أسرار الغيبيات في التاريخ الإسلامي 2/2
غيبيات من نوع آخــــــــــر :
ابن صائد أو ابن صياد:
و ابن صائد أو ابن صياد اليهودي شاب يهودي زعم أنه ولد بالمدينة المنورة ربما قبيل الهجرة إلى المدينة أو مترافقا مع البعثة ونزول الرسالة , وسأل الرسول صلى الله عليه وسلم
د.صالح السعدونغيبيات من نوع آخــــــــــر :
ابن صائد أو ابن صياد:
و ابن صائد أو ابن صياد اليهودي شاب يهودي زعم أنه ولد بالمدينة المنورة ربما قبيل الهجرة إلى المدينة أو مترافقا مع البعثة ونزول الرسالة , وسأل الرسول صلى الله عليه وسلم والدته اليهودية المزعومة فقالت إنها حملت به اثني عشرة شهراً, وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لديه شك كبير من أن ذلك ليس الحقيقة وان ابن صائد أو ابن صياد ليس إلا هو الأعور الدجال , وبلغ الأمر إلى الحد أنه من خلال مراقبة الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الشاب أن أقسم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحضور الرسول صلى الله عليه وسلم أن ابن صائد هو الأعور الدجال ولم ينكر عليه الرسول أو ينهاه عن القسم .
وفي صحيح مسلم: (( عن أبي سعيد قال لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر في بعض طرق المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتشهد أني رسول الله فقال هو أتشهد أني رسول الله ,فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آمنت بالله وملائكته وكتبه , ما ترى ؟ قال أرى عرشاً على المـــاء , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ترى عرش إبليس على البحر …))الحديث , عن محمد بن المكندر قال (( رأيت جابر بن عبدالله يحلف بالله أن ابن صائد الدجال , فقلت أتحلف بالله , قال إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم )) (12).
وفي حديث الفاضل عن المفضول, وهو الحديث الوحيد الذي حدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شخص غيره وهو أبي تميم الداري , فقد نادى المنادي , منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة فصلى وصلى الناس ثم ((جلس على المنبر وهو يضحك فقال ليلزم كل إنسان مصلاة , ثم قال : أتدرون لِمَ جمعتكم …إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعكم لأن تميماً الداري كان رجلا نصرانيا ًفجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهرا ًفي البحر ثم ارفؤا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة فلقيتم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبلهُ من دبره من كثرة الشعر فقالوا ويلك ما أنت فقالت أنا الجساسة , قالوا وما الجساسة قالت أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق ,قال فلما سمَّت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة قال : فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً وأشده وثاقاً مجموعة يداه إلى عنقه ومابين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد , قلنا ويلك ما أنت قال قدرتم على خبري فأخبروني , ما أنتم ؟ قالوا نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم فلعب بنا الموج شهراً ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب …قالت إعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق فأقبلنا إليك سراعاً وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة فقال أخبروني عن نخل بيسان قلنا عن أي شأنها تستخبر قال أسألكم عن خلها هل يثمر ؟ قلنا له نعم قال أما إنه يوشك أن لا تثمر قال أخبروني عن بحيرة الطبرية قلنا عن أي شأنها تستخبر قال هل فيها ماء ؟ قالوا هي كثيرة الماء . قال أما إن ماءها يوشك أن يذهب قال أخبروني عن عين زُغُر قالوا عن أي شأنها تستخبر قال هل في العين ماء , وهل يزرع أهلها بماء العين قلنا له نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها قال أخبروني عن نبي الأميين ما فعل ؟ قالوا قد خرج من مكة ونزل يثرب قال أقاتله العرب ؟ قلنا نعم , قال كيف صنع بهم فأخبرناه أنه ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه . قال لهم قد كان ذلك ؟ قلنا نعم قال أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه وإني مخبركم عني أني أنا المسيح وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمتان عليَّ كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحداً منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها , قالت {راوية الحديث }قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة يعني المدينة ألا هل كنت حدثتكم ذلك فقال الناس نعم قال فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة وعن مكة …الحديث )) وفي رواية ((هذه طيبة وذاك الدجال )) ( صحيح مسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة باب 24 ص 82-84) .
رأيي الشخصي هو أن المسيح الدجال قد خرج إثر لقاء تميم الداري وجماعته بتلك الجزيرة واتجه إلى المدينة التي بها نبي الأميين ليرصده هو الآخر ويكون قرب محمد صلى الله عليه وسلم كما يقول بعض الكتاب في خلط غير واضح بين شخصية السامري والمسيح الدجال أنه هو الذي قابل موسى وهارون عليهما السلام , ورأيي تحديداً أن المسيح الذي كان مربوطاً بذلك الدير من تلك الجزيرة خرج نحو طيبة بشكل طفل صغير شب بسرعة مما استدعى من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يراقبه ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما .
بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يراقب الطفل ابن صياد ففي صحيح مسلم عن عبدالله قال (( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررنا بصبيان فيهم ابن صياد ففر الصبيان وجلس ابن صياد فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تَرِبَتْ يداك أتشهد أني رسول الله فقال لا بل تشهد أني رسول الله , فقال عمر بن الخطاب ذرني يا رسول الله حتى أقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يكن الذي ترى فلن تستطيع قتله )) (صحيح مسلم باب 24 ص 46-47 ). أي أن كان هو المسيح الدجال كما ترى أنت يا عمر فإن الله مبلغه أجله وموعده ولن يتمكن عمر من قتله.وعن الأعمش عن شقيق عن عبدالله قال (( كنا نمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر بابن صياد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خبأت لك خباً فقال دخٌّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخسأ فلن تعدو قدرك , فقال عمر يارسول الله دعني فأضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فإن يكن الذي تخاف لن تستطيع قتله )) ( صحيح مسلم باب 24, ص 48-49 ) .
وتستمر المراقبة والمناقشة كان الرسول صلى الله عليه وسلم من أسئلته وردوده على ابن صياد يعلم أن هذا الطفل ليس طفلاً يهودياً لأسرته المزعومة , فقابله ببعض طرق المدينة ومع الرسول صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما , (( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشهد أني رسول الله فقال هو {أي ابن صياد } أتشهد أني رسول الله فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم : آمنت بالله وملائكته وكتبه , ما ترى؟ قال أرى عرشاً على الماء . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ترى عرش إبليس على البحر ! وما ترى ؟ قال ” أرى صادقين وكاذباً أو كاذبين وصادقاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لُبِسَ عليه دعوه )) ( المصدر نفسه باب 24 ص 49-50).
