السياسة الخارجية السعودية منذ ثلاثة عقود


على من يدير دفة السياسة الخارجية السعودية أن يشعر بأن الخطر قد بدأ يتزايد

منذ عام 2006م بدأت السياسة السعودية تعاني من صعوبات كبرى , في وقت تم تأسيس إدارة للأمن الوطني والتي ترأسها الأمير بندر بن سلطان , ومن المعروف أن الأمير بندر أحد المخضرمين بالسياسة الخارجية , ولعلنا كنا نعتقد أن السياسة السعودية حين يديرها أرطبونها الأمير سعود الفيصل إلى جانب صهره الأمير بندر بن سلطان ستحلق بجناحيها في عنان السماء , ولكن المفاجأة ……..
د.صالح السعدون

على من يدير دفة السياسة الخارجية السعودية أن يشعر بأن الخطر قد بدأ يتزايد ..

كتب د.صالح السعدون
منذ عام 2006م بدأت السياسة السعودية تعاني من صعوبات كبرى , في وقت تم تأسيس إدارة للأمن الوطني والتي ترأسها الأمير بندر بن سلطان , ومن المعروف أن الأمير بندر أحد المخضرمين بالسياسة الخارجية , ولعلنا كنا نعتقد أن السياسة السعودية حين يديرها أرطبونها الأمير سعود الفيصل إلى جانب صهره الأمير بندر بن سلطان ستحلق بجناحيها في عنان السماء , ولكن المفاجأة للمراقبين لقضايا الشرق الأوسط بشكل عام والخليج العربي بشكل خاص أن السياسة السعودية قد واجهتها صعوبات وتحديات لم تقابلها مثيل لها في تاريخها الطويل ربما منذ نصف قرن.
كانت السياسة السعودية تسيطر على توجهات العالم العربي منذ فترة طويلة , كما كانت قادرة على توجيه السياسات العربية وفق رؤاها الخاصة في ما تراه حيال المصلحة العربية العامة , وكانت تنجح في كثير من الإلتواءات التي تحدث في السياسات العربية في أن تعيد توجيه دفة السفينة وفق رؤى ناضجة وتوحيدية للصف العربي .
مع بداية عام 2006م كانت أمريكا تتجه بسياساتها المتشددة نحو فرض واقع جديد في بلاد الشام سوريا ولبنان وفلسطين بعد تغييرات جذرية أحدثتها في العراق منذ عام 2003م , ورغم أن السياسة السعودية كانت قادرة في كل زمان على المناورة والمساومة إلا أنها بدأت تعاني من المتاعب والتحديات الكبرى في عام (2006م) ؛ ورغم أن العالم في ذلك العام قد بدأ بالفرز بشكل أكبر نحو انقسام كان مفترض أنه سيبلغ مداه في عام 2008م لتشهد حرب كبرى بين القوى الموالية للغرب في بلاد الشام والقوى المعادية لها هناك , بحيث كان يفترض من السياسة السعودية إلتزام الحياد بين قوى الموالاة والمعارضة بحيث يتحسن قدرة هذه السياسة في رسم رؤى متوازنة بدلاً من الدخول في تحالفات مع أو ضد ؛ إلا أن الموقف كان على عكس ذلك الحياد الإيجابي أو السلبي المفترض , بحيث دخلت السياسة السعودية في خط ساخن للمواجهة على عكس سياسات السعودية خلال نصف قرن مضى تقريباً.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه حيال هذا التغيير في السياسة السعودية هو : هل كانت تلك التغييرات تمثل حقيقة طريقة جديدة للأميرسعود الفيصل – الذي أدار السياسة الخارجية بكفاءة عالية عقود عديدة – حيال مواجهة ومعالجة مشكلات هذا العقد من القضايا الخطيرة , أم أن هذا التغيير كان منبعه هو طريقة الأمير بندر بن سلطان – كمدير لجهاز الأمن الوطني- لإدارة الملفات التي ذكرت بعض التقارير أنه قد أستلمها كملفي إيران ولبنان وما يتعلق بهما قبل سحبهما وإعادتهما لوزارة الخارجية بحيث استمرت لمسات الأمن الوطني عليهما ؟.
