نظرية تاريخية جديدة 2/6

السيادة الثالثة للأمة العربية – الإسلامية قادمة

22/5/1425 هـ الكاتب د.صالح السعدون

الفصل الأول:

منذ القرن العشرين قبل الميلاد بدت قبائل بني إسرائيل وكأنها تمثل بؤرة الصراع مع العالم , في منطقة ماسمي بالعصر الحديث بالشرق الأوسط , فدار الصراع الأول مع الفراعنة حيث إنتهى بغرق الفرعون وجيشه المكون من كل ذكر قادر على حمل السلاح , فكان هلاك أمة بأسرها .

حيث عقدت نساء الفراعنة مؤتمراً استثنائياً لمعالجة الكارثة التي نكبت بها ألأمة والحضارة الفرعونية , والتي آذنت بزوالها من سجل أمم العالم, واتفقت نساء الفراعنة على الزواج من العامة والفلاحين الذين أسروا بالحروب الفرعونية مع جيرانهم , ,ولكن مقابل أن تكون العصمة بأيديهن , ووافق الرجال من العامة وفلاحي الأرض لتنشأ أمة جديدة على أنقاض أمة , وحضارة قبطية جديدة على أنقاض الحضارة الفرعونية (1) ومن المعروف قصة اليهود في سيناء وعبادتهم للعجل وممالأتهم للسامري الذي سنورد عنه تعريفاً وافياً في هذا الفصل ,وطلب السبعين من خيارهم رؤية الله جهرة , فأخذتهم الصاعقة قال الله تعالى (( وإذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون )) (البقرة آية 55 ) (( واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال ربي لو شئت أهلكتهم وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي الا فتنتــــك تضل بها من تشاء وتهدي بها من تشاء …)), ( الأعراف ,آية 155) , ثم قالوا ((لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة )) ورفضهم دخول الأرض المقدسة , خوفاً من الكنعانيين العرب الذين وصفوهم بالقوم الجبارين , فحكم الله عليهم لعصيانهم لأوامره بالتيه أربعين عاماً .

ثم بعد ذلك مَن َّالله عليهم بالعفو وملَّك عليهم طالوت ملكاً فرفضوا ملكه حسداً , ودخل بالقليل منهم الأرض المقدسة , وأقاموا مملكة بيت المقدس على يد النبي داوود وإبنه النبي سليمان عليهما السلام, ,ومعروف كم آتى الله مملكة سليمان من القوة والسلطان في زمنه مالم يعطه لغيره , بيد أنهم بعد وفاة سليمان عليه السلام إختلف اليهود , وانقسمت مملكتهم الى اثنتين , ثم حرفوا التوراة واستحلوا ماحرم الله ,وأحلوا الربا رغم تحريمه عليهم , وهكذا بدأوا حملة استئصال عرقي للبشر وإحراق للشجر والحجر ,في كامل المنطقة المحيطة بهم كما ورد في التوراة نفسها رغم أن أهم الوصايا العشر التي نزلت على موسى في جبل سيناء هي (( لاتقتل …)) الا انه حين يحتل اليهود مدينة من المدن فإنهم يدمرونها تدميراً كاملاً ويباد سكانها عن بكرة أبيهم فكان الرجال والنســــاء والأطفــــال وحتى الحيــــوانات يذبحون والمدن تستحيل أنقاضاً(2) .

وأخيراً ماحصل بمنعهم من صيد البحر في يوم السبت ,وما نتج عن ذلك من عذاب لم يحصل لأمة قبلهم مما ينبئ أن الله قد حكم عليهم بالذلة والمسكنة والشتات الأبدي قال الله تعالى (( وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شُرَّعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون , وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون , فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ))( الأعراف , آيات 163 –164 –165) .

ولذا سلَّط الله عليهم شعوباً قوية فهذا سرجون الثاني ملك آشور يقضي على دولة اليهود الشمالية بنابلس عام721/722ق..م. , ولم يمض وقت طويل من الزمن الا ويسلِّط الله عليهم نبوخذ نصَّر ملك بابل الكلداني عام 587 ق.م. أو 589 ق.م. الذي قضى على مملكة اليهود الجنوبية ببيت المقدس ودمر القدس وأسر أكثر من خمسين ألفاً من اليهود إلى بابل , وبهذا خلت فلسطين من اليهود .

ورغم عودتهم الى فلسطين بمساعدة قورش الفارسي الذي إحتل بابل عام 538 ق.م. , الا أن الرومان شتتوا شملهم من الديــــار المقدســـــة , .وذلك في عــام 70 م في واحدة من (( أكثر الهزائم مهانة في التاريخ إذ تعهد اليهود في إستسلامهم بإبادة أنفسهم , فأبادوا نساءهم وأولادهم أولاً ثم توقف ذكورهم عن القتال وألقى كل منهم سلاحه الى جوار أسرته الذبيحة , وكان كـــل مـــنهم يقــــدم رقبته الى ســـــواه ليضـــربها له بالســـــــيف عن طريق القرعـــة بينما الجنود الرومان يتدفقون على المدينة , وهدمت المدينة وأحرق المعبد …وقدر عدد القتلى في هذه المذبحة بمليون يهودي ))(3) وتذكر المصادر اليهودية وحسب مانص عليه مجلَّد “كثوفوت ” من التلمود الذي يقول أن الله طلب من العبرانيين عند ذهابهم إلى المنفى بعد هدم الهيكل الثاني (( أن يقسموا على ثلاثة أشياء وهي : ألا يعودوا الى فلسطين بالقوة ,,وألا يثوروا ضد الأمم التي يعيشون بين ظهرانيها, وألا يحاولوا التعجيل بنهاية الزمن ))(4) .

وهناك في مدينة يمنيا بفلسطين في القرن الأول الميلادي وضع اليهود نواة حكومتهم السرية ووضعوا تعاليم كتابهم التلمود الذي يتضمن وصايا حاخاماتهم للسيطرة على دقائق الحياة اليومية للمجتمعات اليهودية بالمنفى , ويبدو أنهم لمسوا من خلال السبي البابلي أن تهديد الله لهم ووعيده قد أصبح موضع التنفيذ , لذا ومنذ ماقبل مرحلة السبي البابلي قد بدأ الحاخامات وضع الخطط والتطلع الى ذلك اليوم الذي يحكم فيه اليهود العالم بأسره في عصر جديد.(5).

