نظرية تاريخية جديدة 3/6
السيادة الثالثة للأمة العربية – الإسلامية قادمة
22/5/1425 هـ الكاتب د.صالح السعدون
الفصل الثاني
الأمــــة الإســــلاميـــة خير أمة في الأرض :
إن المقصود بالأمة الوسط هنا هي الأمة الإسلامية التي تمثل كل أجناس العالم الذي يدين بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً, الجنس الأفريقي سواء كان في القارة الأفريقية أو في الولايات المتحدة الأمريكية , والجنس الآسيوي الممتد من ماليزيا وأندونيسيا وحتى أوزبكستان مروراً بالصين ,
الفصل الثاني :
الأمــــة الإســــلاميـــة
خير أمة في الأرض
إن المقصود بالأمة الوسط هنا هي الأمة الإسلامية التي تمثل كل أجناس العالم الذي يدين بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً, الجنس الأفريقي سواء كان في القارة الأفريقية أو في الولايات المتحدة الأمريكية , والجنس الآسيوي الممتد من ماليزيا وأندونيسيا وحتى أوزبكستان مروراً بالصين , الجنس العربي والكردي والأوروبي والتركي والفارسي كلهم يمثلون الأمة الإسلامية التي جعلها الله سبحانه خير أمة أخرجت للناس , وهكذا فإن هذه الأمة لاتعنى بالعنصر أو الجنس , وإنما بالتبعية بالعبادة لله وحده ,وليست الأمة العربية سوى الأمة التي اختارها الله سبحانه لحمل أمانة رسالة الإسلام إلى شعوب العالم , وقد شرَّف الله سبحانه الأمة العربية بعدة أمور أهمها أنه كلفها بتبليغ الرسالة ونشرها بالعالم , كما شرف لغتها أن جعل هذه اللغة لغة القرآن , والذي حفظت اللغة العربية بـه من التغيير عبر ألف وأربعمائة عام تقريباً, كما شرفهم الله سبحانه بأن جعل لغتهم اللغة الأولى بالعالم , وما خص الله بها هذه اللغة من خصائص تفتقدها الكثير من اللغات الحية بالعالم , وذلك لـ ((الإيقاع اللفظي والموسيقى الداخلية, وتعدد طبقات النبر همساً و جهراً , وغير ذلك مما تحفل به اللغـة العربية ناهيك بلغة القرآن ونظمه المعجز )) (1).
و يمكن لنا أن نقول أن تأريخ وجود الأمة العربية كأمة صغيرة في جزيرة العرب ومنشأ الساميين قد بدأ منذ أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة عام تقريباً , حيث تمكن العرب من تدجين الجمل قبل نهاية الألف الثانية قبل الميلاد ربما حوالي 1250ق.م(2). مما يعني أن وجودهم كأمة داخل مجموعة الأمم السامية أمر مؤكد قبل ذلك التاريخ بأكثر من خمسمائة عام بكثير, كما وجدت أول وثائق تاريخية تشير الى العرب بالجزيرة العربية بحدود عام 1100ق.م. إذ أن هناك ما يدل على حملة بدوية عبر الجمال من الجزيرة العربية ضد سورية , ولعل انسياح الشعوب السامية من الجزيرة العربية بين 1250ق.م.-950ق.م. قد حدث بسبب تدجين العرب للجمل ذو السنام الواحد والذي أعطاهم قصب التفوق على بنو عمومتهم الساميين , حيث أصبح العرب بامتلاكهم لهذه القوة أكثر قوة أمام جيرانهم من ذي قبل , وسهل عليهم اجتياز الصحاري والسهوب ,كما أنهم تمكنوا من خلال امتلاكهم لهذه الخاصية من الاتصال الحضاري بشعوب بلاد الشام(3) , وبالتالي تمكنوا من إخلاء الجزيرة العربية من كل الشعوب السامية سواهم .
وسواء كان ذلك بسبب استحواذهم على هذه القوة الفريدة في وقتها أم بسبب إرادة الله سبحانه لإعداد هذه الأمة لحمل مسئولية تبليغ دينه إلى أقطار الدنيا , فقد أصبحت الجزيرة العربية لهم وسميت باسمهم , ويعتقد الكثيرون أن العرب في تلك العصور مجرد بدو , لكن الحقيقة مختلفة تماماً , إذ أنهم نالوا من الرقي الحضاري شوطاً كبيراً, فقد وصف هيرودوتس في عام 400ق.م.بلاد العرب السعيدة من أنها ((من أغنى بقاع العالم وأن مدينة مأرب ذات قصور رائعة أبوابها من عسجد وأوانيها من الذهب والفضة ,كما وصفها إسترابون بأن سقوف قصورها مزخرفة بالذهب والعاج والحجارة الثمينة )) (4).
ورغم أن هذه الأمة قد كانت في البداية قوية وأقاموا العديد من الممالك في جنوب اليمن وبلاد الشام (كدول معين وسبأ وحمير وتدمر والأنباط) إلا أن التنافس الدولي بين المعسكرين اللذين ظهرا في منطقة الشرق الأدنى فارس وبيزنطة جعلا العرب من الضعف بمكان أن لم يكونوا قادرين على حماية بلادهم من الغزو الأجنبي أو حمايةإستقلالهم, حيث سيطر على شمال جزيرتهم كدومة الجندل وتيماء ومدائن صالح بوقت مبكر الآشوريون والكلدانيون بين القرن الثامن والخامس ق.م. كما سيطر الأحباش ثم الفرس على اليمن في فثرة لاحقة , وذلك حين أصبحت البلاد العربية تحت التأثيرات الإقليمية مسيحية ويهودية , وقام الملك ذو نواس الذي كان يميل إلى اليهودية أحد المراكز المسيحية بنجران , فقام الأحباش بغزو اليمن لاستعادة النفوذ المسيحي , وقد شاركت الإمبراطوريتان البيزنطية والساسانية بهذه الأحداث (5) وذلك على الرغم مما سجله التاريخ لغزوات عربية لبلاد الشام في فترات مختلفة من التاريخ .
وكانت حياتهم قد اتصفت بنظام الحياة القبلية بكل ما فيها من سلبيات كالانتماء للقبيلة كوحدة بدلا من الأمة , وما يلي ذلك من الحروب القبلية على الماء والكلأ إلى جانب الولاء الكلي للقبيلة وشيخها على حساب الأمة , ولم يكن لهذه الأمة أية قوة أو عزَّة أو منعة أمام أعدائها في بداية العشرة قرون الأولى من وجودها على الأقل , وإنما ارتبطت عـزَّة الأمة العربية ومنعتها بعوامل عـدة أهمـها على الإطلاق مدى ارتبـاطها بدين الإسلام وتطـبيقها لـه .
