدوماً من تصرفات بني جنسه في فلسطين من خلال زيارة له إلى فلسطين في عام1891م/1309هـ فكتب يقول (( كانوا عبيداً في بلدان الدياسبورا – الشتات -وفجأة وجدوا أنفسهم وسط حرية بلا حدود ، بل وسط حرية بلا رادع لها ، ولا يمكن العثور عليها إلا في [الدولة العثمانية] وحدها .ولقد ولد هذا التحول المفاجئ في نفوسهم ميلاً إلى الاستبداد ، كما هي الحال ” حين يصبح العبد السوء سيداً ” وهم يعاملون العرب بروح العداء والشراسة فيمتهنون حقوقهم بصورة معوجة ولا معقولة ، ثم يوجهون لهم الإهانات دون مبرر كاف ويفاخرون بتلك الأفعال ,رغم كل ذلك … نحن نفكر بأن العرب كلهم من الوحوش)) .
رغم أن اليهود في فلسطين في عقد التسعينيات من القرن التاسع عشر لا يزالون أقلية صغيرة ,غير أنهم كانوا عدوانيين في طبعهم وتعاملهم مع أصحاب الأرض الأصليين العرب ، إذ أصبحوا خلال فترة وجيزة يتعاملون ويتصرفون وكأنهم الأسياد إلى درجة أن بعضهم كان يستعمل الضرب والجلد مقابل أبسط استفزاز وبالذات مع العمال العرب في مزارعهم أو
مستوطناتهم مما سبب بل شكل (( مصدراً رئيسياً )) للعداء العربي لهم .
والوثائق التي بين أيدينا تبين أن تلك الصفات يتصف بها الكثير من يهود العالم سواء كانوا في أوروبا او روسيا أو أمريكا أو الذين هاجروا إلى فلسطين ، وفي رسالة منه لزوجته يصف بن غوريون اليهود المرافقين له الذين كانوا يعملون في الفيلق اليهودي إبان الحرب العالمية الأولى قائلاً (( … يضم هذا المعسكر جميع النماذج التي توجد في الشعب اليهودي ابتداء من الأفراد المثاليين … حتى الجلفين ذوي العقول الشريرة ، واعتبرهم مجرمين بالفطرة فالمرء يسمع منهم مالا يسمع إلا في الطبقات الدنيا من المجتمع فهناك مؤامرات تحاك ، وشتائم تتبادل وبعض أفراد الفيلق لا يحترمون شيئاً لا إله ولا الشيطان … يوجد بيننا شباب لم يمض … أكثر من عشرة أيام ولكنه دخل السجن العسكري مرتين … ويتفاخر بأن … أحداً لا يستطيع السيطرة عليه )) .
كانت المسألة اليهودية قد وصلت إلى مستوى الأزمة في كل مكان بالعالم وحسب الوثائق التي تم الإطلاع عليها فإن اليهود قد وصلوا من القوة التي لا بد أن يفرضوا إرادتهم ويحموا مصالحهم حتى وإن كانت متعارضة مع العالم أجمع سواء كان ذلك بالوسائل السلمية كما هو الحال في يهود إنجلترا أو بغيرها كما هو الحال من التوتر والعنف السائد في روسيا ، ولعل هذا ما أكده هرتزل في خطابه الافتتاحي في مؤتمر بازل عام 1897م/1351هـ حيث قال (( … إنكم تعلمون أن المشكلة اليهودية قد أصبحت تعني في بعض الأقاليم مصيبة وكارثة للحكومة ، فإذا ما هي أخذت جانب اليهود فإنها ستواجه بسخط الجماهير، وإذا ما هي وقفت ضد اليهود فإنها ستنـزل على رأسها عواقب اقتصادية كبيرة نظراً لنفوذ اليهود الفريد على الأعمال في العالم . إننا نجد أمثلة على هذا الأخير في روسيا ، لكن إذا ما وقفت الحكومة موقفاً محايداً ، فإن اليهود سيجدون أنفسهم قد تعروا عن حماية النظام القائم ومندفعين إلى أحضان الثوريين)) .
ويتفق رأي القيصر الألماني وليام الثاني مع ما قاله هرتزل أن أية حكومة أوروبية تأخذ جانب اليهود ستواجه بسخط الجماهير، حيث أكد لسفيره بالنمسا أويلنبرغ (( لقد بتّ الآن مدركاً أن تسعة أعشار الألمان سوف ينقلبون عليّ فزعين , إذا اكتشفوا أنني متعاطف مع الصهيونية )) .
غير أن موضوع معاداة السامية يظل كثير التعقيد ، ومن الصعب تبسيطها في جانب من الجوانب وقد حاول هرتزل نفسه أن يفسر أسبابها ، بيد أنه أي هيرتزل ذكر مالها دون أن يذكر ما عليها فقال في كتابه ( الدولة اليهودية ) : (( إنها حركة بالغة التعقيد .. أنني أستطيع أن أرى العناصر التي تدخل في تركيبها فهي مزيج من السخرية المبتذلة ومن الغيرة في المسائل التجارية العامة ، ومن التعصب الموروث وعدم التسامح الديني إلى جانب التظاهر بالدفاع عن النفس ، أعتقد أن المسألة اليهودية لم تعد مجرد مشكلة اجتماعية بقدر ما هي قضية دينية .. وقد تتخذ أحياناً أشكالاً أخرى ، إنها قضية قومية )) .
غير أن المشكلة كانت قد بلغت حدتها مع نمو الحركات القومية الأوروبية ، فحين برزت المشكلة اليهودية في ألمانيا كانت متزامنة مع نمو الحركة القومية التي تزعمها بسمارك عام 1871م/1288هـ ،حيث برز تساؤل حول أن اليهود يعتبرون أنفسهم خارج إطار القومية الألمانية مع أنهم يحملون الجنسية الألمانية .
وكان في طبيعة اليهود بعض العادات التي كانت تثير لدى الأوروبيين معاداة السامية ، وهي ما نوّه عنها هرتزل نفسه حين طلب منه في عام 1893م / 1311هـ دعم جمعية حديثة الإنشاء أنشأها مسيحيون بارزون ويهود ، لمحاربة معاداة السامية في فيينا ، حيث رفض هرتزل دعم الجمعية وكتب على نفس الدعوة (( سـت من المبارزات سـتنهي ما يفعله بعض مثيري معاداة السامية, وبالتالي سترتفع إلى شأن كبير مكانة اليهود الاجتماعية ، ولكن في الوقت الحالي على اليهود أن يتخلوا عن بعض الجوانب الغريبة فيهم, والتي تتعرض كما تستحق للانتقاد )) , بيد أنه لم يذكر تحديداً ما هي تلك الجوانب في حياتهم التي تتعرض للانتقاد وأن كانت الشعوب الأوروبية تدركها جيداً ، والتي تسهم في معاداة السامية ,لعل هرتزل كان وهو في أوج صهيونيته لا سامياً إذ كتب رسالة لصديق يهودي له أسمه جودمان في 15/9/1895م /1313هـ يقول : (( إن جماعة المنحطين من اليهود والجبناء ، هؤلاء المغرورين بأموالهم الذين يكرهوني بمثل هذه القضية النبيلة )) .
19/7/1427 هـ
الكاتب د.صالح السعدون