وكان المسيحيون يرفضون سكنى اليهود معهم في فلسطين وبالذات بالقدس لذا فحين جاء العرب المسلمين في عهد الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه لفتح بيت المقدس وضع أهالي القدس المسيحيين شرطاً بألاَّ يسمح المسلمين لليهود بالعودة والسكنى بالقدس أبداً.((بسم الله الرحمن الرحيم ,هذا ما أعطى عبدالله عمر أمير المؤمنين أهل أيلياء [ أحد أسماء مدينة القدس ] من الأمان , أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها , أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من خيرها ولا من صــــــليبهم ولا من شيء من أموالهم , ولا يكرهون على دينهم , ولا يضار أحد منهم , ولا يسكن بأيلياء معهم أحد من اليهود …))(6).

وفي هذه المسألة المهمة فإن المسيحيين بطوائفهم الثلاث – البروتستانت وهم خارج إطار المعاهدة التي وقعها مسيحيو القدس مع الخليفة الراشدي الثاني وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه , أولاً لأن ظهور مذهبهم كان متأخراً لعدة قرون عن توقيع العهد , أما الثاني فلعلهم أقرب إلى اليهود منهم إلى المسيحيين وعقائد المسيحية , أما الطائفة الثانية والثالثة فهما الكاثوليك و الأرثوذكس – قد أبرموا إتفاقية سايكس بيكو في عام 1916م , والتي من خلالها وافقوا على أن تكون القدس وفلسطين وطناً قومياً لليهود , ثم ضمنوا خاصة البروتستانت (بريطانيا ) والكاثوليك (فرنسا ) الحفاظ على الوطن اليهودي بمؤتمر سان ريمو (7). ولذا فقد نقضت الطوائف المسيحية عهدهم الذي قطعه لهم عمر , ولذا يفترض أن تعرض على مراكز البحوث الإسلامية أو أية جهة إفتاء إسلامية مستقلة لتحديد إذا ما كان عهد عمر للمسيحيين بالقدس مازال سارياً أم أن الطوائف المسيحية قد قامت بنقضه وأصبح في ذمة التاريخ .

ويبدو أن الله سبحانه أراد أن تكون الأمة اليهودية في البداية هي الأمة الوسط التي تنشر دينه في ذلك المجتمع الإنساني الوثني حتى النخاع , فمن أين يلتفت الإنسان لا يجد إلا مجتمعاً وثنياً في مصر أو فلسطين في اليونان أو العراق ,في الهند أو الصين أو أي مكان آخر في هذه الأرض , فكانت الديانة التوحيدية ديانة الإسلام التي نزلت على موسى عليه السلام وسميت خطأً باليهودية , وإنما هي ديانة توحيدية واستسلام لمشيئة الله سبحانه , لكن حتى ومــوسى بين ظهـــرانيهم أظهــروا العصــــيان لأوامــــر الله و نواهـــيه , بل وصــــل بهــــم الأمر أن يطلبوا مـــن مــــوسى أن يجعل لهــــم آلهة أصناما ً وثنية كما للأقوام المجاورة آلهة , ورغم قوة موسى وتعنيفه لهم , إلا أنهم إستغلوا غيابه لميقات ربه وعبدوا عجل السامري .

وهكذا بعد عهد داوود وسليمان عليهما السلام جاء ملوك بعدهما ((تلهُّوا بالوثنية والتمثل الثقافي فانجذب عامة الناس إنجذاباً مهلكاً الى عبادة الخصوبة الوثنية الكنعانية: فعندما هدد القحط محاصيلهم الزراعية , لم يجد بنو إسرائيل غضاضة في التحول إلى عبادة الإله بعل كجيرانهم الذين يؤمنون بأن في مقدورهم التلاعب بآلهتهم لحملها على إنزال المطر )) (8). وكذلك حين قام يربعام ملك دولة إسرائيل التي إستقلت عن مملكة يهوذا التي يحكمها رحبعام إثر وفاة سليمان عليه السلام , قام بصناعة عجلين من الذهب ليعبدهما أتباعه في درلة إسرائيل حتى لا يكونون بحاجة إلى الذهاب الى الهيكل الموجود بدولة يهوذا (9).

قضية السامري قديماً وحديثاً :

السامري هو أحد اليهود الذين هاجروا مع موسى عليه السلام من مصر الى شبه جزيرة سيناء , وأسمه هارون السامري ,فكان أن رموا الإسرائيليون الذهب الذي سلبوه من المصـــريات , فأخــــذه هـــــارون الســامـــري وصــــنع له عــــــجـــلاً وكان الســـامري قد رأى جبريل وهو على فرسه يوم أن أغرق فرعون ( وقال بصرت بما لم يبصروا ) أي رأيت جبريل وهو راكب فرساً (فقبضت قبضة من أثر الرسول ) أي من أثر فرس جبريل وقد ذكر البعض أنه رآه وكلما وطئت بحوافرها على موضع أعشب فأخذ من أثر حافرها فلما ألقاه في هذا العجل المصنوع من ذهب , فأصبح للعجل خواراً كخوار العجل الحـــــقيقي (10) ,يقول بعـــض المفســــرين : إن مـــــوسى دعـا على الســــامري بأن لا يمــــــس أحدا، معاقبة له على مسه ما لم يكن ينبغي له مســـــــه.

ونعتقد أن الأمر أخطر كثيرا من هذه النظرة السريعة. إن السامري أراد بفتنته ضلال بني إسرائيل وجمعهم حول عجله الوثني والسيادة عليهم ، وقد جاءت عقوبته مساوية لجرمه، لقد حكم عليه بالنبذ والوحدة. هل مرض السامري مرضا جلديا بشعا صار الناس يأنفون من لمسه أو مجرد الاقتراب منه؟ هل جاءه النبذ من خارج جســده ؟ لا يعرف ماذا كان من أمر الأسلوب الذي تمت به وحدة السامري ونبذ المجتمـــــــع له. كل ما نعرفه أن موسى أوقع عليه عقوبة رهيبة، كان أهون منها القتل، فقد عاش السامري منبوذا محتقرا لا يلمس شيــا ولا يمس أحدا ولا يقترب منــه مخلوق. هذه هــي عقوبته في الدنيا.