وثانيها الوحدة العربية تحت لواء هذا الدين, حيث لم يتوحد العرب كأمة ذات أهداف عالمية إلا تحت لواء الإسلام, إلى جانب عوامل أخرى ليس هنا مجال الحديث عنها , ولعل ما نقوله في هذا الطرح نظرية تاريخية بحق , نظرية يصطبغ بها تاريخ هذه الأمة وتاريخ العالم على الدوام , وما شـذ عنها من حالات قليلة , فإنه ليس الا من قبيل الشذوذ عن القاعدة. ذلك أنه وبعد أن فشلت الأمة الإسرائيلية بما كلفها الله وفق طرحنا هذا تغيرت بإرادة الله سبحانه مسيرة التاريخ ومسيرة البشر , فبداية من المائة الأولى قبل الإسلام على الأقل قد بدأ التاريخ يتمحور على أمة العرب التي أصبحت هي محور التاريخ ومحور الأحداث العالمية .
* محتوى هذه النظرية مايلي :
1) أن العالم منذ مرحلة ما قبل الإسلام وإلى يومنا هذا إما منقسماً إلى معسكرين شرقي وغربي متصارع على القوة والنفوذ , وتكون كثير من الأمم الصغيرة في آسيا وأفريقيا وبما في ذلك الأمة العربية أرضاً لهذا الصراع , أو نهوض للأمة العربية والإسلامية تفرض من خلال هذا النهوض هيبتها على العالم , وتنشر دين الله والعدالة والمساواة على الأقل أكثر من أية أمة في الأرض .
2) توجد فترة قصيرة فاصلة بين الحالتين بمثابة مرحلة تحول نحو دورة جديدة للتاريخ بالإتجاه المعاكس, كالزمن الذي حدث بين مقتل النعمان بن المنذر عام 609هـ وبين معركة القادسية 14هـ /635م, التي آذنت بسقوط المعسكر الشرقي, ومعركة مؤتة عام 8هـ/629م ومعركة اليرموك عام 15هـ/636م , التي آذنت بانحسار نفوذ المعسكر الغربي عن الشرق الأدنى وشمال أفريقيا .
3) إن الدورة التاريخية الواحدة وفقاً لهذه النظرية , حيث يتبادل المعسكران الشرقي والغربي السلطة مع الأمة العربية –والإسلامية تتراوح بين 470 سنة و550 سنة , أي حوالي خمسمائة عام تقريباً تقل قليلاً أو تزيد قليلاً.
4) إن العالم شهد معسكر ين غربي وآخر شرقي في وقت متزامن تقريباً , إجتاحا العالم ثلاث مرات بدموية ليس لها في التاريخ مثيل , أي ثلاثة حالات: الحالة الأولى معسكر شرقي هي كسروية آل ساسان و معسكر غربي هي قيصرية بيزنطة, ثم في العصور الوسطى شهدت الحالة الثانية معسكر شرقي هي إمبراطورية المغول التي شملت معظم آسيا وجزء من أوروبا , وآخر غربي هم الصليبيون ممثلين في عدة ممالك أوروبية , ثم في العصور الحديثة شهدت الحالة الثالثة , معسكر شرقي هي الإمبراطورية الروسية ممثلة بالقيصرية الأرثوذكسية و الشيوعية السوفييتية , وآخر غربي ممثلاً بتعاقب عدة نماذج : أولاً :أسبانيا والبرتغال وهولندا ,ثانياً: فرنسا وبريطانيا في مرحلة ماقبل الحرب العالمية الأولى وحتى منتصف القرن العشرون, ثالثاُ حالياً بريطانيا وأمريكا وأستراليا .
5) كما شهد العالم سيادة الأمة العربية – الأسلامية مرتين , والثالثة على الأبواب ,السيادة الأولى حين أسقطت الدولة الإسلامية (دولة الخلفاء الراشدين ) كسروية آل ساسان , واحتلت ثلاثة أرباع المقاطعات التي تحكمها بيزنطة تقريباً, ووصلت من حدود الصين إلى حدود باريس . أما السيادة الثانية فبعد طرد المغول والصليبيين , إمتد نفوذ الدولة الإسلامية في عهد العثمانيين من سويسرا والنمسا غرباً وموسكو شمالاً إلى أندونيسيا وماليزيا والهند شرقاً وجنوباً. أما السيادة الثالثة للأمة العربية والإسلامية فهي قادمة ولن يحول عن حدوثها أية قوة بالتاريخ والمسألة مسألة وقت , ونتوقع ذلك خلال مدة تزيد عن قرن وتقل عن قرنين من الزمان , حيث أن الغزو الأمريكي للعراق الذي هو دائماً ما يكون تحت وطأة غزو للمعسكر الشرقي وليس الغربي , قد أذن بتحول عجلة التاريخ مرة أخرى , وبداية هذه التحول قد تكون خلال بضعة أشهر أو بضعة سنوات.
6) إن الإسلام سينتشر ويمتد مرة أخرى , وقد يقود الأمة الإسلامية شعب آخر غير العرب أو الأكراد أو الأتراك , ولا تستبعد النظرية أن تكون الأمة الألمانية , بما وهبها الله من صفات مميزة عن كثير من أمم العالم أن تكون لها القيادة العالمية للمرحلة المقبلة شرط أن تكون إسلامية.
7) إن مركز المعسكرين الشرقي والغربي ظلا يبتعدان عن مركز الإسلام مكة المكرمة التي هي محور الكرة الأرضية باستمرار , في حين يكسب الإسلام أبعاداً وأراض جديدة على الدوام بما يشبه زحف النهر الجليدي , بيد أن النهر الجليدي قصير المدى بينما الإسلام بعيد المدى وثابت الجذور , فمركزي المعسكرين في البداية كانا في المدائن قرب بغداد والقسطنطينية ,ثم أثناء المرحلة الثانية من سيطرة المعسكرين , انتقلا إلى منغوليا شرقاً وإلى روما وباريس ولندن غرباً, وفي المرة الثالثة ابتعدا أكثر فالمعسكر الشرقي شمالاً نحو موسكو , وأما المعسكر الغربي فزاد في اتجاه شمالي غربي جنوبي من الكرة الأرضية ,تجاه الدول البروتستانتية لندن وواشنطن وسيدني . ولهذا كله فالسيادة العربية الإسلامية قد اقترب أوانها وهي على الأبواب .
فقد كان العالم في مرحلة ماقبل الإسلام منقسماً إلى معسكرين , المعسكر الأول شرقي متمثلاً بدولة فارس (كسروية آل ساسان وماقبلها) , وقد كانت الإمبراطورية الساسانية إمبراطورية عظيمة امتد نفوذها إلى كل من إيران أو بلاد فارس والعراق وشمل حكمها مجموعات عرقية متعددة وكانت ديانتها الرسمية هي الزرادشتية التي ترى أن العالم ليس إلا ساحة حرب تحت مظلة إله أعلى , والحرب بين الأرواح الخيرة والشريرة حيث سينتصر الخير في النهاية ,وقد انتشرت بها بعد الأسكندر المقدوني ديانة جديدة هي الديانـة المانـوية ( النور والظلمة [ وهي ربما ديانة حاولت التوفيق بين المجوسية والمسيحية ] وكانت عاصمة هذه الإمبراطورية وسط العراق بالقرب من دجلة) .(6) ومعسكر غربي متمثل بالدولة البيزنطية والتي تسيطر على شرق أوروبا وآسيا الصغرى وبلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا , ومقرها القسطنطينية, وكانت تتحالف مع الحبشة حيث يجمعهما دين المسيحية ضد الفرس والعرب المعادين للنفوذ الغربي المتمثل بهذا التحالف (البيزنطي – الحبشي) , والحرب بين المعسكرين سجال , وبدورها انقسمت أمة العرب وانضوت بضعف متناهٍ مع الأمم الصغيرة ببلاد الشام وآسيا الصغرى وأفريقيا تحت لواء المعسكرين.
فمن جانب أمة العرب رزح كل من اليمن والعراق (حمير والمناذرة) تحت نفوذ المعسكر الشرقي , و الغساسنة وعرب سوريا خاضعين لنفوذ المعسكر الغربي , وإذا ما أضفنا اليمن إلى بلاد الشام في بعض الفترات الزمنية من تاريخ الجزيرة العربية القديم , فيمكن القول انهما خضعتا للتحالف الغربي المسيحي آنذاك (الدولة البيزنطية والحبشة) , (7) وذلك حين خضعت اليمن للأحباش, وكان على العرب المناذرة والغساسنة أن يقوموا بالحرب ضد بعضهما البعض بالوكالة عن المعسكرين, كالحروب التي خاضها الحارث بن جبلة الغساني عام 528م تحت لواء الجيش البيزنطي ضد الفرس الساسانيين والمناذرة في العراق , حيث منح الإمبراطور البيزنطي عليه الإكليل ولقبه بلقب فيلارك (شيخ القبائل) كما منحه أعظم الألقاب بالدولة البيزنطية بعد الملك وهو لقب البطريق, حيث ظلوا موالين للمعسكر الغربي حتى عام 580م (8) .
ويرى طه حسين أن الصراع بين عرب المناذرة والغساسنة كان فعلاً بالوكالة عن فارس وبيزنطة , فقد اتخذت (( الإمبراطورية الفارسية من اللخميين [ المناذرة ] في الحيرة درعاً وحاجزاً يماثل حال الغساسنة مع الروم , فكان طبيعياً أن يدور الصراع بين الغساسنة – ممثلين للروم وبين اللخميين والفرس وأن يحارب كل فريق عربي في الدائرة السياسية التي ينتمي إليها , إما منفرداً وإما في صفوف القوة التي تقف وراءه)) (9).
وقد بلغ النفوذ العربي في عاصمة الدولة البيزنطية القسطنطينية شأواً عظيماً إلى الدرجة أن نُصِّب أحد العرب وأسمه فيليب العربي قيصراً رومانياً سنة 244م , إلا أن تهديدهم لآسيا الصغرى في ظل قوة دولة الملكة العربية زنوبيا , قلب أباطرة بيزنطة عليهم فدمروا تدمر عام 272م وأخضعوا الغساسنة الذين حكموا الشام من بعدهم وأسروا بعض ملوكهم ورحلوهم إلى صقلية ,مما حدا ببعض الغساسنة إلى التحالف مع المعسكر الشرقي , وتذبذبت ولاءاتهم حتى ناصروا هرقل(هيراكليوس) في حربه ضد الفرس , بل حاربوا مع الروم ضد المسلمين فيما بعد (10).
ثم جاء الإسلام ووحد العرب في الجزيرة العربية , وإن كانت إرهاصات الوحدة العربية قد تجلت في معركة ذي قار كما أشار الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قال بيوم ذي قار (( هذا أول يوم انتصفت العرب فيه من العجم وبي نصروا )) (11), وذلك حين توحدت مجموعة من القبائل العربية في جيش موحد مشترك, ضد طغيان كسرى على النعمان بن المنذر ملك المناذرة والعرب في العراق , والذي هو أشبه بطغيان بوش وأمريكا ضد الرئيس صدام حسين وجمهورية العراق حالياً, ويبقى السؤال كبيراً إذا ما سيكون الاحتلال الأمريكي للعراق سبباً مباشراً لعودة الروح من جديد إلى الأمة العربية الإسلامية ؟ وبعبارة أخرى, إذا ما كان العرب بطريقة أو بأخرى سيكون لهم قريباً ذي قار أخرى جديدة , ولكن ضد المعسكر الغربي هذه المرة , لقد كان العراق أبداً يتعرض لأطماع المعسكر الشرقي غير أن الاحتلال الأمريكي هذه المرة قد عكس حقائق التاريخ, لذا فليس من المبالغ به إذا ما استنتجنا أن الاحتلال الأمريكي مكتوب عليه الفشل مسبقاً , وأن هذا المشروع قد وئد قبل أن يولد , والمسألة لا تعدو إلا مسألة وقت حسب استقراءنا للتاريخ العربي وعلاقات العرب مع قوى المعسكرين عبر التاريخ, ومصير الشعوب لا يقرر بأشهر أو بسنوات ,فالهجوم المغولي واحتلال بغداد قد استمر فقط لعشر سنوات مع أن بغداد في ذلك الوقت فقدت أكثر من 80% من سكانها الأصليين , ومع ذلك تم تحريرها من المغول في ظرف سنوات قليلة , و كان ذلك في وقت لم يكن البغدادي يجيد حمل السيف. بل إنه حتى قبل الإسلام فإن الغزو البيزنطي في عهد هرقل للعراق وفارس عام 628م لم يدم أكثر من عام وبضعة أشهر .