واستمر الرسول صلى الله يتابعه ويسأله عن أمور لا يعلمها البشر فعن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبن صائد : ما ترية الجنة قال درمكة بيضاء مسك يا أبا القاسم قال صدقت , وفي رواية درمكة بيضاء مسك خالص )) . عن عبدالله بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال انطلق عمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط قِبـَلَ ابن صياد حتى وجده يلعب مع الصبيان عند أُطم بني مغالة وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم فلم يشعر ابن صياد حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده ثم قال صلى الله عليه وسلم لابن صياد أتشهد أني رسول الله فنظر إليه ابن صياد فقال أشهد أنك رسول الأميين فقال ابن صياد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتشهد أني رسول الله فرفضه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آمنت بالله وبرسله ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ترى قال ابن صياد يأتيني صادق وكاذب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خُلِطَ عليك الأمر …., فقال رسول الله إخسأ فلن تعدو قدرك فقال عمر بن الخطاب ذرني يارسول الله أضرب عنقه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يكنه فلن تسلَّط عليه وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله ( المصدر نفسه باب 24 ص 53-54) .
لقد استمرت متابعة الرسول لهذا الحدث الطارئ على المدينة فوجود هذا الطفل كان حدثاً أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم جل إهتمامه فق بلغ به الأمر إلى أن تابعه في أوقات متعددة فقال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما (( انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب الأنصاري إلى النخل التي فيها ابن صياد حتى إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل طفق يتقي بجذوع النخل وهو يَخْتِلُ أن يسمع من ابن صياد شيئاً قبل أن يراه ابن صياد فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراش في قطيفة له في زمزمة فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لابن صياد يا صافِ وهو أسم ابن صياد هذا محمد فثار ابن صياد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو ترَكَتْهُ بَيَّنَ وفي رواية لو تركتْهُ أمه بيَّنَ أمرُه )) ( صحيح مسلم باب24, ص 54-56).
لم يكن ابن صياد طفلاً عادياً أبداً فقد صادفه عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ((في بعض طرق المدينة فقال قولاً أغضبه فانتفخ حتى ملأ السكة فدخل ابن عمر على أم المؤمنين حفصة وقد بلغها فقالت له يرحمك الله ما أردت من ابن صائد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما يخرج من غضبة يغضبها )) ( صحيح مسلم ص57). وكلام أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها اعتراف ضمني أن ابن صائد هو المسيح الدجال , كما أن انتفاخ ابن صائد إلى الدرجة التي ملأ الطريق يعطي انطباعاً أن الرجل لم يكن بشراً عادياً , وإنما هو الدجال الذي رآه تميم الداري كأضخم رجل ثم إذا به يخرج من جزيرته ويدخل المدينة كطفل مستعار لدى أسرة يهودية تحت إسم صاف بن صياد , أما عن اليقين والجزم من أن ابن صياد هو المسيح الدجال فهي ثلاثة أدلة بالنسبة لنا كمسلمين قاطعة, الدليل الأول : هو أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أقسم أن ابن صائد هو المسيح الدجال عند رسول الله ولم ينهه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ينكر على عمر قسمه , فقد قال محمد بن المكندر قال (( رأيت جابر بن عبدالله يحلف بالله أن ابن صائد الدجال فقلت أتحلف بالله قال إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ))( صحيح مسلم باب 24 ص52-53).
أما الدليل الثاني فهو حديث عبدالله بن عمر مع حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها والذي ذكرناه آنفاً بما لا يستدعي إعادته نصاً فمن جانب أن غضب ابن صائد أخرجه عن طوره إلى درجة أنه انتفخ حتى سـد الطريق ( ملأ السكة ) , من جانب آخر تحدثت أم المؤمنين عن ابن صائد وهي جازمة على أنه هو الدجال فقالت رضي الله عنها (( رحمك الله ما أردت من ابن صائد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما يخرج من غضبة يغضبها )).
أما الدليل الثالث: فهو قبيل اختفاء ابن صائد بشكل نهائي فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال (( لقيته مرتين … قال: ثم فارقته, قال: فلقيته لقيةً أخرى وقد نفرت عينه قال فقلت: متى فعلت عينك ما أرى ؟ قال: لا أدري قال قلت : لا تدري وهي في رأسك قال : إن شاء الله خلقها في عصاك هذه قال: فنخــر كأشد نخير حمار سمعت قال: فزعم بعض أصحابي أني ضربته بعصاً كانت معي حتى تكسرت وأما أنا فوالله ما شعرت قال: وجاء حتى دخل على أم المؤمنين فحدثها فقالت: ما تريد إليه ألم تعلم أنه قال إن أول ما يبعــثه على الناس غـضب يغضبه )).وبعد أن فقـئـت عينه( نفرت) افتضح أمره وأصبح المسيح الدجال (الذي كان ابن صائد) معرى من كذبته التي ادعى فيها الطفولة أو تشبه بها وادعى أنه أسلم وجاهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم وكان آخر مرة شوهد فيها بعين واحدة في حرة المدينة المنورة حيث اختفى ولم يعثر له على أثر .
ومن جنس الغيبيات التي ذكرناها عن ابن صائد الغيبيات التي رويت في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم عن إبليس وأزب العقبة , ففي بيعة العقبة الثانية , في مكة المكرمة قبل الهجرة والتي بايع الأوس والخزرج ( الأنصار ) رسول الله ودخلوا بدين الإسلام وطلبوا منه الهجرة وقال عليه الصلاة والسلام (( بل الدم بالدم والهدم بالهدم أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم )) وكان رسول الله قد طلب منهم أن يخرجوا إليه منهم إثني عشر نقيبا ًليكونوا على قومهم وقاموا وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كعب بن مالك رضي اله عنه (( فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط : يا أهل الجباجب { أي المنازل ,منازل منى } هل لكم في مذمم والصباة معه , قد اجتمعوا على حربكم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :هذا أزبُّ العقبة, هذا ابن أُزْيَب)), يقول فقال رسول الله ارفضُّوا إلى رحالكم, فرجعنا إلى مضاجعنا فنمنا عليها حتى أصبحنا, فلما أصبحنا غدت علينا جلةُ قريش فقالوا يا معشر الخزرج, إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا, وتبايعونه على حربنا , وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم , منكم .
فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون بالله : ما كان من هذا شيء , وما علمناه ! وقد صدقوا , لم يعلموه , قال وبعضنا ينظر إلى بعض )). (تهذيب سيرة ابن هشام ص 97-98) ..
وجاء الإذن بهجرة المسلمين إلى يثرب , وبدأ المسلمين بالهجرة , ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم , عرفوا أنهم قد نزلوا وأصابوا منهم منعة , فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم , وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم .
فاجتمعوا في دار الندوة – وهي دار قصي بن كلاب التي كانت لدار قريش لا تقضي أمراً إلا فيها – يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى اله عليه وسلم , حين خافوه .
عن ابن عباس قال : لما أجمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة …وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة , فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل { أي مسن }عليه بَتّ{ أي كساء غليظ مربع }, فوقف على باب الدار , فلما رأوه واقفاً على بابها قالوا من الشيخ ؟ قال : شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له , فحضر معكم ليسمع ما تقولون , وعسى ألا يعدمكم منه رأياً ونصحاً ! قالوا أجل فادخل . فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش فقال بعضهم لبعض : إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم , فإنا والله لا نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد إتبعه من غيرنا , فأجمعوا فيه رأياً .
فتشاوروا , ثم قال قائلاً منهم : احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه باباً ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله : زهيرا والنابغة , ومن مضى منهم من الموت , حتى يصيبه ما أصابهم , فقال الشيخ النجدي لا والله ما هذا لكم برأي والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه , فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينزعوه من أيديكم ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم أمركم ما هذا لكم برأي , فانظروا في غيره.
فتشاوروا ثم قال قائل منهم : نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا , فإذا أخرج عنا فوالله ما نبالي أين يذهب , ولا حيث وقع , إذا غاب عنا وفرغنا منه , فأصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت .
فقال الشيخ النجدي : لا والله , ما هذا لكم برأي , ألم تروا حسن حديثه , وحلاوة منطقه , وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به , والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحلّ على حي من العرب , فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه , حتى يتابعوه عليه , ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم في بلادكم , فيأخذ أمركم من أيديكم , ثم يفعل بكم ما أراد , أديروا فيه رأياً غير هذا .
فقال أبوجهل بن هشام : والله إن لي لرأياً ما أراكم وقعتم عليه بعد , قالوا وما هو يا أبا الحكم ؟ قال :أن نأخذ من كل قبيلة فتىً شاباً جليداً نسيباً وسيطاً فينا ثم نعطي كل فتىً منهم سيفاً صارماً , ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه , فنستريح منه , فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرَّق دمه في القبائل جميعاً , فلم يقدروا بنو عبدمناف على حرب قومهم جميعاً فرضوا منا بالعقل {الدية} فعقلناه لهم .
فقال الشيخ النجدي : القول ما قال الرجل , هذا الرأي لا رأي غيره ! ! فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له
فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا تبت هذه الليلة في فراشك الذي كنت تبيت عليه ))( تهذيب السيرة , ص 101 – 102) .
الغيبيات عند كبار الصحابة وكبار قريش :
حين نغوص بالتاريخ الإسلامي نجد العجب العجاب من معرفة صحابة رسول الله بأخبار وتوقعات المستقبل , ومما لا شك فيه أنهم كانوا مصاحبين لأفضل البشر على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى , وأنهم بملازمتهم له كانوا يسمعون من رسول الله مالا يروونه وربما أنه قد كان من غير المسموح لهم أن يرووه , لأن الكثير من الأخبار والأحاديث ومن ضمنها تلك الخطبة التي تخللها أربعة صلوات في يوم واحد مليئة بالأسرار والأخبار , ولكن نسيها من نسيها وحفظها من حفظها , وحين نقرأ دقائق وتفاصيل تاريخنا الإسلامي بتعمق وتؤدة نجد درراً كم أهملناها بالتحليل والتمحيص والقراءة الواعية التي تربط بين ذلك العلم العظيم ومستجدات العلم الحديث . وقد كان أصحاب محمد علماء في كل مناهج الحياة إنهم رهبان الليل فرسان النهار , فكل واحد منهم جامعة متنقلة بذاتها , وأنى للعالم أن يرى أمثالهم . ويبدو أن الكثير من العلم قد أخفي عن عمد لأن تدوين مثل ذلك , قد لا يتوافق مع المصلحة العامة للإسلام والمسلمين , ولدينا في الحديث الصحيح مثال حي حين قال معاذ بن جبل (( يا رسول الله أفلا أبشر الناس , قال لا لا تبلغهم فيتكلوا )) .
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا رأى معاوية قال : هذا قيصر العرب , وكأنه يعلم أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سيشكل أول سلالة حاكمة بالإسلام , وكانت معركة اليرموك ستدور رحاها بعد أيام من ذلك التاريخ الذي وصل رسول أبو عبيدة قائد المسلمين في اليرموك معه رسالة إلى عمر , ورغم أن المسلمين كانوا في محنة عظيمة نظراً للتفوق العددي الذي فاق ستة أضعاف لصالح جيش البيزنطيين , غير أن عمر بن الخطاب وعليُّ بن أبي طالب رضي الله عنهما لم يفقدا رباطة جأشهما أبداً فقد قال عليٌّ رضي الله عنه يخاطب عمر والمسلمين : ابشروا رحمكم الله تعالى فان هذه الوقعة يكون فيها آية من آيات الله تعالى يختبر بها عباده المؤمنين لينظر أفعالهم وصبرهم فمن صبر واحتسب كان عند الله من الصابرين , واعلموا أن هذه الوقعة هي التي ذكرها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يبقى ذكرها إلى الأبد هذه الدائرة المهلكة, فقال العباس : علي من هي يا أبن أخي ؟ , فقال يا عماه علي من كفر بالله واتخذ معه ولدا فثقوا بنصر الله عز وجل, ثم قال علي لعمر: يا أمير المؤمنين اكتب إلى عاملك أبي عبيدة كتابا وأعلمه فيه ان نصر الله خير له من غوثنا ونجدتنا فيوشك انه في أمر عظيم)).
وهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في كتابه لأبو عبيدة في نفس اليوم ((وأنكم منصورين إن شاء الله على كل حال )) .( الواقدي , فتوح الشام , ج 1, ص 170-172)
لم يتعامل كبار صحابة رسول لله مع بشارة عليُّ بن أبي طالب وبشارة عمر تعاملاً ساذجاً أو متشككاً , بل تعاملوا معها بيقين عظيم بأنها من بشائر النبوة , يقول عبدالله بن قرط ((وأقبلت مسرعاً أتخوف أن أدرك الناس وأن تفوتني الوقعة , وانتهيت إلى أبو عبيدة في عسكره باليرموك …وقرأ كتاب عمر على الناس فسروا برأيه لهم وبما أمرهم به من الصبر, وبما بشرهم به من الفتح …))( أحمد كمال , الطريق إلى دمشق , ص 427).
وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه افتقد عبدالله بن عباس رضي الله عنه وقت صلاة الظهر , فقال لأصحابه : ما بال أبي العباس لم يحضر , قالوا : ولد له مولود فلما صلى عليُّ الظهر قال : انقلبوا بنا إليه , فأتاه وهنأه فقال شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب , فما سميته ؟ قال : لا يجوز لي أن أسميه حتى تسميه أنت . فأمر به فأخرج إليه فحنكه ,ودعا له ورده وقال : خذه إليك أبا الأملاك , وقد سميته علياً , وكنيته أبا الحسن , قال ولما قدم معاوية قال لابن عباس لك أسمه وقد كنيته أبا محمد فجرت عليه )) . وكان عبدالله بن عباس وإبنه علي هم آباء الخلفاء .فكيف علم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه من نسل هذا الصبي سيأتي خلفاء بني العباس .
وعلي هذا – أي الطفل – سيكون موقناً بل ويقسم أن نسله سيكونون خلفاء , رغم أنه لم يزعم أبداً كما لم يطالب بالخلافة لنفسه , ويدهش المرء من دقة معلوماته أو قل صحة توقعاته , ولكننا نرى أن الأمر ليس فراسة كما أنه ليس تكهناً أبدا,ً وإنما هي معلومات استقاها علي بن أبي طالب وعبدالله بن عباس رضي الله عنهم من الرسول صلى الله عليه سلم وتوارث هؤلاء الكبار علمهم من منه صلى الله عليه سلم . وكانت دوائر الخلافة الأموية تناقش هذه الأمور وتترصد كل صغيرة وكبيرة تقال بهذا الشأن , ويستدعى ربما قائلها وقد يحقق معه وربما اتخذت إجراءات ضده , كما فعل سليمان بن عبدالملك مع محمد بن الحنفية ( محمد بن عليُّ بن أبي طالب ) حين سقاه السم وتوفي وهو في طريقه من دمشق إلى مكة المكرمة .
كان علي بن عبدالله بن عباس الذي كناه عليُّ بن أبي طالب بأبي الحسن , وسماه علياً , ثم طلب معاوية من عبدالله بن عباس أن يترك أسمه كما سماه علي ُّ ولكنه طلب منه أن يغير كنيته إلى أبو محمد قائلاً ( لك أسمه وقد كنيته ابا محمد فجرت عليه) كان عليٌ هذا على علم بأن أبناءه سيحكمون حتى أنه خصص إبنيه أبو العباس ( الذي تلقب بالسفاح ) وأبوجعفر (الذي تلقب بالمنصور) دون إبنه الأكبر إبراهيم الذي سيقتل في سجن مروان بن محمد قبيل سقوط الدولة العباسية ( ابن عبدربه , العقد الفريد,ج 5 ص84-85) .
وقد كان علي بن عبدالله بن عباس يسكن بالحميمة بالقرب من العقبة في الطريق بين دمشق والحجاز , وكان إذا ضاقت عليه الحال ذهب إلى دمشق لمقابلة خلفاء بني أمية لمساعدته وكانوا يساعدونه وهم يعلمون تصريحاته وأقواله , ففي مرة تزوج لبابة بنت عبدالله بن جعفر بن أبي طالب , وهي بنت عم لعلي بن عبدالله بن العباس , وكانت هذه زوجة لعبدالملك طلقها بعد أن أبت أن تأكل تفاحة عضها بفمه فأخذت السكين فقال ما تفعلين قالت أميط عنها الأذى فغضب وطلقها , وحين تزوجها علي بن عبدالله بن عباس غضب الوليد بن عبدالملك , وقال إنما تتزوج أمهات أولاد الخلفاء لتضع منهم( أي لتنجب منهم ) , وهو يعرض بقصة مروان بن الحكم الذي تزوج أم خالد بن يزيد ليقلل من قدره , فقال علي : إنما أرادت الخروج من هذه البلدة , وأنا ابن عمها , فتزوجتها لأن أكون لها محرماً ولكن الوليد قام بضربه لذلك .
وجاءت الأخبار عن علي أنه يقول أن أمر الخلافة ستؤول إلى نسله , فقبض عليه بنو أمية وضربوه ثم وضعوه على بعير يركبه معكوساً ويطاف به في السوق وصائح يصيح عليه , هذا علي بن عبدالله الكذاب , فيقول الراوي ( محمد بن يزيد )فأتيته فقلت : ما هذا الذي نسبوك فيه إلى الكذب ؟ قال : بلغهم أني أقول : هذا الأمر سيكون في ولدي ! ووالله ليكونن فيهم حتى يملكهم عبيدهم , الذين كأن وجوههم المجان المطرقة . (يعني المغول ) . وقد كان كل ما توقعه , فهل كان ذلك مجرد حدس أو فراسة أو كهانة أم أنه علم من النبوة .
وقد دخل علي بن عبدالله بن عباس على الخليفة هشام بن عبدالملك , ومعه ابناه أبو العباس وأبو جعفر فشكا إليه ديناً لزمه , فقال : وكم دينك ؟ قال ثلاثون ألفاً, فأمر له بقضائه , فشكر له عليه , وقال وصلت رحماً, وأنا أريد أن تستوصي بابني هذين خيرا , قال نعم , فلما تولى قال هشام لأصحابه : إن هذا الشيخ قد هتر وأسنَّ وخولِط , فصار يقول إن هذا الأمر سينقل إلى ولده , فسمعه علي بن عبدالله بن عباس فقال : والله ليكونن ذلك وليملكن ابناي هذان ما تملكه )) . وقد كان ذلك .
لقد كان الأمويون يعلمون مدى العلم الموجود لدى علي بن أبي طالب رضي الله عنه , كما يعلمون العلم الذي يعرفه عبدالله بن عباس , فكان إذا أشكل عليهم أمر لجئوا إليهم بأكثر من أسلوب ,فقد كتب امبراطور الروم لعبدالملك بن مروان يهدده ويتوعده وقال : أكلت لحم الجمل الذي هرب عليه أبوك من المدينة , لأغزينَّك جنوداً مائة ألف ومائة ألف .فكتب عبدالملك إلى الحجاج أن يبعث إلى عبدالله بن الحسن وذكر المسعودي (في مروج الذهب ومعادن الجوهر, ج3 ص123)أن يبعث لمحمد بن الحنفية متوعداًبمعنى تهديد امبراطور الروم ويكتب لعبدالملك برده عليه , ففعل الحجاج فقال عبدالله بن الحسن بن علي (( إن لله عز وجل لوحاً محفوظاً يلحظه كل يوم ثلثمائة لحظه , ليس منها لحظة إلا يحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء, وإني لأرجو أن يكفينيك بلحظة واحدة منها )) فكتب عبدالملك بالرد ذاته على إمبراطور الروم فلما قرأه قال : ما خرج هذا إلا من كلام النبوة ))( ابن عبدربه , ج2 ص66).
ويقول ابن عبدربه أن معاوية بن أبي سفيان عندما أحس باقتراب أجله جمع بني أمية , وقال ((يا معشر بني أمية , إني لما خفت أن يسبقكم الموت إلي سبقته بالموعظة إليكم , لا لأرد قدراً, ولكن لأبلغ عذراً, إن الذي أخلِّف لكم من دنياي أمر ستشاركون فيه , وتغلبون عليه , والذي أخلِّف لكم من رأي مقصور لكم نفعه إن فعلتموه , مخوف عليكم ضرره إن ضيعتموه , إن قريشاً شاركتكم في أنسابكم , وانفردتم دونها بأفعالكم , فقدّمكم ما تقدمتم له , إذ أخَّر غيركم ما تأخروا عنه , ولقد جُهِل بي فحملت , ونقر لي ففهمت حتى كأني أنظر إلى أبنائكم بعدكم كنظري إلى آبائهم قبلهم , إن دولتكم ستطول , وكل طويل مملول , وكل مملول مخذول , فإذا كان ذلك كذلك , كان سببه اختلافكم فيما بينكم , واجتماع المختلفين عليكم , فيدبر الأمر بضد ما أقبل به , فلست أذكر جسيماً يُركب منكم ولا قبيحاً ينتهك فيكم , إلا والذي أمسك عن ذكره أكثر وأعظم , و لا معول عليه عند ذلك أفضل من الصبر واحتساب الأجر , فيمادُّكم القوم دولتهم امتداد العنانين في عنق الجواد , حتى إذا بلغ الله بالأمر مداه , وجاء الوقت المبلول بريق النبي صلى الله عليه وسلم , مع الخلقة المطبوعة على ملالة الشيء المحبوب , كانت الدولة كالإناء المكفأ فعندما أوصيكم بتقوى الله الذي لم يتقه غيركم فيكم , فجعل العاقبة لكم , والعاقبة للمتقين ))( ابن عبدربه ,ج5 , ص 87).
ولقد كان الكثير من علم الغيبيات المتواتر لدى بني أمية سواء كان من علم النبوة الذي وصل إليهم من محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم أم من العرافين وسواهم فقد كان لديهم علم أن دولتهم ستسقط على يد خليفة أمه ليست عربية , قال الأصمعي : (( كانت بنو أمية لا تبايع لبني أمهات الأولاد , فكان الناس يرون أن ذلك لاستهانة بهم , ولم يكن لذلك , ولكن لما كانوا يرون أن زوال ملكهم على يد ابن أم ولد {أي ابن جارية }؛ فلما ولي إبراهيم الناقص ظن الناس أنه الذي يذهب ملك بني أمية على يديه – وكانت أمه سارية بنت يزدجرد بن كسرى – فلم يلبث إلا سبعة أشهر حتى مات ووثب مكانه مروان بن محمد وأمه كردية فكانت الرواية عليه , ولم يكن لعبدالملك ابن أَسَــدُّ رأياً , ولا أذكى عقلاً ولا أشجع قلباً , ولا أسمح نفساً , ولا أسخى كفاً من مسلمة , وإنما تركوه لهذا المعنى .)) (ابن عبدربه , ج 6 ص 141) .
وكان بنو العباس الذين ينتمون لحبر الأمة وفقيهها عبدالله بن العباس لديهم الكثير من العلم حول دولتهم القدمة , ولديهم كثير من اليقين الذين لا يداخله الشك في أن دولتهم قدراً من الله وبأن شأنها سيرتفع وأمرها سيطول , وسواء كان ذلك من خلال تأويل حبر الأمة عبدالله بن العباس لبعض النصوص من السنة أو مما قاله الرسول في خطبته المذكورة سابقاً والتي إستمرت أكثر من عشر ساعات , أو من خلال سر باح به رسول الله لعبدالله بن العباس فإن المتتبع لأخبار العباسيين يخرج بانطباع أن لديهم يقين من النبوة , لديهم بشرى خاصة بهم بأن الأمر سيؤول إليهم , ومما يجعل المرء يقف ملياً أمام هذه الأمور بحيث يصعب الجزم في أي منها ما حصل قبيل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بقليل فقد اتفق عليٌّ بن أبي طالب كرم الله وجهه والعباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم , أن يدخلوا إلى الرسول في مرضه وقبيل وفاته حيث قال العباس لعلي إنه كان يعرف الموت في وجوه بني هاشم وتوقع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد مَرِضَ مَرَض الموت ليسألوه أن يوصي بأمر المسلمين لآل بيته من بعد وفاته , فأوقفهم حبر الأمة عبدالله بن العباس قائلاً لا تفعلوا , فو الله إن منعكم إياها لن تعطوها أبداً , ولذا فمن الصعب الجزم من أي جهة كان ذلك اليقين الذي لدى العباسيين بأن الأمر سيؤول إليهم .
وقد ندهش أن الأمر قد أتى إليهم دون تعب أو جهد أو حتى تخطيط خاص بهم , فقد كان الحسن والحسين سيدي شباب الجنة رضوان الله عليهم يرون أن حقهم بالخلافة لا يأتيهم من علي بن أبي طالب رضي الله عنه كابن عم للرسول صلى الله عليه وسلم , وإنما حقهم بالأمر من قبل أنهم أبناء فاطمة الزهراء بنت محمد صلى الله عليه وسلم , وهذه قضية حجج ساقها كل من العباسيين والعلويين في مناقشات تخللت تاريخنا الإسلامي عبر حقبه الطويلة , في الوقت الذي رأى العباسيين وكذلك محمد بن عليُّ ابن أبي طالب وهو الملقب بابن الحنيفية لتمييزه عن الحسن والحسين حيث أنه ابن لفتاة من بني حنيفة تزوجها علي رضي الله عنه وأنجب منها محمدا هذا, فكان محمد بن الحنيفية يشارك العباسيين الفلسفة ذاتها من أن أحقيته بالخلافة يستمدها كون علي رضي الله عنه ابن عم لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وقد بذل محمد بن الحنيفية جهداً خارقاً ومميزاً بكل ما تعنيه كلمة التميز في تنظيم حركة سرية ثوروية هدفها إحداث ثورة كبرى على الخلافة الأموية تحت شعار (الدعوة لآل محمد ),واختار إثني عشر نقيباً من النقباء المسؤولين عن بث الدعاة والاتصال بأهل خراسان لأحداث الثورة , وكان التظيم الثوري ذاك متقناً ويتسم بالسرية التامة , وحين جاءت الوفاة لمحمد بن الحنيفية صيَّر قيادة الثورة لأبنه أبي هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية وكان شيعة آل البيت يؤدون الخراج إليه ,وحين بويع سليمان بن عبدالملك علم أن عبدالله (أبي هاشم )بن محمد بن الحنفية يقوم بنشاط سياسي ما ولكنه غير قادري على تحديده ويقال أنه رعب من قدراته الشخصية وقال (( ما كلمت قط قرشياًيشبه هذا , وما نظن الذي كنا نحدَّثُعنه إلا حقاً )) فقضى حوائج أبي هاشم وحوائج من معه , وكان أبي هاشم قد أزمع السفر إلى فلسطين , فأرسل سليمان من يقيم الخيام في طريقه في بلاد لخم وجذام ربما لبنان الحالية ومعهم اللبن المسموم فكلما مر بقوم قالوا هل لكم بالشراب؟ قالوا جزيتم خيرا ثم بآخرين فقال هاتوا فلما شرب واستقر في جوفه قال لأصحابه : إني ميت فانظروا من القوم فنظروا فإذا هم قد قوضوا أبنيتهم وذهبوا , فقال ميلوا بي إلى ابن عمي وما أحسبني أدركه ! فأسرعوا حتى أتوا الحميمة (قرية قرب العقبة الأردنية )من أرض الشراة, وبها محمد بن علي بن عبدالله بن عباس , فنزل بها فقال :يا بن عمي , إني ميت ؛ وقدصرت إليك وأنت صاحب هذا الأمر وولدك القائم به ثم أخوه من بعده , والله ليُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى تخرج الرايات السود من قعر خراسان , ثم ليغلبن على مابين حضرموت إلى أقصى أفريقية وما بين الهند وأقصى فرغانه( مدينة بتركستان) فعليك بهؤلاء الشيعة واستوص بهم خيراًفهم دعاتك وأنصارك , ولتكن دعوتك خراسان لا تعدوها ,لا سيما مرو , واستبطن هذا الحي من اليمن فإن كل ملك لا يقوم بهفمصيره إلى إنتقاض,وانظر هذا الحي من ربيعة فألحقهم بهم , فإنهم معهم في كل أمر, وانظر هذا الحي من قيس وتميم فأقصهم إلا من عصم الله منهم وذلك قليل ثم مرهم أن يرجعوا فليجعلوا اثني عشر نقيباً وبعدهم سبعين نقيبا فإن الله لم يصلح أمر بني إسرائيل إلا بهم , وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم , فإذا مضت سَنَة الحمار فوجه رسلك في خراسان ً, منهم من يقتل ومنهم من ينجو , حتى يظهر الله دعوتكم قال محمد بن علي : يا أبا هاشم , وما سَنَة الحمار ؟ قال إنه لم تمض مائة سنة من نبوة قط إلا انتقض أمرها لقول الله عز وجل : ((أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس )) .واعلم أن صاحب هذا الأمر من ولدك عبدالله بن الحارثية , ثم عبدالله أخوه .ولم يكن لمحمد بن علي في ذلك الحين ولد يسمى عبدالله فولد له من الحارثية ولدان سمى كل منهما عبدالله وكنى الأكبر ابو العباس والأصغر أبو جعفر فوليا جميعاً الخلافة ثم مات أبو هاشم وقام محمد بن علي بالأمر بعد واختلفت الشيعة إليه , فلما ولد أبو العباس أخرجه إليهم في خرقة , وقال لهم : هذا صاحبكم , فجلسوا يلحسون أطرافه …وكان ذلك في خلافة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه )) (ابن عبدربه , ج4 , ص438-439).
وهكذا ورث العباسيين التنظيم السياسي السري الذي نظمه بنو عمومتهم من فرع أبي طالب على طبق من ذهب فورث بنو العباس المشروع وأكملوه . ولطالما تحير المؤرخين كيف أن ابو هاشم بن محمد بن الحنيفية الذي كان له أولاد صغار لا يمكنهم تولي مسؤولية التنظيم لم يعطي كلمة السر ولا مسؤولية التنظيم لأبناء الحسن والحسين , بل أعطاه لأبناء عمومته العباسيين , لقد كانت القضية قضية فكرية بالدرجة الأولى فمحمد الحنيفية يتفق مع أبناء عمومته العباسيين أنهم يستمدون الشرعية من وراثة العم , على عكس إخوته وأبناء إخوته الذين يستمدون شرعيتهم من وراثة البنت(سيدة نساء الجنة فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم , وهي قضية أختلف عليها بالفقه إلى حد ما , وفي قضية مشابهة في الميراث(( قال الشعبي : احتاج إلي الحجاج يوماً في فريضة فأرسل إليَّ فقال : ما تقول في أم وأخت وجد ؟ فقلت اختلف فيها خمسة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : عبدالله بن مسعود , وعليُّ , وعثمان وزيد وابن عباس , فقال الحجاج : فما قال فيها ابن عباس , إن كان لمِنْقَباً { أي العالم بالأشياء الكثير البحث والتنقيب } قلت : جعل الجد أباً ولم يعط الأخت شيئاً , وأعطى الأم الثلث . قال فما قال فيها ابن مسعود ؟ قلت : جعلها من ستة , فأعطى الجد ثلاثة وأعطى الأم اثنين وأعطى الأخت سهماً , قال : فما قال زيد ؟ قلت جعلها من تسعة , فأعطى الأم ثلاثة , وأعطى الجد أربعة , وأعطى الأخت اثنين .فجعل الجد معها أخاً , قال : فما قال فيها أمير المؤمنين عثمان ؟ قلت : جعلها أثلاثاً . قال : فما قال فيها أبو تراب ؟ قلت جعلها من ستة فأعطى الأخت ثلاثة وأعطى الأم اثنين , وأعطى الجد سهماً قال : مُرِ القاضي فليمضها على ما أمضاها أمير المؤمنين.(العقد الفريد ج5, ص 27) . ربما كان اختيار الحجاج بن يوسف الثقفي لحكم فقهي مبني على موقف سياسي , إذ أن بني أمية هم امتداد لعثمان بن عفان رضي الله عنه بالنسب .
هكذا كان اختلاف أصحاب رسول الله في القضايا التي لم يبت بها القرآن الكريم , ومنها الأحقية بالخلافة , وتدخلت قضية الميراث بموضوع الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكل أساسي , مع أن الجميع يؤمنون بصحة الحديث ( الأئمة من قريش ) , وأن الأنبياء لا يورثون .
قال شبيب الأهتمي حججتُ عام هلك هشام بن عبدالملك وولي الوليد بن يزيد وذلك سنة خمس وعشرين ومائة , فبينما أنا مريح ناحية المسجد , إذ طلع من بعض أبواب المسجد فتى أسمر رقيق السمرة , موفر اللُّمة , خفيف اللحية , …, أعين كأن عينيه لسانان ينطقان , يخلط أبهة الأملاك بزي النساك , تقبله القلوب , وتتبعه العيون , يعرف الشرف في تواضعه , والعتق في صورته … فما ملكت نفسي أن نهضت في أثره سائلاً عن خبره , وسبقني فتحرم بالطواف فلما سبَّع قصد المقام فركع , وأنا أرعاه ببصري ,ثم نهض منصرفاً فكأن عيناً أصابته فكبا كبوة دميت لها أصبعه ,, فقعد القرفصاء , فدنوت منه متوجعاً لما ناله , متصلا به , أمسح رجله من عفر التراب , فلا يمتنع علي , وانقدت له أماشيه , ثم شققت حاشية ثوبه فعصبت بها أصبعه وما ينكر ذلك ولا يدفعه , ثم نهض متوكئاً علي , وانقدت له أماشيه , حتى إذا أتى داراً بأعلى مكة ابتدره رجلان تكاد صدورهما تنفرج من هيبته , ففتحا له الباب فدخل واجتذبني فدخلت بدخوله , ثم خلى يدي وأقبل على القبلة , فصلى ركعتين أوجز فيهما في تمام , ثم استوى في صدر مجلسه , فحمد الله وأثنى عليه , وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم أتم صلاة وأطيبها , ثم قال : لم يخف علي مكانك منذ اليوم ولا فعلك بي ,فمن تكون يرحمك الله .قلت : شبيب بن شيبة التميمي . قال: الاهتمي ؟ قلت نعم ,قال فرحب وقرب , ووصف قومي بأبين بيان وأفصح لسان , فقلت : أن أجلك – أصلحك الله – عن المسألة , وأحب المعرفة ! فتبسم وقال : لطف أهل العراق , ! أنا عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس (وهو الذي سيكون أبو جعفر المنصور ) , فقلت بأبي أنت وأمي , ما أشبهك بنسبك وأدلك على منصبك ! ولقد سبق إلى قلبي من محبتك ما لا أبلغه بوصفي لك ! , قال فاحمد الله يا أخا بني تميم فإنا قوم إنما يسعد الله بحبنا من أحبه , ويشقي ببغضنا من أبغض, ولن يصل الإيمان إلى قلب أحدكم حتى يحب الله ويحب رسوله ! ومهما ضعفنا عن جزائه قوي الله في أدائه, فقلت له أنت توصف بالعلم وأنا من حملته , وأيام الموسم ضيقة , وشغل أهل مكة كثير , وفي نفسي أشياء أحب أن أسأل عنها , أفتأذن لي فيها جعلت فداك ؟ قال : نحن من أكثر الناس مستوحشون, وأرجو أن تكون للسر موضعاً, وللأمانة واعياً, فإن كنت كما رجوت فافعل , قال فقدمت من وثائق القول والأيمان ماسكن إليه , فتلا قول الله { قل أي شيء أكبر ؟ قل الله شهيد بيني وبينكم , الأنعام 19} .
ثم قال سل عما بدالك .
قلت : ما ترى فيمن على الموسم ؟ وكان عليه يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي , خال الوليد , فتنفس الصعداء وقال : عن الصلاة خلفه تسألني , أم كرهت أن يتأمر على آل الله من ليس منهم ؟ قلت عن كلا الأمرين , قال إن هذا عند الله لعظيم , فأما الصلاة ففرض لله تعبَّد به خلقه فأد ما فرض الله تعالى عليك في كل وقت مع كل أحد وعلى كل حال , فإن الذي ندبك لحج بيته وحضور جماعته وأعياده لم يخبرك في كتابه بأنه لا يقبل منك نسكاً إلا مع أكمل المؤمنين إيماناً رحمة منه لك , ولو فعل ذلك بك ضاق الأمر عليك , فاسمح يسمح لك .
قال ثم كررت السؤال عليه , فما احتجت أن أسأل عن أمر دين أحداً بعده , ثم قلت : يزعم أهل العلم أنها ستكون لكم دولة , فقال : لا شك فيها , تطلع طلوع الشمس وتظهر ظهورها , فنسأل الله خيرها ونعوذ بالله من شرها , فخذ بحظ لسانك ويدك منها إن أدركتها , قلت أو يتخلف عنها أحد من العرب وأنتم سادتها ؟ قال نعم , قوم يأبون إلا الوفاء لمن اصطنعهم , ونأبى إلا طلباً بحقنا , فننصر ويخذلون , كما نصر بأولنا أولهم ويخذل بمخالفتنا من خالف منهم , قال : فاسترجعت , فقال سهل عليك الأمر { سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا}( الفتح 23). وليس ما يكون لهم بحاجز لنا عن صلة أرحامهم وحفظ أعقابهم وتجديد لصنيعة عندهم , قلت : كيف تسلم لهم قلوبكم وقد قاتلوكم مع عدوكم ؟ قال : نحن قوم حبب إلينا الوفاء وإن كان علينا , وبغض إلينا الغدر وإن كان لنا , وإنما يشذ عنا منهم الأقل , فأما أنصار دولتنا ونقباء شيعتنا وأمراء جيوشنا فهم مواليهم , وموالي القوم من أنفسهم , فإذا وضعت الحرب أزارها صفحنا بالمحسن عن المسيء ووهبنا للرجل قومه ومن اتصل بأسبابه فتذهب النائرة , وتخبو الفتنة , وتطمئن القلوب , , قلت : ويقال ,إنه يبتلى بكم من أخلص لكم المحبة ؟ قال : قد روي : أن البلاء أسرع إلى محبينا من الماء إلى قراره , قلت لم أرد هذا , قال : فمه ؟ قلت : تعقون الولي وتحظون العدو؟ قال : من يسعد بنا من الأولياء أكثر ,ومن يسلم لنا من الأعداء أقل وأيسر , وإنما نحن بشر وأكثرنا أذن , ولا يعلم الغيب إلا الله , وربما استترت عنا الأمور فنقع بما لا نريد وإن لنا لإحساناً يأسو الله به ما نكلم , ويَرُمَّ به ما نثلم , ونستغفر الله مما لا نعلم .وما أنكرت من أن يكون الأمر على ما بلغك , ومع الولي التعزز والادلال ,والثقة والاسترسال , ومع العدو التحرز والاحتيال , والتذلل والاغتيال , وربما آمل المدل , وأخل المسترسل , وتجانب المتقرب , ومع المِقَه تكون الثقة , على أن العاقبة تكون لنا على عدونا , وهي لولينا , وإنك لسؤول يا أخا بني تميم ,قلت إني أخاف أن لا أراك بعد اليوم !, قال إني لأرجو أن أراك وتراني كما تحب عن قريب إن شاء الله, قلت عجَّل الله ذلك , قال آمين , قلت : ووهب لي السلامة منكم فإني من محبيكم ! قال آمين , وتبسم , وقال لا بأس عليك ما أعاذك الله من ثلاث , قلت : وما هي ؟ قال قدح في الدين , أو هتك للملك , أو تهمة في حرمة .ثم قال إحفظ عني ما أقول لك , إصدق وإن ضرك الصدق , وانصح وإن باعدك النصح , ولا تجالس عدونا وإن أحضيناه , فإنه مخذول , ولا تخذل ولينا , فإنه منصور , واصحبنا بترك المماكرة , وتواضع إذا رفعوك , وصل إذا قطعوك , … ولا تبدأ حتى يبدؤوك , ولا تخطب الأعمال , ولا تتعرض للأموال , وأنا رائح من عشيتي هذه , فهل من حاجة ؟
فنهضت لوداعه فودعته , ثم قلت : أترقب لظهور الأمر وقتاً ؟ قال الله المقدر الموقت, فإذا قامت النوحتان بالشام فهما آخر العلامات . قلت : وما هما ؟ قال موت هشام العام , وموت محمد بن علي على مستهل ذي القعدة .وعيه أُخلِفَتْ وما بلغتُكم حتى أنضيت , قلت فهل أوصى قال نعم إلى إبنه إبراهيم .
قال فلما خرجت أرسل من يتبعني حتى عرف منزلي ثم أتاني بكسوة من كسوته فقال يأمرك ابو جعفر أن تصلي في هذه .
قال وقامت الدولة العباسية (( فوالله مارأيته إلا وحرسيان قابضان علي يدنيانني منه في جماعة من قومي لأبايعه , فلما نظر إلي أثبتني , فقال خليا عمن صحت مودته , وتقدمت حرمته , وأخذت قبل اليوم بيعته ….)) .
لم يكن أبو جعفر يتكلم عن توقعات أو تخرصات أو تكهنات , بل كان يتحدث عن علم من النبوة , إن وفاة هشام بن عبدالملك تعقبها وفاة محمد بن علي بن عبدالله بن عباس والد المتحدث أبو جعفر المنصور . فأي علم نحن نتحدث عنه , ولم علمت كل فرقة أو عائلة بما يخصها , فالعباسيون يعلمون بما يخصهم دون أن يعلموا مايخص الأمويين وكذلك الأمويين يعلمون ما يخصهم دون أن يعلم بذلك العباسيون ؟! فكيف وصل إليهم كل ذلك .
كان النقباء الأثني عشر وقادة الثورة العباسية يعلمون ما أراد العباسيون لهم أن يعرفوه عن مسيرة أحداث الثورة كمخطط مرسوم أمام أعينهم بدقة متناهية وبتفاصيله المحددة ,وجه أبو مسلم الخرساني قائد جيوش الثورة العباسية كل من عامر بن إسماعيل وحرز بن ضبار وقحطبة بن شبيب وقال قحطبة بن شبيب وهو أحد قادة فرسان الرايات السود التي كانت متوجهة للعراق لأصحابه : (( والله ليقتلن عامر بن ضبارة , وينهزمن ابن هبيرة , ولكني أخاف أن أموت قبل أن أبلغ ثأري , وأخاف أن أكون الذي يغرق بالفرات , ف‘ن الإمام محمد بن علي قال لي ذلك … وقال قحطبة وهو في مسيرة معاركه من خراسان إلى العراق …ما شيء رأيته ولا عدو قتلته إلا وقد حدثني به الإمام… إلا أنه حدثني أني لا أعبر الفرات . وسار قحطبة …حتى أتى الفرات والتقى بابن هبيرة واقتتلوا حتى اختلط الظلام وقتل قحطبة بالمعركة وهو لا يُعرَف , وقال بعضهم غرق بالفرات .)) , ومن الغريب في تلك الأحداث العجيبة , أن مروان بن محمد الخليفة الأموي حين بلغه قتل قحطبة وأن إبنه الحسن بن قحطبة قد تولى قيادة الجيش مكان والده وهزيمة ابن هبيرة قال : هذا والله الإدباروإلا فمتى رأيتم ميتاً هزم حياً ))
5/7/1426 هـ
الكاتب د.صالح السعدون
هيا الغدران(زائر)
انا احدى طالباتك في كلية التربيه للبنات بعرعر قسم جغرافيا المستوى الرابع هل هذه المواضيع داخله ضمن المحاضرات ام هي للأطلاع فقط <الطالبه هيا الغدران>
*******************************
حياك الله أستاذتي الكريمة هيا
بل هي لإثراء الثقافة والإطلاع
وليس مطلوباً سوى ما أقوله بالمحاضرات
فكرة مواقع الحاسب الآلي هي لإثراء العلم والثقافة وعرض الإنتاج الفكري للأساتذة في الجامعات السعودية لإبراز مدى الإنتاج العلمي والفكري بعيداً عن وضعها حبيسة الأدراج ومواكبة العصر
بوركتي ودومي سالمة
أبو بكر[/color]