وتختلف التفسيرات حول ماهية السامري فمن يرى أن أمه مومس من مومسات بني إسرائيل مع رجل جامعها تبين لها أنه شيطان لذا رمت بالمولود رافضة تربيته , وهناك من يربط بين السامري والأعور الدجال أحد علامات الساعة , بل وهناك أحاديث تربط بين الأعور الدجال و إبن صائد أو إبن صياد اليهودي الذي أقسم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحضور الرسول صلى الله عليه وسلم أن إبن صائد هو الأعور الدجال .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشك أن إبن صائد هو الأعور الدجال (( عن أبي سعيد قال لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر في بعض طرق المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتشهد أني رسول الله فقال هو أتشهد أني رسول الله ,فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آمنت بالله وملائكته وكتبه , ماترى ؟ قال أرى عرشاً على الماء ,فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ترى عرش إبليس على البحر …))الحديث , عن محمد بن المكندر قال (( رأيت جابر بن عبدالله يحلف بالله أن إبن صائد الدجال , فقلت أتحلف بالله , قال إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم )) (11).

وترى عقيدة الألفية التي ظهرت مع بدايات المسيحية وزادت مع ظهور حركة الإصلاح البروتستانتي , إلى أن المسيح الدجال شخصية كافرة قاسية طاغية ,وهو إبن الشيطان ( بل لعله هو نفسه الشيطان المتجسد ), وأن من علاماته أنه في أقدامه مخالب بدلاً من الأصابع , أما أبوه , فيصـــــوَّر على هيئة طائر له أربعـــــــة أقدام ورأس ثور بقرون مدببة وشعر أسود كثيف (12).

وقد يتوقف المرء ملياً عند كلمة (بصرت بما لم يبصروا ) فنجد أن السامري قد تمكن من رؤية جبريل على فرسه في حين غيره من الإسرائيليين لم يستطيعوا إبصار الجن أو الملائكة ,مما يعطي ترجيحاً لكون السامري به جنس آخر من غير جنس البشر , كما أن فيه رغبة جامحة لأن يزيغ قلوب بني إسرائيل عن عبادة الله وحده . وأن يضلهم نحو عبادة الأوثان .

وهذا يتوازى تماماً مع وضع إبن صائد الذي قابله رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين وسأله عدة أسئله كان من ضمنها ((ماترى قال أرى عرشاً على الماء , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ترى عرش إبليس على البحر…)) (صحيح مسلم, 18/49).

ولعل أيضاً من المهم التساؤل عن أسباب تسمية الولايات المتحدة الأمريكية ببلاد العم سام , رغم أن سكانها ليسوا ساميين , ويرى البعض أن إسم سام هذا ليس إلا اسم مختصر للسامري Samaritan, في حين أن السامي أي الذي من نسل سام بن نوح Semitic ,والسامية أو معاداة السامية فهي Semitism/anti-Semitism , ولهذا فيرى هؤلاء أن المقصود ببلاد العم سام أنها بلاد عم اليهود والبروتستانت السامري .

وقد أورد فوكوياما عبارة غريبة هي (( روح عام 1776م ))؟!وحاول شرحها بقوله ((إن الليبرالية الهيجلية هي السعي وراء الإعتراف الرشيد ,أي الإعتراف على أساس عام بحيث يعـــــترف الجميع بكـــرامة كل إمـــرئ بإعتباره إنساناً حراً ومســتقلاً ذاتياً…ويعالج الإعتراف العام ذلك النقص الخطير في الإعتراف القائم في مجتمعات الرق بأشكالها المختلفة , فكل المجتمعات تقريباً السابقة للثورة الفرنسية كانت إما ملكية أو أرستقراطية , لايعترف فيها الا بشخص واحد(الملك ), أو بأشخاص قليلين ( الطبقة الحاكمة أو الصفوة )… وقد وفرت الدولة التي وفقت بين أخلاقيات السيد وأخلاقيات العبد الحل الناجع للتناقض الداخلي في العلاقة بين السيد والعبد , فقد ألغى التمييز بين السادة والعبيد , وأضحى عبيد الماضي سادة الحاضر الجدد , ليسوا سادة لعبيد آخرين , بل سادة لأنفسهم ,وهذا هو معنى عبارة “روح عام 1776م “لا إنتصار جماعة جديدة من السادة , ولا بزوغ إحساس جديد من العبودية , بل تحقيق السيادة للذات في صورة حكومة ديموقراطية , وقد إحتفظ الناتج الجديد ببعض عناصر السيادة والعبودية على السواء ,: وهي إشباع الرغبة في الإعتراف عند السيد والعبد ))(13).

وقد أضفى فوكوياما كثيراً من الغموض على ما أسماه روح عام 1776م , فلم نجد في هذا العام من إتفاقيات دولية لحقوق الإنسان , أو مظاهرات للإشتراكيين أو العمال كتلك التي حدثت إثر البيان الشيوعي الذي أطلقه ماركس وأنجلز عام 1848م , أو الثورة الفرنسية التي حدثت عام 1789م , اللهم إذا كان المقصود وجود أمر كبير حول طبيعة العلاقات بين الشرق والغرب أو بين الأمة العربية والإسلامية وبين المعسكر الغربي حيث تم دمج المعسكر الغربي بصورة أكثر غموضاً للبعض وبوضوح جيد لقليل من الناس, ذلك أنه تم دمج المعسكر الغربي بجزئيه الكاثوليكي والبروتستانتي تحت عباءة المنظمات اليعقوبية والمحافل الماسونية لتشكل المعسكر الغربي , ليس وراء أهداف البابوية وإنما خلف منظمات الإحتكار الإقتصادي العالمي أو ما يطلق عليه حالياً الشركات العابرة للقارات , حيث تم دمج المعسكر الغربي المسيحي ليحارب خلف اليهودية الرأسمالية العالمية بالوكالة , حرباً ضد الأمة الوسط أمة التوحيد والأسلام . وقد بحثنا في إتجاهات متعددة ووجدنا مايلي :

أولاً: مايذكره شاحاك وهو بروفيسور في الكيمياء العضوية بإسرائيل ,حيث يقول ((وتظهر معاداة السامية أول ما تظهر في فرنسا وألمانيا ثم في روسيا بعد عام1870م ))(1) , ويقول ((إن الصعوبة الأولى في الكتابة حول هذا الموضوع هي أن مصطلح “اليهودي “كان يستخدم خلال الخمسين سنة الأخيرة بمعنيين مختلفين …وحتى نفهم الأمر دعونا نتصور أنفسنا في العام 1780 م ,فالمعنى المقبول عالمياً آنذاك لمصطلح اليهودي كان متطابقاً أساساً مع ما فهمه اليهود بأن هذا المعنى الذي يشكل هويتهم الخاصة …إن اليهودي لم يكن باستطاعته أن يشرب كوباً من الماء في بيت شخص غير يهودي ,وكانت القوانين الأساسية نفسها , الخاصة بالسلوك تجاه الأغيار سارية المفعول على حد سواء من اليمن إلى نيويورك .))( 15) , ويرى شاحاك أن عام 1795 م في بولندا كان تاريخا فاصلاً لليهودية ببولندا وأن هذا التاريخ يؤرخ لمرحلة يهودية قبله في بولندا ومرحلة بعدة فيتكرر هذا في معظم صفحات الكتاب .(16).

ولعلنا نتدرج بفهم هذه المسألة فقد كان اليهود رحلوا الى بولندا من أسبانيا بعد الإضطهاد الذي واجهوه من الحكومة والشعب بعد إنتصار الإسبان على آخر الممالك العربية بغرناطة , وأمام الإضطهاد رحل اليهود إلى بولندا بحدود عام 1500م, واستغلوا (( تداعي الملكية البولندية في القرن السادس عشر – خصوصاً في عهد سيغيسماند الأول العجوز 1506-1548وإبنه سيغيسماند الثاني أغسطس 1548-1572م- إنطلق اليهود البولنديون ألى تبوء مركز إجتماعي وسياسي بارز رافقته …درجة كبيرة من الحكم الذاتي , وكانت هذه الفترة التي منح فيها يهود بولندا إمتيازاتهم الكبرى , والتي بلغت ذروتها في إنشاء لجنة الأراضي الأربع الشهيرة , التي كانت جهاز يهودي للحكم الذاتي شديد الفعالية , تشمل سلطته جميع اليهود في تقسيمات بولندا الأربعة وكانت وظيفة من وظائفه المهمة العديدة ,جباية الضرائب كافة من اليهود في أنحاء البلاد وحسم جزء من ريعها لإستخدام الجهاز نفسه … وللجاليات اليهودية المحلية وتسلين الباقي لخزانة الدولة ))(17).

ولكن في عام 1772 م قسمت بولندا حيث ضم االقسم الأكبر منها إلى روسيا , ونظراً للعداء المستحكم بين روسيا واليهود , فقد إختفى ذلك الجهاز للحكم الذاتي أو مايسمسه دوغلاس ريد والمؤرخ اليهودي أوغسطين بمركز ((الحكومة اليهودي )) فأوغسطين يقول إنه حل نفسه ودوغلاس ريد يرى أنه إنتقل للعمل السري , ولعل النظام الدولي الجديد آنذاك ( المتعدد الأقطاب ) وصراع القوى العظمى الجديدةفي أوروبا الشرقية روسيا وبروسيا والنمسا قد أفرز عمليات تقسيم و ضم لمزيد من أراضي الدول الصغيرة كبولندا إلى الدول الثلاث ..وذلك حين قررت القيصرة الروسية كاترين الثانية غزو بولندا وأعادت الغزو عام 1773م حيث كانت مصممة ((على سحق يعاقبة وارسو )) على حد تعبير بول كيندي ( 18).

ولعل هناك إشارات متعددة حول ولادة نظام أو مجلس إحتكارات عالمي يضم أغنى إثني عشر من أكبر أثرياء العالم في فرانكفورت عام 1773 م للسيطرة على إقتصاد العالم (19) ,وهي السنة ذاتها التي يؤكد المؤرخ اليهودي أوغسطين أن مركز الحكومة اليهودية قد حل نفسه , ويذكر نعوم تشومسكي أنه في القرن الثامن عشر وجدت ((جماعات الضغط Lobbies, ومنظمات التجارة , وجماعات التجارة والصيارفة ,كلها تصارعت أو إتحدت مع بعضها البعض من أجل الإستفادة من الحماية الجــمركية التي تحمل تكاليفها أكـــبر الكائــنات الإقتصــادية , الدولة)) (20).

وعلى أية حال لم نجد فيما مضى من الأحداث مايجعلنا نفهم بالمقصود من ((روح عام 1776م )) كما تكلم عنها فوكوياما . وقد يعني أن قامت في فرنسا قبيل الثورة بثلاثة عشر عاما حركة فلسفية قامت ببث روح الثورة والتمرد والتدمير, وسنرى قدسية الرقم 13 لدى تلك الجهة التي تتحكم بالدولار و الإقتصاد العالمي , فيقول إلبير سوبول عن عام 1775م(( وزاد من إنتشار المطبوعات الدعاية اللفظية , فكثرت الصالونات والمقاهي , وأعيد تنظيم الجمعيات وازداد عددها … وساهمت المحافل الماسونية في نشر الأفكار الفلسفية , فالماسونية المستوردة من إنجلترا بعد عام 1715 شجعت دون ريب الدعاية الفلسفية فمثالها يتفق في كثير من النقاط مع مثال الفلسفة من مساواة مدنية وتسامح ديني ,ولكن هذا الدور لا تصح المبالغة فيه, فالمحافل الماسونية بصفتها مكان إلتقاء الأرستوقراطية والبرجوازية الغنية وألإعداد لصهرهما لم تكن تؤلف إلا فئة قليلة من تلك الجمعيات العديدة التي كان الفكر الفلسفي ينتشر بواسطتها )) أما على الصعيد الرسمي فقد كان على العكس من هذه التوجهات فقد شجبت محكمة باريس هذه التوجهات لمجموعة من الكتَّاب (حوالي 65مؤلفاً)وأعلنت المحكمة فيما يخص واحد منها مثلاً وهو كتاب بونسيرف عن مساوئ الحقوق الإقطاعية الذي صدر عام 1776م (( يقوم الكتاب …لمحاربة كل شيء وهدم كل شئ وقلب كل شيء ولو أن الروح المنهجية التي قادت ريشة هذا الكاتب تستطيع لسوء الحظ أن تستولي على عقول الجماهير , لشهدنا سريعاً زعزعة مؤسسة النظام الملكي بالتمام والكمال , ولن تتأخر ثورة الأجراء على أسيادهم والشعب على ملكه )) (21).

كانت هذه الروح الشعبية التي تحركها منظمات منتشرة في كل مكان تتعارض تماماً مع ملكية إستبدادية فكان لويس الخامس عشر عام 1770م يقول ((نحن لانتلقى تاجنا الا من الله , فإلينا وحدنا يعود حق إصدار القوانين التي بموجبها نقود رعايانا ونحكمهم دون إرتباط ولا مشاركة )) (22), وهنا نقول هل هذه الأندية والجمعيات وإنتشار الفلسفة والأفكار التحررية هي المقصودة بروح عام 1776م . إنها لم تكن الا المقدمة للثورة الفرنسية التي دمجت بين الأهداف اليهودية والمسيحية أمام عدو واحد هو الأمة الإسلامية , حيث أصبح الغرب الأوروبي بعد فترة من الزمن يحارب بالوكالة عن غيرهم . لقـــد كانت كذلك فعلاً كـــما قال فوكوياما ((لقد ألغـــي التمـــــييز بين السادة والعبيد , وأصبح عبيد الماضي سادة الحاضر الجدد…وقد إحتفظ الناتج الجديد ببعض عناصر السيادة والعبودية على السواء : وهي إشباع الرغبة بالإعتراف عند السيد , وعمل العبد )).

ولم نجد في الكتب التي بين أيدينا مايجعلنا مطمئنين للنتيجة التي وصلنا إليها , صحيح أنه يمكن أن يفهم أن روح عام 1776م تعني بث روح التمرد على النظام الملكي الفرنسي , ومن ثم إحكام الطوق عليه خلال الثلاثة عشر سنة اللاحقة , حيث قامت الثورة الفرنسية بعد 13 سنة أي في عام 1789م على أهرام من الجثث والجماجم مهما قيل عن الثورة التي أحدثتها والروح التي حملتها , فالملكية البريطانية أعطت الشعب البريطاني كل هذه الروح بدون أهرامات الجماجم التي قدرت بمئات الآلاف دون أن تطرف لرجال عصر الإرهاب الفرنسيين جفن .

وحين نستعرض ورقة الدولار فئة دولار واحد نجد العجب , أنظر الى الوجه الثاني , إنك ستجد دائرتين يمينا ويساراً , أما اليمين فيوجد صقر عليه علم غير معروف , وفي رجل الصقر اليمين يوجد 13 سهم ربما ترمز هذه السهام الى القوة العسكرية , وفي رجل الصقر اليسرى يوجد 13 ورقة زيتون , ربما هي تعني أن على العالم الإستسلام للمشيئة أكثر منها عرض للسلام , وفوق رأس الصقر توجد باقة أشبه بباقات الورود ولكنها وفي داخلها 13 نجمة . ثم نأتي إلى الدائرة اليسرى فيوجد هرماً من 13 درجة تحت الماء _ مياه المحيط الأطلسي – وفي أسفل الدائرة يوجد كلمة (العرش العظيم ) أو عرش إبليس , قال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يسأل إبن صائد ((ما ترى قال أرى عرشاً على الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ترى عرش إبليس على البحر …)) ( صحيح مسلم 18 / 49) , وفي أعلى الهرم عين كأمها ترمز إلى الشمس , أو القدرة على معرفة ما يدور في العالم وهي ربما ترمز الى السيطرة على العالم من خلال شبكات ووكالات التجسس والإســـتخبارات . وتوجدجــــــملة بمــــعنى إدفع لكي ترعى يهودياً إنك ترى رقم 13 محرماً على العالم إستخدامه فالشوارع بالدول الغربية تنتقل من الشارع رقم 12 إلى 14دون أن تجد شارعاً يحمل رقم 13 , و الفنادق تحمل أدوارها رقم 12 ثم 14 دون المرور بالرقم 13 , هناك من يعطي تفسيراً غريباً يقول بعض المطلعين إن إتفاقية قد وقعت في مثلث برمودا عند عرش إبليس بين إبليس والإثني عشر مليارديراً الذين شكلوا تحالف فرانكفورت الإقتصادي للسيطرة على العالم , فضمت الإتفاقية 13 شخصاً وأن عراب هذا الإتفاق هو هارون السامري الذي يعيش بين الناس , متخذين من الآية التي تقول (( قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعداً لن تخلفه …)).ويذهب أهل هذا الرأي إلى أن السامري لايزال حياً وهو عراب تلك الإتفاقية ,وقد سجلت بتاريخها مرموزة على ورقة الدولار فئة دولار واحد بتاريخ عام 1776م ,وبعد 13 سنة وقعت الثورة الفرنسية ,. فهل هذا كله مضمون عبارة ” روح عام 1776م .

وعد الله لليهود بأرض الميعاد :

ولعله من المهم مناقشة أمر وعد الله لليهود , حيث يرى اليهود والمسيحيين البروتستانت من بين طوائف وأديان العالم أجمع أن الله قد وعداليهود بالتوراة بالعودة الى فلسطين , وتقول الأسطورة اليهودية في سفر التكوين (15/18)(( إن الرب قطع “مع إبراهيم ميثاقاً قائلاً: لنسلك أعطي هذه الأرض من مصر (النيل ) الى النهر الكبير نهر الفرات ..)) (23) , فإذا أحسنا النية تجاه هذا النص فإن العرب وهم من نسل إبراهيم عليه السلام قد نالوا هذه الأرض منذ الفيِ عام , ويرى الدكتور ديـــوي بيغل من كــلية ويســـــلي للاهــــوت في كتابه” الوحي والنـــبوة ” إن هذه الإدعــــاءات لا تصمد أمام التمحيص الدقيق من نقطتين : (( أولاً: إن نبوءة عودة شعب إسرائيل إلى فلسطين كانت قد تحققت بالعودة من بابل كما جاء في التوراة , ولا علاقة لذلك بإسرائيل القرن العشرين . ثانياً:إن وعد الله إسرائيل ” بالأرض ” لم يكن دائماً بل مشروطاً, وقد خرقته إسرائيل أيام التوراة , بتقصيرها في إطاعة وصايا الله , وهكذا تكون قد خسرت الوعد .)) (24).

ومن هنا فقد كان الله حين دعاه سيدنا ابراهيم بأن يجعل ..في ذريته …قد أجابه بأنه ((لا ينال عهدي الظالمين)) ,ولذا فقد فضل في بداية الأمر فضل الله سبحانه بني إسرائيل على العالمين , وجعل منهم الأنبياء , وجعل في أنبياءهم المعجزات , ولكن حين ضلَّوا عن هديه ودينه الذي أختاره لهم طردهم من رحمته ولعنهم على لسان داوود وعيسى بن مريم وكما تقول التوراة أن موسى قال : (( أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلاً : خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت الرب ليكون هذا شاهداً عليكم ، لأني عارف تمردكم ورقابكم الصلبة هو ذا وأنا بعدُ حي معكم اليوم قد صرتم تقاومون الرب فكم بالحرِيِّ بعد موتي)).[تثنية 31: 17،16](25).

وهنا حكم الله عليهم بالطرد والشتات ليس من فلسطين فحسب بل من رحمته تعالى , وقد عثر الكاهن الأكبر حلقيَّا عام 622ق.م. على مخطوط عتيق لأسفار موسى الخمسة كلها أو ربما مخطوطاً لسفر تثنية الإشتراع الذي إنتهى بسلسلة من اللعنات الرهيبة وقد رعب الملك يوشيا الذي رأى أن جزءاً كبيراً منها قد تحقق بترحيل عشرة من القبائل الإسرائيلية التي أجبرت على الأندماج مع الشعوب الأخرى واختفت من الوجود وإلى الأبد , وكان الله قد أخبر موسى بأن إحتلال بني إسرائيل للأراضي المقدسة متوقف على الإلتزام الدقيق بتعاليم الله التي أنزلها بالتوراة وفي حالة عصيانهم لأوامر الله فإنهم سيفقدون الأرض المقدسة , حيث يبلغ الله موسى بسفر التثنية (28:63-67) (( وكـــما فــرح الرب لكم ليحـــسن إليكم و يكثــــركم , كذلك يفـــــرح الرب لكم ليفنيكم ويهلككم فتستأصلون من الأرض إلتي أنت داخل اليها لتمتلكها . ويبددك الرب في جميع الشعوب من أقصاء الأرض إلى أقصائها ,وتعبد هناك ألهة أخرى لم تعرفها أنت ولا آباؤك من خشب وحجر ,وفي تلك الأمم لا تطمئن ولا يكون قرار لقدمك , بل يعطيك الرب قلباً مرتجفاً …وتكون حياتك معلقة قدامك وترتعب ليلاً ونهاراً ولا تأمن على حياتك ,…ويردك الرب الى مصر في سفن في الطريق الذي قلت لك لا تعد تراها فتباعون هناك لأعدائك عبيداً وإماء وليس من يشتري ))(26).

وهذا النص يشبه أية قرآنية ((وإذ قلتم ياموسى لن نصبر على طعام واحدفادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي أدنى بالذي هو خير إهبطوا مصراً فإن لكم ماسألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤا بغضب من الله ذلك بأنهم يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ))( البقرة آية 61),

لقد حذرهم الله في التوراة وعلى ألسنة أنبيائه وقال سبحانه ((يابني إسرائيل أذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ))( البقرة ,آية 10) .

وكم عصوه ولكن الله سبحانه قال :(( ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون ))(البقرة آية 52) وأمام استمرارهم بمعصية الله قال الله سبحانه ((وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلاً مايؤمنون ))(البقرة آية 88). , وهذه سنة الله في خلقه قال الله سبحانه ((وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لايكونوا أمثالكم )) (محمد , آية 38).

ونرى أن الله سبحانه قد فضل بني إسرائيل في بداية الأمر وهو يعلم بسابق علمه ماهم فاعلون ,(( ولقد إخترناهم على علم على العالمين ,وءاتينهم من الأيت مافيه بلؤا مبين ))الدخان ,آية 32-33), وحين افتتنهم الله بأن فضلهم على العالمين وأعطاهم السلطة والقوة والمال , لم يثبتوا على عبادة الله سبحانه فحرفوا التوراة , بل وأدخل كهنتهم (( جوانب من العـــبادات الوثنية الى طـــــقوس اليهـــــــودية وشــــعائرها ,كان…أن

تأثروا بالمناخ الديني المحلي الســائد ,ولم يكونوا بعد مستعدين لعقيدة التوحـيد الصارمة ))(27). وبدلا من أن يحملوا الشعوب على تقليدهم ونبذ الوثنية والإندماج بعبادة الله وحده , نجد أنهم ظلت قلوبهم شغوفة بعبادة الوثنية , يحنون اليها وينتهزون الأسباب للعودة اليها .

ويجد قارئ المزمور السادس بعد المائة يجد التشابه بين ما ذكره الله تعالى عنهم في سورة البقرة وما في هذا السفر ، من تعداد لنعم الله تعالى وآياته التي أراهم ولكنهم كل مرة ينكصون وينكثون ويعبدون غير الله وينكرون نعمة الله ، ولذلك كان الوعيد عليهم من الله ((فرفع يده مقسماً ليسقطنهم في البرية ويسقطن ذريتهم في الأمم ويبددنهم في البلاد…)).[26 ، 27] (28).

وبهذا فقد فشلوا بالقيام بما ارتضاه الله لهم من إفراده وحده بالعبادة , وزالت عنهم أسباب تفضيلهم على العالمين ,ولم يعودوا الا شعباً ملعوناً مطروداً من رحمة الله حسب ماورد في التوراة نفسها فضلاً عن الإنجيل والقرآن . وهكذا تمت كلمة الله بإستبدالهم بأمة أخرى بدلاً منهم كأمة وسط , ولم تكن تلك الأمة الا أمة العرب وهي الفرع الثاني من ذرية ابراهيم لتكون جزءا من أمة الإسلام , وهذه سنة إلهية حذر الله أمة المسلمين والعرب قائلاً سبحانه ((…وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لايكونوا أمثالكم ))(محمد آية 38).

بل إن الله سبحانه قد كره أيام إسرائيل وبدَّل يوم السبت كيوم عبادة بيوم الأحد المسيحي , ثم بيوم الجمعة الإسلامي كيوم عبادة إسبوعي , وفي التوراة يقول الرب لقواد سدوم وشعب عمورة ((… رأس الشهر والسبت والدعوة إلى الحفل… إنما هي إثم واحتفال ، رؤوس شهوركم وأعيادكم كرهتها نفسي. فحين تبسطون أيديكم أحجب عيني عنكم وإن أكثرتم من الصلاة لا أستمع لكم لأن أيديكم مملوءة من الدماء)).(1 : 9-15)(29).

وقول سفر أشعيا حسب ماأوجزه الدكتور سفر الحوالي ((استمعي أيتها السموات وأنصتي أيتها الأرض فإن الرب قد تكلم. إني ربيت بنين وكبَّـرتهم لكنهم تمردوا عليَّ. عرف الثور مالكه والحمار علف صاحبه لكن إسرائيل لم يعرف وشعبي لم يفهم. ويل للأمة الخاطئة الشعب المثقل بالآثام ، ذرية أشرار وبنين فاسدين. إنهم تركوا الرب واستهانوا بقدُّوس إسرائيل وارتدوا على أعقابهم. علام تُضرَبون أيضاً إذا ازددتم تمرداً ؟ الرأس كله مريض والقلب كله سقيم. من أخمص القدم إلى الرأس لا صحة فيه بل جروح ورضوض وقروح مفتوحة لم تعالج ولم تعصب ولم تُلَيَّن بدهن)).[1 : 1- 6] ,(30).

وقد خص الله أمة العرب والمسلمين بقوله سبحانه (( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً …))(البقرة ,آية 143).

وبهذا فإن الله قد استبدل أمة العرب والمسلمين ببني اسرائيل يقول , ألأستاذ الغزالي في فقه السيرة ((لماذا كانت الرحلة [الإسراء ] الى بيت المقدس ولم تبدأ من المسجد الحرام الى سدرة المنتهى مباشرة …فقد ظلت النبوات دهوراً طوالاً وهي وقف على بني إسرائيل وظلت بيت المقدس مهبط الوحي …فلما أهدر اليهود كرامة الوحي وأسقطوا أحكام السماء , حلت بهم لعنة الله وتقرر تحويل النبوة عنهم الى الأبد , ومن ثم كان مجيء الرسالة الى محمد إنتقالاً بالقيادة الروحية في العالم من أمة الى أمة ومن بلد الى بلد ومن ذرية إسرائيل الى ذرية إسماعيل …))(31).

وهو ماتؤكده الأسفار اليهودية (( وهكذا يتنبأ النبي بالعقوبة على هؤلاء – علماً بأنه حينئذ لم يكن لليهود دولة ولا اجتماع وإنما كانوا أسرى في بابل فيقول : ((فيرفع رايةً لأمةٍ بعيدةٍ ويصفر لها من أقصى الأرض فإذا بها مقبلة بسرعة وخفة. ليس فيها منهك ولا عاثر ، لا تنعس ولا تنام ولا يحل حزام حقويها ولا يفك رباط نعليها. سهامها محددة وجميع قسيها مشدودة. تحسب حوافر خيلها صواناً ومركباتها إعصاراً. لها زئير كاللبؤة وهي تزأر كالأشــبال وتزمجـــر وتمسك الفــــريسة وتخــطفها وليس من ينقذ.

فتزمجر عليه في ذلك اليوم كزمجرة البحر. وتنظر إلى الأرض فإذا بالظلام والضيق وقد أظلم النور في غمام حالك)). [5 : 26- 30] (32) , وفي سفر ميخا نقرأ :(( اسمعوا يا رؤساء يعقوب وقواد بيت إسرائيل أما ينبغي لكم أن تعرفوا الحق ؟ أيها المبغضون الخير والمحبون الشر النازعون جلود الناس عنهم ولحومهم عن عظامهم الذين يأكلون لحوم شعبي ويسلخون جلودهم عنهم ويشمون عظامهم عنهم… هكذا قال الرب على الأنبياء ( الدجالين ) الذين يضلون شعبي ويعضون بأسنانهم وينادون بالسلام ومن لا يلقمهم في أفواههم يشنون عليه حرباً مقدسة)).وفي ترجمة أخرى :((ينهشون بأسنانهم وينادون سلام)). ((يا رؤساء بيت يعقــــوب ويا قواد بيت إسرائيل الذين يمـــقتون الــــحق ، ويعوّجون كل اســـتقامة الذين يبنــــون صـــهيون بالدمــــاء ، وأورشـــليم بالظلـــم)). [3 : 1-5 ، 8-12] (33) .

وفيما يتعلق بدعوى أنهم شعب الله المختار أو أن الله لايزال يفضلهم على العالمين تقول الأسفار : ((لو أرسلتك إلى هؤلاء (الشعوب غير بني إسرائيل) لسمعوا لك ولكن بيت إسرائيل لا يشاء أن يسمع لك ، لأنهم لا يشاؤون أن يسمعوا لي، لأن كل بيت إسرائيل صلاب الجباه وقساة القلوب… فلا تخف ولا ترتعب من وجوههم ، لأنهم بيت تمرد)). حزقيال [3 :6-7] (34) .

وأصبح المسلمين كأمة وليس العرب كجنس أو عنصر مفضلين على غيرهم ولكن (( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) ورغم أن الله ساوى مساواة مطلقة بين العرب وبقية شعوب العالم , فلا فضل لعربي على غيره , الا أن الله فضل أمة العرب لحمل رسالة الإسلام ونشرها وحمايتها وقد جاء في الحديث (( إن الله قد نظر الى أمم الأرض فرأى أمة العرب أوسطها فنظر الى أمة العرب فرأى قريش أوسطها … )) .

ولعلنا نخلص هنا الى أن العرب كحملة لرسالة الإسلام أي العرب كمسلمين وهم ضمن أمة الإسلام التي هي المعنية بهذا التفضيل , والأكرم عند الله حسب قوة التقوى لله سبحانه قد أصبحت هي أفضل الأمم على الأطلاق : ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو ء امن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ))( آل عمران , آية 110).

تأليف د. صالح السعدون

قسم الإجتماعيات بكلية المعلمين بالرياض

هوامش الفصل الأول :

(1)إبن كثير , البداية والنهاية , مكتبة المعارف بيروت , الطبعة الخامسة , 1404 هـ – 1983م , الجزء الأول , ص274

(2) كارين آرمسترونج , ص 39 –41

(3) أحمد عادل كمال , الطريق الى دمشق ,دار النفائس ,بيروت , الطبعة الأولى ,1400-1980 , ص22

(4)عاطف عبدالغني , صدام الأصوليات نهاية إسرائيل أو نهاية العالم ,دار الخيال , الطبعة الأولى,2000م ص54-55

(5) كارين آرمسترونج , المرجع السابق , ص 47 – 48

(6) الطبري , تاريخ الأمم والملوك ,دار المعارف بمصر , ج 3 , ص 609-610

(7) د.صالح السعدون ,سياسة بريطانيا تجاه فلسطين 1882-1922م , رسالة دكتوراة من جامعة الإمام محمد بن سعود (غير منشورة ) , عام 2003 م –1423هـ , ص 540 ص 608

(8) المرجع نفسه ,,ص 43

(9) د. كامل سعفان , اليهود تاريخاً وعقيدة ,دار الإعتصام , القاهرة , ص 178

(10) إبن كثير, المصدر السابق , الجزء الأول ,286- 289

(11) صحيح مسلم ,المرجع السابق ج18 ,كتاب الفتن وأشراط الساعة , ص49 ,ص 52-53 , ص54-65 وما وراءها .

(12) د. عبدالوهاب المسيري , مقدمة لدراسة الصراع العربي الأسرائيلي ,جذوره ومساره ومستقبله ,دار الفكر بدمشق , الطبعة الأولى , 1423هـ -2002م ,ص 71

(13) فرانسيس فوكوياما , المرجع السابق , ص 180 – 181

(14)إسرائيل شاحاك , الدانة اليهودية وتاريخ اليهود وطأة 3000عام , ترجمة: رضى سلمان , شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ,بيروت , الطبعة الثالثة,1997م, ص 118

(15) المرجع نفسه , ص 37

(16)المرجع نفسه , ص 41 , 102 , 110 ,112

(17) المرجع نفسه , ص 111, 112 , دوغلاس ريد ,جدل حول صهيون ,(دراسة للمسألة اليهودية خلال الفين وخمسمائة عام ,), ترجمة غياث كنعو ,دار الحصاد ,دمشق , الطبعة الثانية , 1998م , ص85

(18) بول كيندي , نشوء وسقوط القوى العظمى ,ترجمة مالك البديري , الأهلية للنشر والتوزيع , عمان , الطبعة الأولى , 1414هـ -1994م ,ص 177, د. صالح السعدون , سياسة بريطانيا تجاه فلسطين ,..مرجع سابق ….. ص 32 ,ص 53

(19)وليم كار ,اليهود وراء كل جريمة , ترجمةخيرالله طلفاح , دار الكتاب العربي , بيروت , الطبعة الثانية , 1402 هـ – 1982م ,ص 87-99

(20)نعوم تشومسكي , المرجع السابق , ص 20

(21)إلبير سوبول ,, تاريخ الثورة الفرنسية , ترجمة جورج كوسي , منشورات بحر المتوسط , عويدات , باريس ,بيروت , الطبعة الرابعة , 1989م , ص 58-59

(22) المرجع نفسه , ص 66-67

(23 ) بول فندلي , الخداع ,الترجمة بإشراف د.محمود يوسف زايد ,شركة المطبوعات للنشر والتوزيع ,بيروت ,الطبعة الثانية ,1992م ص 24

(24) بول فندلي , من يجرؤ على الكلام (مرجع السابق ), ص401

(25) سفر الحوالي , خريف الغضب ,ص35

(26) كارين آرمسترونج , المرجع السابق ,ص 44 -45

(27)المرجع نفسه ,ص 44

(28)د. سفر الحوالي , المرجع السابق ,ص 35

(29)المرجع نفسه , ص36

(30) المرجع نفسه , ص 36

(31)الغزالي فقه السيرة ,ص103

(32)د. سفرالحوالي , المرجع السابق , ص 38

(33)المرجع نفسة , ص 41

(34) المرجع نفسه , ص 41

1٬159

الكاتب د.صالح السعدون

د.صالح السعدون

د.صالح السعدون مؤرخ وشاعر وأكاديمي / لدينا مدرسة للتحليل السياسي غير مألوفة..

مواضيع متعلقة

2 تعليق على “نظرية تاريخية جديدة 2/6”

  1. [url]http://forum.onothty.net/f13.html[ll]فساتين سهره[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f14.html[ll]فساتين للعروس[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f15.html[ll]فساتين للحوامل[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f21.html[ll]تسريحات[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f20.html[ll]مكياج[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f23.html[ll]رجيم[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f17.html[ll]عبايات[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f16.html[ll]ازياء اطفال[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f22.html[ll]العنايه بالبشره[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f41.html[ll]بلاك بيري[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f41.html[ll]برودكاست[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f60.html[ll]صور مسن[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f31.html[ll]ديكورات المنزل[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f32.html[ll]ديكورات المطبخ[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/[ll]منتدى انوثتي[/url]
    [url]http://www.onothty.net/[ll]انوثتي[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f42.html[ll]ايفون[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f43.html[ll]جالكسي[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f25.html[ll]زفات[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f33.html[ll]الاشغال اليدوية[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f36.html[ll]سلطات[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f37.html[ll]حلى[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f38.html[ll]معجنات[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f26.html[ll]قاعات[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f27.html[ll]بوفية[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f25.html[ll]توزيعات[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f19.html[ll]عطورات[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f18.html[ll]اكسسوارات[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f11.html[ll]عيادة[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f9.html[ll]حياتي الزوجية[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f35.html[ll]الاكلات الشعبيه[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f59.html[ll]وظائف نسائية[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f47.html[ll]المرحله المتوسطه[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f48.html[ll]المرحله الابتدائيه[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f49.html[ll]المرحله الثانويه[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f51.html[ll]عروض بوربوينت[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f8.html[ll]اسرتي[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f10.html[ll]الانثى[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/f40.html[ll]الرياضة النسائية[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t670.html[ll]تسريحات ناعمة 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t669.html[ll]تسريحات للجامعه 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t534.html[ll]قصات شعر قصير 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t696.html[ll]مكياج سهرات 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t502.html[ll]مكياج 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t647.html[ll]مكياج فخم 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t544.html[ll]فساتين ترتر 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t531.html[ll]فساتين ناعمه 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t530.html[ll]فساتين سهرة طويلة 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t526.html[ll]فساتين سهره قصيره 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t494.html[ll]فساتين 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t495.html[ll]فساتين سهره 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t485.html[ll]ازياء كورية 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t643.html[ll]فساتين حوامل قصيره 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t535.html[ll]ازياء حوامل 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t639.html[ll]ملابس حوامل 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t420.html[ll]فساتين زفاف 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t484.html[ll]ديكورات فخمة 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t512.html[ll]ديكورات منازل 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t695.html[ll]ديكورات ايكيا 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t441.html[ll]برودكاست ايفون 2013[/url]
    [url]http://forum.onothty.net/t628.html[ll]توبيكات واتس اب[/url]

التعليقات مغلقة