وبعد البعثة النبوية الطاهرة انطلقت الفتوحات إلى خارج الجزيرة العربية , وأسقطت المعسكر الشرقي ( كسروية فارس) ذلك المعسكر الذي خضع خضوعاً سريعاً ونهائياً بينما انحسر النفوذ الغربي إلى ما وراء آسيا الصغرى , حين صاح هرقل الإمبراطور البيزنطي إثر معركة اليرموك الخالدة التي وقعت في يوم السبت 25 جمادى الآخرة 15هـ /3 أغسطس 636م هـ وهو يغادر شمشاط وحاذى سوريا وهو في آسيا الصغرى ووقف على مرتفع والتفت إلى سوريا وقال (( قد كنت سلَّمت عليك تسليم المسافر , أما اليوم عليك السلام يا سوريا تسليم المفارق , سلام مودع لا يرى أنه يرجع إليك أبداً… عليك يا سوريا السلام ونعم البلد هذا للعدو )) (12).
وقد قامت عدة محاولات جادة لافتتاح القسطنطينية نفسها في عهد الدولة الأموية , في عهد معاوية بن أبي سفيان وفي عهد سليمان بن عبدالملك , وانتابت الجبهة الشمالية الغربية جمود كبير حيث تحولت حرب الحدود إلى مجرد غزوات روتينية لعدة قرون , بل إن المعسكر الغربي نفسه قد انقسم على نفسه, فقد جاءهم العرب من أمامهم ومن خلفهم , وانشغلت بلاد الغال أو فرنسا بعرب الأندلس فترة طويلة , وهكذا فطالما أن العرب جبهة قوية موحدة على الأقل في أهدافها الإستراتيجية العليا فلم يكن لتقم للمعسكرين الشرقي أو الغربي قائمة , حتى مع انقسام الأمة العربية إلى دولتين متعاديتين هما الدولة العباسية والدولة الأموية بالأندلس, ويدلنا على وحدة الأهداف رفض الأمير عبدالرحمن الداخل صقر قريش حين أشار عليه بعض خاصته باستعادة لقب الخلافة الذي كان لدولة أجداده بالمشرق رافضاً تفريق المسلمين .
وهكذا نعمت أمة العرب والإسلام ببسط نفوذها على مشارق الأرض ومغاربها , وذلك من حدود الصين شرقاً إلى جنوب باريس غربا, ومن بلاد التركستان والشيشان شمالاً وحتى الصحراء الأفريقية وجبال الهملايا جنوباً فيما يقارب مائة عام من الهجرة ,(13) , بل ونشرت ثقافتها إلى ما وراء البحار فنقلت الإسلام عبر التجارة إلى أندونيسيا والفلبين , وأصبحت اللغة العربية إلى يومنا هذا اللغة الأولى بالعالم , ووقف العالم المسيحي أو المعسكر الغربي ((يتابع بدهشة هذا الدين الجديد وهو يكتسح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا , فاتحاً أقطاراً مسيحية جبارة بسهولة فائقة حملت الناس على التساؤل عما إذا كان الله إلى جانب هؤلاء “الكفار”وكان مما يهدد الهوية المسيحية إلى حد بعيد , رؤية هذا الدين المفعم بالحيوية والنشاط , الزاعم أنه قد نسخ المسيحية وأبطلها , يعمل تغييراً وتبديلاً في الخريطة فعلاً , ويستوعب المسيحيين ضمن إمبراطوريته, ))(14) .
ولعل المدهش حقاً أن الشعوب التي غزتها الجيوش الإسلامية كما تقول آرمسترونج (( كان لها رأي مغاير تماماً فيما يخص الجهاد , فلم تعتبر الفتوحات الإسلامية كارثة, بل على العكس تماماً هو الصحي: كانت تلك الفتوحات بداية جديدة ومثيرة في تاريخها… لقد بقيت شعوب الشرق الأوسط تتبع لإمبراطورية واسعة الأرجاء , واحدة بعد أخرى على مدى ألف عام , ولم تكن لديها أية تطلعات إلى الإستقلال الوطني … وفيما كان مسيجيو شمال أفريقيا ولمدة طويلة من الزمن جزءاً من الإمبراطورية الرومانية , ولئن كان سادتهم الجدد أصحاب دين مختلف , إلا أن كثيراً منهم وجدوا الإسلام ديناً شديد الجاذبية )). (15) .
إن السبب في ذلك أنه قد اختلف العنصر القائد لهذه الأمة الوسط ,فبدلاً من أبناء إبراهيم الإسرائيليون , تسلم القيادة أبناء إبراهيم الإسماعيليون , وبدلاً من قتل الشعوب الأخرى رجالاً ونساء وأطفالاً وحتى الحيوانات , على يد العبرانيين كما ذكر أعلاه , فقد بني الجهاد على ماشرع الله ورسوله من الرحمة , وهذا أول خليفة بعد رسول الله يوصي جيوشه المتوجهة للشام بقوله ((… وإذا لقيت العدو فأظفركم الله بهم فلا تغلل ولا تمثل ولا تغدر ولا تجبن , ولا تقتلوا وليداً ولا شيخاً كبيراً ولا إمرأة ولا تحرقوا نخلاً..ولا تقطعوا شجرة ولا تعقروا بهيمة …)) (16).
فلم يكن المسلمين عندما يغزون شعباً من الشعوب , لم يكونوا يفرضون اعتناق الإسلام على رعاياهم الجدد ,كما علَّم القرآن وجوب احترام أهل الكتاب, فسمح لليهود والمسيحيين داخل الإمبراطورية الإسلامية بممارسة حرياتهم الدينية كاملة , أسوة بالزرادشتيين والبوذيين والهندوس , وهذا عكس ما فعله الآخرون , فحينما ((حاول البيزنطيون والزرادشتيون الفرس فرض نوع من التماثل الديني على الشعوب الخاضعة لهم كانت النتيجة مدمرة لهم سياسياً , لذلك كان النظام الإسلامي يلقى قبولاً أكبر لدى كثير من الناس من سياسات القوى التي سبقته )) وتتساءل آرمسترونج (( ترى لماذا كان للإسلام كل هذه الجاذبية ؟)) (17).
وبعد أكثر من خمسة قرون تقريباً بدأ المعسكران الدوليان الشرقي والغربي يظهران بثوب جديد , فالمعسكر الغربي بدأ بالظهور بعد أقل من ستة قرون , ولبس ثوباً جديداً من التوحد وقاد ماسمي بالحروب الصليبية ليحتل بلاد الشام إثر سحق قوات السلاجقة بقيادة ألب أرسلان للقدرات العسكرية البيزنطية , حيث احتل المعسكر الغربي الصليبي هذا العالم المتخلف بلاد الشرق ,ليس فقط بلاد المسلمين بل حتى القسطنطينية نفسها حيث دمرت على أيدي مجموعات من البشر البرابرة بإرهاب لم ير العالم له مثيلاً اللهم إلا همجية المغول فيما بعد ويقول د.مراد هوفمان (( أما حد السيف البتار كما يحلو للغرب دائماً ترديده [ أي عن الإسلام ] فقد ذاقه المسيحيون البيزنطيون أنفسهم على يد المسيحيين اللاتين إبان احتلال القسطنطينية عام 1204م )) (18), ثم وصلوا إلى بلاد الشام وبيت المقدس الآمنة, وقاموا باستئصال عرقي ومذابح دموية تقشعر لها أبدان من يقرأ ذلك التاريخ المظلم لأوروبا, حتى في أقدس الأماكن المساجد ودور العبادة, ومُزِّق العالم العربي وزُرع في قلبه مملكة بيت المقدس الصليبية وثلاثة إمارات بأنطاكية وطرابلس والرها .
وتقول كارين آرمسترونج (( كانت الحملات الصليبية أول فرصة يتعرف فيها العرب على ماهية العالم الغربي , فمن دون أي استفزاز , أعلن مسيحيو أوروبا الحرب على الإسلام , وشنوا حملة قاتلة على شعوب الشرق الأدنى فقتلوا وذبحوا ودنسوا المقدسات وطردوا الفلسطينيين في القرون الوسطى من ديارهم إن “علم الكارثة ” ينظر الى الصليبيين على أنهم الإمبرياليون الغربيون الأول )) (19).
على أن المعسكر الغربي قد إنتقل مركزه إلى الغرب البعيد عن ما يسمى حالياً بالشرق الأوسط , فبعد أن كان مركز المعسكر الغربي القسطنطينية وأوروبا الشرقية , أصبح في العصور الوسطى في روما وباريس ولندن إلى جانب الدول الأسكندنافية بشمال أوروبا. وأما المعسكر الشرقي, فلم تقم له قائمة إلا بعد أكثر من خمسة قرون ونيف من فتح المسلمين لبلاد فارس وماوراء النهر , وبصيغة جديدة وأمم مختلفة حيث إبتعد مركز هذا المعسكر أيضاً آلاف الكيلومترات عن سابقه, فبعد أن كان مركزه المدائن قرب بغداد انتقل إلى أواسط آسيا شرقاً, و قاده جنكيزخان وهولاكو (المغول) , وذلك حين تمكن جنكيز خان امبراطـور المغول من تأسيس أمبراطـوريتـه الشريرة عام 603 هـ/ 1206 م التي لا تكاد نجد لها شبيهاً في تاريخ البشرية , حيث امتدت هجماته المدمرة من المحيط الهادي شرقاً إلى قلب أوروبا وبلاد الشام غرباً, حيث قلبت العالم القديم رأساً على عقب مكوناً أكبر امبراطورية في أقصر مدة بالتاريخ (20). ليكتسحوا في موجة تدميرية لامثيل لها بلاد الشرق الإسلامي مدمرين الحضارة والبشر , في ظل ذهول وخضوع عربي اسلامي لهذه الموجتين التدميريتين للمعسكرين الشرقي والغربي للمرة الثانية في التاريخ –تاريخ الأمة العربية- ,وكانت منغوليا قد أصبحت مركزاً لتحالف لمجموعة من الديانات , كتحالف اتخذ من الإسلام عدواً له , فالديانة الشامانية ديانة المغول الأصلية إلى جانب المستشارين والحاشية المحيطة بهولاكو من بوذيين ومسيحيين نساطره على رأسهم زوجة هولاكو نفسه طقزخاتون وأحد أشهر قادته كتبغا , وإذا كان الأرثوذكس هم قادة مركز المعسكر الغربي الأول في القرنين السابع والثامن الميلاديين , فإن الكاثوليك استلموا القيادة للمعسكر الغربي في القرون الوسطى إبان الحروب الصليبية , كما ساهم المذهب الثالث للمسيحية وهو النسطورية في هذه الحرب الإستئصالية للإسلام والمسلمين من خلال المشاركة بالحرب المغولية أي من خلال المعسكر الشرقي , وكانوا أشد فتكاً وأكثر بربرية من غيرهم ,وسيشارك المذهب البروتستانتي الرابع من المذاهب المسيحية في هذه الحرب ولكن في القرن التاسع عشر والعشرين وما بعده , ويلاحظ أن كلا الهجمتين الأولى قبل الإسلام والثانية خلال القرن السابع والثامن الهجريين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين قد جاءتا في ظل خلل وبُعد للأمة الإسلامية عن تطبيق تعاليم الإسلام سواء على مستوى الدولة أو المجتمع , مما يجعل إرتباط وجود المعسكرين وطغيانهما على العرب بابتعاد هذه الأمة عن تطبيق المنهج الذي اختاره الله لها . كما يلاحظ أن المعسكرين قد ظهرا في أسوأ الفترات التاريخية للامة من الضعف والتفكك والبعد عن منهجها الإسلامي ,ولعل هذا البعد تمثل في عقوبات إلهية بأن برزت في واقع الأمة علامتين من علامات الساعة الصغرى فظهرت نار الحجاز عام 654هـ /1256م وبعد عامين ظهرت العلامة الصغرى الأخرى وهي هجوم المغول على بلاد بغداد عام 656هـ/ 1258م , بل إن القرنين الأخيرين قبيل مجئ السلاجقة قد شهد دويلات تمتهن كرامة السنن الإسلامية حسب المذهب السني للخلافة العباسية, كما فعل ملوك البويهيين بإجبار الخليفة العباسي على دق الطبول مع كل آذان اي خمسة مرات في اليوم كما سملت عيون بعض الخلفاء العباسيين وهم أحياء , وكان معظم المد للدويلات القائمة على المذاهب المختلفة شيعية إمامية وزيدية وإسماعيلية وخارجية , بل وحتى قرمطية (القرامطة) , بما في ذلك من اختلاف سياسي ومذهبي وفرقة للأمة جلب عليها تكالب أعدائها .
ويلاحظ للمرة الثانية أيضاً أن توحد الأمة العربية والدول العربية وإن كانت بقيادات إسلامية من الترك والأكراد قد قضى على المعسكرين , فالمعسكر الشرقي ذاب بالحضارة العربية خلال عقد من الزمن فقط , واندمج المغول و التتار في المجتمع الإسلامي الكبير, حتى أن جمهورية منغوليا الحالية لم يتبق بها من شعب المغول إلا حوالي ثلاثة ملايين فقط , وتخلَّى المغول حتى عن الكتابة بالحروف الصينية أو المحلية واتخذوا الحـروف العربيـة لكتابة لغتهم آنذاك , وان كان السطر من أعلى الى أسفل وليس من اليمين إلى الشمال – ولم يتخلوا عن الكتابة بالحروف العربية إلا في السنوات العشرين الأخيرة فقط تحت ضغوط أمريكية ويهودية وغربية في ظل غياب عربي , ولا تزال الأحرف العربية على عملتهم الرسمية – .
كما انحسر المعسكر الغربي وانكفأ على نفسه . وفي الوقت الذي توحدت الأمة العربية والإسلامية تحت لواء الدولة العثمانية , نجد أن فرنسا تشق الصف المسيحي نفسه لتتحالف ضد النمسا وأسبانيا مع الدولة العثمانية, من أجل مصالحها الوطنية (21) .
ثم تنهض الأمة من كبوتها بالعودة للمرة الثانية إلى الإسلام , في ظل انحسار سريع للمعسكر الشرقي وتقهقر بطيء للمعسكر الغربي, ليقود تلك الصحوة رجال من غير العرب من الترك والأكراد (نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي و قطز و بيبرس) لتنتهي بجهاد محمد الفاتح والاستيلاء على القسطنطينية حيث (( بدأت فرائص الغرب ترتـعد فرقاً بعد استيلاء العثمانيين على القسـطنطينية عـام 1453م)) (22) , بل وحتى الوصول إلى أواسط أوروبا وحصار فيينا مرتين في عهد السلطان سليمان القانوني , وذلك في عام 1529م إذ احتل نصف إمبراطورية النمسا ودخل سويسرا , ثم في عام 1532م, حيث تجوَّل جيش السلطان بكل جهات النمسا محتلاً لها عدا فيينا طبعاً في حين انسحب جيش الإمبراطور النمساوي إلى خارج النمسا خوفاً من سحقه من قبل العثمانيين وفي نهاية الأمر توصل الطرفان إلى معاهدة حددت الحدود العثمانية وسط أوروبا في نقطة تقع إلى 80 كم فقط شرقي فييـنا (23).
وواصلت الأمة الإسلامية والعرب من جملتها آنذاك حيث لم يعد العنصر العربي يمتلك قيادة الأمة ,سيادتها العالمية , ووصلت الدولة العثمانية إلى عصر السيادة على البحار , حيث كان الأسطول العثماني المسلم قد سيطر على البحر المتوسط وطارد الأسطول البرتغالي إلى المحيط الهندي حيث كان البحر المتوسط آنذاك بحراً إسلامياً , كما كان المحيط الهندي محيطاً إسلامياً , وكان التعاون المملوكي العثماني كبيراًً , حيث أنه حين أراد المماليك دفع قيمة التجهيزات العثمانية للسفن المملوكية , رفض القائد العثماني قائلاً “إن هذه قضية الإسلام المشتركة ضد الكفرة ” (24), وهو نفس التعاون الملحوظ بقوة بين المعسكر الغربي حالياً سواء على مستوى حلف الناتو أو على مستوى التعاون الغربي خلال العديد من الحروب التي شنها المعسكر الغربي على العالم العربي , مثل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م أو العدوان الأمريكي البريطاني وحلفاءهم من الغـرب على العـراق خـلال العقدين الماضي والحاضر . وإن كانت حرب 1991 م وحرب عـام 2003م , كانتـا أول حربين يشنهما المعسكر الغربي البروتستانتي على الأمتين العربية والإسلامية بالوكالة عن اليهود وإسرائيل , إذ لم يثبت أن هناك أية مصلحة لشعوب أوروبا في مثل هذه الحرب , مع ملاحظة أن غزو بريطانيا للعراق عام 1917م كان تحت غطاء الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية , حيث كان العرب ضمن الحلفاء .
وهكذا وصلت الأساطيل العثمانية إلى السيطرة على أندونيسيا وماليزيا بطلب من الممالك الإسلامــية هناك عام 1568-1569م , ولنا أن نتخيل الدولة العثمانية التي سيطرت على أواسط أوروبا وشمال أفريقية وشرقها وأجزاء من الهند وحتى أندونيسيا وماليزيا , بل وفتح الجيش العثماني موسكو عاصمة الروس وأحرقوا سراي الكرملين الذي هو بالأصل كلمة تركية , وذلك عقوبة على تدمير الروس وقسوتهم على الممالك الإسلامية بأواسط آسيا , في الوقت الذي فر القيصر إيفان المدهش من عاصمته تاركاً قواته وخزائنه (25), بل وأكثر من ذلك فقد قرر قائد الأسطول العثماني خير الدين باشا بربروسا الدخول إلى روما وإجراء عرض فيها لقواته ,وهو في طريقه لنجدة ملك فرنسا الذي استنجد بالسلطان سليمان القانوني ضد أعدائه – ولنا أن نتخيل غرائب التاريخ حيث كانت فرنسا وإنجلترا كدول متناحرة مع أسبانيا آنذاك يستنجدون بالدولة العثمانية كما استنجدت دولة الكويت في صراعها مع جارها العراق بأمريكا عام 1990م 1410هـ – لكن سفير الملك الفرنسي فرانسوا الأول الذي استدعى الأسطول العثماني لمساعدته إثر معاهدة عام 1536م , وكان السفير الفرنسي يرافق الأسطول العثماني المتوجه لمساعدة بلاده خر على قدمي القائد البحري العثماني بربروسا ورجاه ألاَّ يفعل “إذ أن ذلك لا يساعد فرنسا, وإنما يحمل البابا على الحكم بالحرمان على مليكه ” , ولعل من الغرائب أن يصل الأمر بالأسطول الفرنسي المتحالف مع الأسطول العثماني أن يرفع الأعلام العثمانية وأن يدخل تحت إمرة قائد الأسطول العثماني, كما رفعت قطعٍ بحرية وسفن كويتية الأعلام الأمريكية أبان الحرب العراقية الإيرانية , وقد يصعب تصور كيف أن السلطان سليمان القانوني يخاطب فرانسوا الأول بخطابه الشهير عام 1545م ” أنت يا فرانسسكو ملك ولاية فرنسا …” (26).
وبعد ذلك بأكثر من 35 عاما وفي عام1580م كانت ملكة إنجلترا تطلب حماية السلطان مراد الثالث من التسلط الأسباني وطلبت إمدادها بين 60-70 سفـينة تركية متقربة للسلطان من أن حربها كبروتستانتية إنما هي ضد الكاثوليك الذين سمتهم بعبدة الأصنام , حيث أن التصاوير ممنوعة لدى البروتستانت كما هي في الدين الإسلامي كما قالت ملكة إنجلترا آنذاك , بل وخاطبها السلطان مراد الثالث برسالته التي حررها في 1580م (( وأنتم كذلك عليكم الإنقياد والطاهة لبابي العالي (27).
ومن ثم تبدأ المرحلة الثالثة من ضعف الأمة بعد عدة قرون لتقاوم معسكرين للمرة الثالثة أيضاً , معسكر شرقي هو مسيحي أبان روسيا القيصرية (بطرسبورج) وهي عودة للأرثوذكس من جديد , ثم اصبح يهودي الأصول شيوعي المبدأ (سوفييتية لينين) , حيث انتقل مركز المعسكر الشرقي إلى الشمال الغربي حيث موسكو مركز الديانة الأرثوذكسية ثم مركز الشيوعية بالعالم , وقد ركزت روسيا القيصرية جهودها على إستانبول وأوروبا الشرقية الخاضعة للدولة العثمانية , كما ركزت روسيا السوفييتية على أواسط آسيا بدءاً من بلاد التركستان و الشيشان وانتهاء بأفغانستان وإيران خلال الثلاثة القرون الأخيرة الماضية , ويطلق زبغنيو بريجنسكي على كلتا الدولتين الإمبراطورية الروسية التي استمرت لثلاثمائة سنة (28), سواء في طـورها القيصـري الأرثوذكسـي أو الطور الشـيوعي.
ومعسكر غربي قاده عدة دول مسيحية البرتغال وأسبانيا وهولندا في البداية, حيث طردوا العرب من أسبانيا ثم هاجموا الشمال الأفريقي وشرق أفريقيا ثم أطراف الجزيرة العربية والخليج العربي والهند و الهند الصينية, ثم قاد لواء المعسكر الغربي بريطانيا وفرنسا , وحالياً الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا ضد الأمة برمتها .
وتمكن المعسكران من احتلال البلاد الإسلامية وغرس المعسكر الغربي الذي يقوده المذهب البروتستانتي هذه المرة , إسرائيل كوتد في قلب العالم العربي والإسلامي , في نفس سياق الخطة التي قامت ببناء الممالك الصليبية في الموقع ذاته في العصور الوسطى , ماعدا في جزئية أساسية واحدة وهي أن البروتستانت من خلال تقاربهم العقائدي والفكري باليهود والتوراة لديهم الاستعداد للتحالف مع اليهود والحنو عليهم أكثر من الكاثوليك أو الأرثوذكس .
ويقول الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون وهو يصف سياسة الغرب تجاه حرب الإبادة العرقية التي تعرض لها المسلمين بالبوسنة على أيدي الإرهابيين الصرب (( كما ساهم في رسم الصورة القبيحة التي أخذها عنا المتطرفون الإسلاميون بأن الغرب غليظ القلب تجاه مصير البلاد الإسلامية , بينما يصطرع لحماية البلدان المسيحية واليهودية)) (29) الأمر الذي نختلف فيه مع نيكسون هو أن هذا الأمر لا يعرفه المسلمون المعتدلون أيضاً فحسب , بل يُِقر به المنصفون والمعتدلون من اليهود والنصارى .
وظل العالم العربي رازحاً تحت قوى المعسكرين في العصر الحديث والتاريخ المعاصر, وانقسم العرب أنفسهم بين عالم اشتراكي كسوريا والعراق واليمن الجنوبي وليبيا والجزائر متحالف مع العالم الاشتراكي الدولي أو المعسكر الشرقي , بينما ظلت دول الخليج واليمنين – آنذاك – ولبنان والأردن وتونس وموريتانيا والمغرب كعالم يدعي الرأسمالية ويرتبط بالمعسكر الغربي خوفاً من المد الشيوعي , أو على الأقل متحالف رغبة أو رهبة مع العالم الرأسمالي أو المعسكر الغربي , بينما ظلت مصر والسودان متأرجحتين بين المعسكرين خضعتا أولاً للشرق ثم للغرب , حيث إستمرت مصر خاضعة حتى الآن , ويقول ستيفن غرين في كتابه (بالسيف أمريكا وإسرائيل في الشرق الأوسط) أن خضوع مصر كان مريعاً (( ثم حصل شيء مذهل … فبين الأعوام 1973م-1979م أي سنة توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل , كانت مصر على مايرجح أول أمة في التاريخ المعاصر تتخلَّى عن سلاحها من جانب واحد وهي لا تزال في حالة حرب مع جار قوي …))(30).
ولا يعلم أحد كم من الوقت ستحتاج الأمة إلى العودة إلى سابق قوتها ولا شك أن “الأيام دول ” فلو سألنا بغدادي في ذلك اليوم الذي دخل فيه المغول لبغداد من عام 656هـ, وقتلوا مليوني بغدادي تقريباً من دولة المستعصم العباسي , لو سألنا أحدهم في تلك الأيام السوداء من تاريخ الأمة إن كان يتوقع أن تحتل جيوش الجهاد القسطنطينية بعد تلك الأيام بـ200 سنة تقريباً وأن تحاصر فيينا بقلب أوروبا بعد 280 سنة تقريباً , لسخر منا كل السخرية , ومن هنا لعلنا الآن نتساءل : لقد سقط المعسكر الشرقي في عام 1991م , وطغى المعسكر الغربي بقيادة أمريكا طغيان لا يفوقه طغيان , ولأول مرة يتجه بأطماعه إلى ذلك القسم من الأمة العربية والإسلامية الذي كان دائماً يخضع للمعسكر الشرقي فحسب , ,وهذا يعني اقتراب الأمة العربية من عصر قوتها الثالث بعد عصر ذلها الثالث الذي طال , فهل الشهور والسنوات الأربع القادمة هي بداية التغيير ؟ .
تشير الأحداث هذه الأيام أننا في طور التحولات الكبرى , يقول الرئيس التركي الحالي سيزار في شهر يونيو 2003م في كلمته بمؤتمر الدول الإسلامية بإستانبول , والذي هو مقرب من مصادر اتخاذ القرار الدولي بحكم مدى تحكم الماسونية العالمية بالرئاسة والجيش التركيان , (( نحن نواجه ما يمكن وصفه بمرحلة ما قبل تغير الرياح، حيث ستشهد المنطقة سلسلة من التقلبات الجذرية يجب على الجميع أن يوطنوا أنفسهم لها )). وسواء كان يعني تغييرات سلبية بزيادة تسلط المعسكر الغربي أو إيجابية لنا , فأن الضغط على هذه الأمة هي التي توحد فرقتها وتعيد قوتها من جديد .