وعلى أية حال يجب أن ندرس الوضع الحالي الذي وصلت إليه السياسة السعودية ليس من قبيل المدح أو النقد ؛ وإنما من قبيل استشفاف مواطن الخطر الذي يحدق بنا والذي يجب أن نستدركه قبل فوات الأوان , إن السياسة السعودية حتى عام 1990م كانت تسيطر على ما يمكن تسميته بحذوة الفرس التي ترتكز قاعدتها في البحر العربي وتبدأ من باكستان مروراً بأفغانستان وإيران والعراق والأردن وسوريا ولبنان وفلسطين ومصر والسودان وحتى جيبوتي والصومال , في عام 1979م فقدت السياسة السعودية إيران التي رغم أنها لم تكن ذات علاقات جيدة مع المملكة في الحقبة الملكية ؛ إلا أنها أصبحت عدائية بشكل مطلق في الفترة الخمينية , ثم خسرت السياسة السعودية العراق منذ عام 1990م وكذلك الصومال وأريتريا حيث ذهبت الأولى نحو الفوضى والثانية نحوأحضان إسرائيل القطب المعادي الآخر للسياسة السعودية .
في تلك الفترة كانت السودان قد لحقت بالقطار المعادي ضمن إطار حذوة الفرس المحيطة كالحزام بالسعودية – زمن السيطرة الترابية على مقاليد الحكم – قبل أن يُعيدها الرئيس السوداني البشير إلى علاقات حميمية معها , بالنسبة لمصر فهي منذ كامب ديفيد وهي غائبة عن الساحة , وبالتأكيد بدلاً من أن تكون عاملاً مساعداً للسياسة السعودية في العالم العربي إلا أنها في العقدين الماضيين لعبت دوراً منافساً على كل الأصعدة , فكل نجاح للسياسات السعودية , فإنها تنظر إليه باعتباره تقليلاً للدور المصري- الغائب أصلاً- في المنطقة .
في عام 2001م ساهمت أحداث جليلة في أن نفقد أفغانستان , و في السنتين الأخيرتين من منتصف 2006-2008م خسرت السياسة السعودية مواقعها في كل من لبنان وفلسطين وسوريا , ولكن الأدهى والأمر والصاعقة التي حدثت في هذه الأسابيع الأخيرة أننا قد فقدنا باكستان كأهم دولة يجب أن تكون حليفاً رئيسياً للسياسة السعودية بما نمثله – السعودية- من مرجعية عقائدية للقيادة الباكستانية ولشعبها . وبهذا فلم يتبق لنا في عام 2008م من هذا الحزام الأمني الكبير الذي يشكل حذوة فرس حول بلادنا سوى دول الخليج الضعيفة التي لا تزال بعضها لا تدرك كم تعتبر السياسة السعودية صمام أمان لوجودها , والأردن الدولة الصغيرة والضعيفة على المستوى الإقتصادي والعسكري والإستراتيجي , والسودان الممزق . وهو ما يعني أنه من بين إثني عشرة دولة محيطة بالحزام الأمني الكبير (حذوة الفرس ) المحيطة بجزيرة العرب ؛ قد فقدنا السيطرة على تسعة دول ولم يتبق لنا إلا ثلاثة دول هي جيبوتي والسودان والأردن , بينما تحولت بقية الدول الأخرى إلى دول معادية لسياساتنا.
ومما لا شك فيه أن التغييرات الجذرية التي تشهدها بلاد الشام في السياسات الدولية (سوريا ولبنان ) تصب في مشروع دولي خطير على الأمن القومي والوطني , فشكر ساركوزي للدور والسياسة السعودية والمصرية وهو في زيارته الأخيرة في دمشق بقدر ما عيني تعزية فإنه يعني أن على السياسة السعودية أن تواجه مزيداً من المصاعب , وهو يعني أن الغرب قد أدار وجهه من التحالف معها نحو التحالف مع سوريا لحل مشكلة الغرب مع إيران وفي لبنان , وهذا بدوره يفسر الإرتباك الحاصل في لبنان لحلفاء الغرب والموالين له .
وإذا أضفنا التغييرات الخطيرة في باكستان هذا الأسبوع من انتخاب زرداري الشيعي المذهب , بحيث كان أول المهنئين له الرئيسين الأمريكي بوش والإيراني نجاد تكون الصورة قد اتضحت , إن الغرب قد أحكم الطوق علينا وأن بلادنا في خطر , إن أمريكا وفرنسا قد تحالفت مع العالم الإسلامي الشيعي ضد قاعدة الإسلام السني وأن الهلال الشيعي قد اكتمل فزاويته في إسلام أباد وقوسه في إيران والعراق ونهايته في لبنان . إن خروج باكستان من دائرة الأمن السعودي تجعل أساطين السياسة السعودي مجبرين على إعلان حالة الطوارئ فبلادنا في خطر حقيقي .
د. صالح بن محمود السعدون
جامعة الحدود الشمالية – رئيس قسم الإجتماعيات

749

الكاتب د.صالح السعدون

د.صالح السعدون

د.صالح السعدون مؤرخ وشاعر وأكاديمي / لدينا مدرسة للتحليل السياسي غير مألوفة..

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة