رؤية شاملة إلى الكون
رؤية شاملة إلى الكون
د.صالح السعدون
تمهيد /
ما من شك أننا نقرأ الكثير ونحاول أن نحلل ونفهم ما نقرأ ؛ وسواء كان ذلك من القرآن الكريم أو الأحاديث الشريفة أو حتى من الحضارات الأخرى والتاريخ وغيرها من الحقائق العلمية ؛ فإن فهمنا سيظل محدوداً إن لم نمعن النظر ونطيل التفكر والتدبر ,
رؤية شاملة إلى الكون
تمهيد /
ما من شك أننا نقرأ الكثير ونحاول أن نحلل ونفهم ما نقرأ ؛ وسواء كان ذلك من القرآن الكريم أو الأحاديث الشريفة أو حتى من الحضارات الأخرى والتاريخ وغيرها من الحقائق العلمية ؛ فإن فهمنا سيظل محدوداً إن لم نمعن النظر ونطيل التفكر والتدبر , الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى به من خلال حثنا المستمر على ذلك كقوله تعالى { الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار }آل عمران آية 191.
ولعلنا في هذه الرؤية الشاملة للكون نحاول أن نجد مدخلاً للفهم لصورة أشمل وأوضح مما نحن نفهمه ولكن ذاك يجب أن يعتمد على الكتاب والسنة أولاً ومن الحضارات الأخرى بما لا يتعارض نهائياً مع القرآن والسنة بأي حال من الأحوال وبأي جزئية كانت ؛ وكل شيء نتوصل إليه وهو مخالف لشرع الله فنحن أول من يتبرأ منه .
ومن هنا فإننا حين نكتب هذه الرؤية فإننا نهدف إلى أن نزداد إيماناً بالله ونتفكر ونتدبر في خلق الله لهذا الكون من سموات وأرض وأفلاك وملائكة وجن وبشر وجنة ونار ؛ ومن خلال هذه الرؤية نستمد توجهاتنا للحياة الآخرة ونقلل من اهتمامنا بالحياة الدنيا التي نلهث خلفها , إن هذه الرؤية تجعلنا نستطيع أن نزن الحياة الدنيا قياساً بالآخرة كوزن البعوضة بالنسبة للكرة الأرضية أو أشد , فيغنم المرء من دنياه ما يمكن أن يدخره لآخرته , فيكون على بصيرة إن فرَّط أو ادخر , فلا يلوم الفهم الخاطئ بقدر ما يلوم نفسه ؛ هذا من جهة ؛ ومن جهة أخرى تساعده هذه الرؤية على الاستعداد الجيد من واقع رؤية واسعة للكون وفهم أكثر للماضي والحاضر والمستقبل .
عمر الأرض التقريبي :
من المعروف ووفقاً لما ورد في سورة ” فصلت ” أن الله سبحانه كان ولم يكن قبله شيء , وكان عرشه على الماء ؛ وتدلنا الآيات من رقم 9-11 { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدَّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض إئتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين }.تدلنا هذه الآيات الثلاث على أن خلق الله سبحانه وتعالى للأرض كان قبل خلق السموات . ولعل الروايات التي تنسب للصخرة مهما كان قوة أو ضعف صحتها تعطي مؤشراً ما حيال هذا الأمر أيضاً .
ومن هنا فإنه من المعروف من كتاب الله الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و من خلفه هذه الحقيقة ؛ ولكن لا يوجد أي تسجيل لعمر الأرض أبداً , غير أن الله سبحانه كان أزلياً ليس قبله شيء . مما يعطي العنان لأي رقم مهما كان كبيراً ألاَّ يمكن التقليل من شأنه أبداً , ولهذا كله فقد تمكن العلماء حسب ما لديهم من أجهزة ومختبرات , ومهما كان قصور تلك الأجهزة والمختبرات التي قد لا تصل إلى الحقيقة ولكنها تكفي لإعطاء مؤشرات قوية , أن عمر الألماس حوالي 990مليون سنة أي ما يقارب من مليار سنة في عصرنا هذا . وسواء كان عمر الألماس يمكن أن نستدل من خلاله على عمر الأرض أو أن عمر الأرض يكون أكثر ؛ فإنه في الحالتين فإن الرقم يعطي دلالة كبيرة ؛ ونحن نؤكد أن هذا الرقم لا يشكل أية حقيقة لهذه الرؤية ؛ وإنما فقط يعطينا مؤشرات قوية تجاه استكمال هذه الرؤية .