ولعل الفترة التي يختل التوازن العالمي بين المعسكرين الشرقي والغربي ويحاول أحد هذين المعسكرين الاستحواذ بالسلطة , وإخضاع العالم العربي بالسيف والنار , حينئذ تكون ولادة الأمة العربية من جديد كأمة تسود العالم , الملاحظ أن قوة العرب تأتي مباشرة بعد انهيار المعسكر الشرقي , فحين تفرغ العرب من المعسكر الشرقي الأول بقيـادة الفـرس اندفعوا ولم يتوقفوا إلا عند بواتييه ( بلاط الشهداء ) جنوب باريس , وحين ذاب المعسكر الشرقي بقيادة المغول بالدين الإسلامي بعد عشر سنوات من احتلال بغداد , اندفع العرب والمسلمين إلى سويسرا وفيينا , وطلبت معونتهم فرنسا وإنجلترا , إن سقوط المعسكر الشرقي وظن الغرب أنها الفرصة السانحة للاستفراد بالمسلمين والقضاء عليهم كانت دائماً ليس فأل خير وبشرى فحسب , بل أثبت التاريخ أن المد العربي دائماً ما يترافق بعيد هذه المرحلة وبأقل من عقد من الزمن , والآن سقط المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي منذ عام 1991م , فأين سيقف المسلمين غداً , وبعد أقل من قرنين من الزمان .
ويقول هنتنجتون إن (( عالمية الغرب خطر على العالم لأنها قد تؤدي إلى حرب بين دول المركز في حضارات مختلفة , وهي خطر على الغرب لأنها قد تؤدي إلى هزيمته , بسقوط الإتحاد السوفييتي , يرى الغربيـون حضارتهم في وضع سيادة لا نظير له , بينما تبدأ المجتمعات الآسيوية والإسلامية وغيرها في اكتساب القوة في نفس الوقت, ومن هنا يؤدي إلى تطبيق منطق بروتس المعروف والقوى:
فيالقنا مملؤة حتى الحافة
قضيتنا ناضجة
العدو يتزايد كل يوم
نحن على المرتفعات جاهزون للنزول
إذا سارت مع المد ستؤدي إلى الحظ السعيد
وإذا أهملت, فكل رحلة حياتها
سيكون مصيرها للمياه الضحلة والشقاء
لابد لنا أن نأخذ اتجاه التيار عندما يكون مواتياً
أو نخسر مغامرتنا )).
ويؤكد هنتنجتون ان (( المسار الحصيف للغرب هو ألاَّ يحاول أن يوقف تحول القوة , وإنما يعرف كيف يبحر بالمياه الضحلة ويتحمل الشقاء ويخفف من مغامرته ويحمي ثقافته )) (31).
وبهذا من المتوقع قيام جهود متواضعة في السنوات الأربع القادمة , قد تؤدي في نهاية الأمر إلى صد هجمة المعسكر الغربي على بلاد المسلمين , ولهذا فليس مستبعداً ولادة الفترة الثالثة لسيادة وقيادة الأمة الإسلامية للعالم قريباً جداً, إننا لا نغالي إذا قلنا أن سياسة المحافظين الجدد بالبيت الأبيض بين 2001 –2004 م قد عجلت في هذه الولادة , إننا في مرحلة المخاض , والأمة العربية – الإسلامية قادمة لترث السلطة العالمية من جديد. وعلينا التنبه إلى أن الأمة العربية المقصودة إنما هي بثوبها الإسلامي وموقعها المتوسط من العالم , بمعنى أنه لا يمكن لأندونيسيا أو الباكستان أو نيجيريا أن تكون لأي منها سيادة عالمية , ولكن يمكن للأمة العربية وإن حكمها مسلم نيجيري أو باكستاني أو أندونيسي أو تركي أو كردي أو فارسي أو أوروبي بثوب إسلامي و بموقعها الجغرافي ووحدتها اللغوية والقومية والدينية أن تسود العالم.
د.صالح السعدون
كلية المعلمين بالرياض .
حالياً : جامعة الحدود الشمالية
كلية التربية والأداب
رئيس قسم المقررات العامة
onothty
[url]http://forum.onothty.net/f13.html[ll]فساتين سهره[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f14.html[ll]فساتين للعروس[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f15.html[ll]فساتين للحوامل[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f21.html[ll]تسريحات[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f20.html[ll]مكياج[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f23.html[ll]رجيم[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f17.html[ll]عبايات[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f16.html[ll]ازياء اطفال[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f22.html[ll]العنايه بالبشره[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f41.html[ll]بلاك بيري[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f41.html[ll]برودكاست[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f60.html[ll]صور مسن[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f31.html[ll]ديكورات المنزل[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f32.html[ll]ديكورات المطبخ[/url]
[url]http://forum.onothty.net/[ll]منتدى انوثتي[/url]
[url]http://www.onothty.net/[ll]انوثتي[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f42.html[ll]ايفون[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f43.html[ll]جالكسي[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f25.html[ll]زفات[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f33.html[ll]الاشغال اليدوية[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f36.html[ll]سلطات[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f37.html[ll]حلى[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f38.html[ll]معجنات[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f26.html[ll]قاعات[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f27.html[ll]بوفية[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f25.html[ll]توزيعات[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f19.html[ll]عطورات[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f18.html[ll]اكسسوارات[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f11.html[ll]عيادة[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f9.html[ll]حياتي الزوجية[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f35.html[ll]الاكلات الشعبيه[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f59.html[ll]وظائف نسائية[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f47.html[ll]المرحله المتوسطه[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f48.html[ll]المرحله الابتدائيه[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f49.html[ll]المرحله الثانويه[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f51.html[ll]عروض بوربوينت[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f8.html[ll]اسرتي[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f10.html[ll]الانثى[/url]
[url]http://forum.onothty.net/f40.html[ll]الرياضة النسائية[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t670.html[ll]تسريحات ناعمة 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t669.html[ll]تسريحات للجامعه 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t534.html[ll]قصات شعر قصير 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t696.html[ll]مكياج سهرات 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t502.html[ll]مكياج 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t647.html[ll]مكياج فخم 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t544.html[ll]فساتين ترتر 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t531.html[ll]فساتين ناعمه 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t530.html[ll]فساتين سهرة طويلة 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t526.html[ll]فساتين سهره قصيره 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t494.html[ll]فساتين 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t495.html[ll]فساتين سهره 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t485.html[ll]ازياء كورية 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t643.html[ll]فساتين حوامل قصيره 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t535.html[ll]ازياء حوامل 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t639.html[ll]ملابس حوامل 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t420.html[ll]فساتين زفاف 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t484.html[ll]ديكورات فخمة 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t512.html[ll]ديكورات منازل 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t695.html[ll]ديكورات ايكيا 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t441.html[ll]برودكاست ايفون 2013[/url]
[url]http://forum.onothty.net/t628.html[ll]توبيكات واتس اب[/url]