فإذاً فالأرض عمرها قريب من مليار سنة , وهنا نتساءل حيال ثلاثة احتمالات ممكنة بخصوص خلق الإنسان وهي كالتالي : الاحتمال الأول : أن خلق الإنسان الأول لنا وهو أبونا آدم عليه السلام هو أمر قديم يصل إلى مليار عام أو نصف مليار عام وهو أمر لا يمكن الإقرار به .الاحتمال الثاني : أن خلق آدم عليه السلام جاء بعد مرور مليار عام من خلق السماوات والأرض , وهو والله أعلم وما أوتينا من العلم إلا قليلا أمر مستبعد في سياق الآية القرآنية الكريمة ؛ { وما خلقنا السموات والأرض لاعبين } , والآية { وما خلقنا الإنس والجن إلا ليعبدون } فالله سبحانه لم يخلق السموات والأرض والإنس والجن إلا لعبادته سبحانه وهو أحق أن يُعبد .
أما الاحتمال الثالث : فهو أن الله سبحانه منذ أن خلق السموات والأرض قبل مليار أو أكثر من السنين قد خلق من الخلق ما لا يحصى عدداً وفق دورات بشرية متتالية كلما بدأت دورة استمرت بضعة عشرات من آلاف السنين , ثم انتهت بيوم للقيامة , فيحاسب أولئك الخلق , فمنهم من يذهب إلى الجنة وهو السعيد , ومنهم من يدخل النار أعاذنا الله منها والمسلمين و ذرياتهم وهو الشقي . ثم لا يعلم كم من السنين تبقى الأرض حتى يخلق الله دورة بشرية جديدة لعبادته سبحانه وتعالى بديع السموات والأرض الحي القيوم .وهو ما سنفصله لا حقاً .
محطات مهمة في الطريق :
وجد علماء الآثار في الأمريكيتين حضارة تسمى حضارة المايا آثار كثيرة ونقوش تمثل حضارة علمية وفلكية دقيقة ؛ وحين تم تفكيك شيفرة لغتها , فقد وجد العلماء الكثير مما يمكن أن يستفاد من حضارتهم ؛ وقد وجدوا نصاً يقول إن البشر يخلقون في دورات بشرية متتابعة كل دورة عمرها 3700 عام .
ومن غير المعروف إن كانت المايا تمتلك ديانة سماوية ؛ إلا أن المؤكد أن الله سبحانه قال في محكم التنزيل أن هناك رسلاً قد قصهم الله سبحانه في القرآن ورسلاً آخرين لم يورد ذكرهم إلى جانب أن الأنبياء الذين لم يرسلوا لأقوامهم يزيدون عن ثلاثة وعشرين ألف جم غفير . ولعل شعباً قديماً قد عاصر الفراعنة في الجزء الغربي من الكرة الأرضية في وقت لم يكن هناك اتصالات أو مواصلات قد كان منهم أنبياء – نقول قد – وقد يكون منهم رسل .
ولكن الملاحظة المهمة على نص المايا أن الدورة البشرية لا يمكن أن تقتصر على 3700 سنة فحسب خاصة أن السنة منذ أن خلق الله السموات والأرض هي إثني عشر شهراً ؛ ولعله من المختلف عليه أن آدم قد خلق مابين عشرة آلاف سنة أو خمسة وعشرين ألف سنة فضلاً عن أن الجن قد خلقوا قبل الإنس بآلاف السنين والله أعلم مما يعني أنه إذا كان ترجمة النص قد كانت خاطئة أو أن الصفر الثالث قد انمحى بسبب التعرية فقد يكون الأقرب للصحة أن الدورات البشرية تكون بين 37000عام وأربعين ألف عام والله أعلم . هذه كانت المحطة الأولى في الطريق لفهمنا لهذه الرؤية .
أما المحطة الثانية فإذا كانت الدورة البشرية وفق رؤيتنا يمكن أن تكون بين 37000-40000 عام فما الذي يمكن لنا تصوره في نهايتها من خلال الشريعة الإسلامية ؛ من المؤكد أن يوم القيامة ألف سنة مما نعد , ثم يحاسب الخلق , ثم يدخل الجنة من آمن وأسلم , ويدخل النار من كفر وأشرك بالله بغير حق , قبل يوم القيامة وقبل البعث وحين يصعق من في السموات والأرض ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ؛ الله سبحانه الواحد القهار ؛ وبافتراض أنه منذ مليار من السنين والأرض تشهد دورات بشرية متتابعة فما مصير من أدخل الجنة والنار من تلك الدورات ؟ !.
ولقد تحدثت المصادر الفقهية و كتب تفسير القرآن أن الجنة والنار أزليتان وسرمديتان فلا يجري عليهما ما يجري على من في السموات والأرض , لأن الله سبحانه وتعالى قد قدر على من في الجنة والنار الخلود فيها أبداً إلى ماشاء ربك سبحانه . فهذا يعني أن ما يجري على كل دورة جديدة سواء كانت خمسة وعشرين ألف سنة أو 37000 سنة أو أقل أو أكثر لا يجري على من في الجنة والنار ؛ وفي الجنة – كما جاء في الأثر أو السير أن الله قد خاطب موسى عليه السلام وقال : ” ياموسى خمس كلمات ختمت لك بهن التوراة إن عملت بهن نفعك العلم كله وإن لم تعمل بهن لا ينفعك شيء : 1) لا تخافن ذا سلطان ما دام سلطاني باقياً وسطاني باق أبداً .2) كن واثقاً من رزقي المضمون لك ما دامت خزائني مملوءة وخزائني مملوءة لا تنفذ أبداً . 3) لا ترى إلى عيب إمرؤ ما دام فيك عيب والمرء لا يخلو من عيب أبداً 4) لا تدع محاربتك للشيطان ما دامت روحك في جسدك فإنه لا يدع محاربتك أبداً 5) لا تأمن مكري حتى ترى نفسك في الجنة وفي الجنة أصاب آدم ما أصاب فلا تأمن مكري حتى أقول لك اليوم أحل عليك رضواني فلا أسخط عليك أبداً ” .
من هنا فإذا رضي الله عنا في الجنة وقال لنا ذلك عشنا خالدين فيها أبداً إلا ما شاء ربك ؛ ولعلنا نذكر ما يقال في الجنة من أن القبلة للرجل لزوجته أو للحور العين قد تزيد عن سبعين عاماً والله أعلم .
المحطة الثالثة : إن الجنة من ضخامتها توازي مساحتها ما يوازي مساحة السموات السبع والأرض , مما يعني أن الدورات البشرية المتتابعة لا تشغل من الجنة إلا القليل والقليل فسبحانك ربي ؛ ما قدروا الله حق قدره , لأننا يمكننا أن نتصور أن كل دورة من البشر والجن يمكن أن يشغلوا حيزاً صغيراً من الجنة يساوي حجمهم من الكرة الأرضية أو أكثر ويبقى ملك ربك لن يصل عقلنا البشري وقصوره إلا إلى القليل من التصور لأن في الجنة ” مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ” ومن هنا فلو قسمنا المليار على أربعين ألف سنة لنستنتج كم من المتصور من الدورات التي سبقتنا أو ستلحق بنا فكل ذلك لن يساوي شيئاً من خلق الله سبحانه .
من هنا فنحن في هذه الدنيا كمن يمشي دقائق معدودة في صحراء ثم ينام وإذا به بعد صحوته في عالم يعيش فيه أبداً مليارات السنين ؛ فنحن في رحلة قصيرة ثم بعد يوم القيامة تكون الحياة السرمدية أبدا .
والله من وراء القصد
د. صالح السعدون