معركة ملاذ كرد

معركة ملاذكرد( مانزيكرت) – عام 464هـ

الموقع : جنوب شرقي الأناضول ( تركيا حالياً ) .

الزمن : في عهد الدولة العباسية , العصر السلجوقي , عام 464 هـ.

أطراف النزاع :

الطرف الأول : تحالف مسيحي ضم عدة أعراق ومذاهب مسيحية من شرق أوروبا وأواسط آسيا , بقيادة الإمبراطور البيزنطي ( أرمانوس ) ومعه الجيش البيزنطي ( الروم) والفرنج وهم جند من وسط أوروبا والروس والبشناق ( البوسنة ) والكرج ( الصرب )
وغيرهم من الرومان والبلغار وقوات تركمانية من منطقة جنوب روسيا , إلى جانب الروس .وقدر المؤرخين هذه القوات بحوالي مائتي ألف مقاتل من الفرسان والمشاة , وقد اشتمل هذا التحالف المسيحي على عدة مذاهب مسيحية كالأرثوذكسية مذهب بيزنطه والروس وشرق أوروبا , والكاثوليكية مذهب الفرنج ووسط وغرب أوروبا , والنسطورية مذهب التركمان وشعوب أواسط آسيا.

الطرف الثاني : المسلمون ممثلين بالدولة السلجوقية التي تمثل الخلافة العباسية التي تحولت منذ قرون قبل تاريخ هذه المعركة إلى مجرد منصب شرفي لا سلطة لـه , ومن حيث الجنس فالمسلمين ممثلين بعنصر الأتراك وربما قليل جداً من العرب والأكراد المتطوعين , بقيادة السلطان المجاهد ألب أرسلان , وقدرت قواته بحوالي خمسة عشر ألف مقاتل من الفرسان فقط , هذا مع بداية المعركة .

ميزان القوى : في مرحلة الحرب الأولى كانت كفة جانب التحالف المسيحي بقيادة بيزنطة هي الكفة الراجحة , فقد كانت قوات التحالف المسيحي ضعف القوات السلجوقية الإسلامية بـأكثر من ( 13) مرة بقليل , ولكن مع منتصف نهار المعركة بدأ ميزان القوى العسكري يميل إلى التوازن .

كان الجيش البيزنطي يمتلك ثلاث ميزات إستراتيجية ترجح كفته بالمعركة :

أ) كان التحالف المسيحي يمتلك مبادرة الهجوم ,حيث أصبحت الحرب في أرض المسلمين واختار العدو أرض المعركة بعيداً عن الأراضي البيزنطية. وهو مالـه من أهمية كعامل نفسي على الجيوش في الحرب.

ب) كان عدده وعدته تفوق القوات السلجوقية الإسلامية , فمن حيث العَدد فهو ضعفها بـ 13 مرة , أما من حيث العُدة فقد كان مسلحاً بكل أنواع وأحدث الأسلحة في عصره , وقد بلغ من البذخ على هذه الحملة أن لم يقتصر الصرف المالي على السلاح من حيث الكم والكيف , بل حتى البذخ على أنواع الزي العسكري للجنود حسب وصف إبن الأثير في الكامل بالتاريخ ((فجاؤا في تجمُّل كثير و زي عظيم )).

جـ) امتلك العدو عنصر المفاجأة , وهو ما يسمى في عصرنا بميزة الحرب الإستباقية , حيث أن ألب أرسلان كان قد سرَّح جيوشه منذ أسابيع قليلة للعودة إلى ديارها ولم يعلم بهجوم التحالف المسيحي إلا وهم بثغور المسلمين بل قد إحتلوا ملاذكرد أو ملازكرد من أعمال خلاط .

المعركة :

كان السلطان السلجوقي ألب أرسلان قد فتح مدينة حلب من بلاد الشام عام 464هـ , وأخضعها إلى حكم السلطنة السلجوقية التي تخضع إسمياً للخلافة العباسية , وبعد أن رتب أوضاعها عاد إلى عاصمة مملكته الري عبر شمال العراق , وما إن وصل إلى مدينة خوى من أذربيجان وهو ما زال بالطريق , بلغته أخبار حملة التحالف المسيحي ,بقيادة الإمبراطور البيزنطي وضخامة الحملة من حيث العدد والعدة وموقعها القريب من الحدود الإسلامية , وكان السلطان ألب أرسلان قد سرح فيالق جيوشه وأمرها بالعودة إلى بلدانها التي قدمت منها, ,ولم يتبق معه إلا فرسانه المقربين من الأتراك وعددهم حوالي 15,000 فارس , فكانت المفاجأة مريرة ومذهلة , وقد قدر السلطان كم هو الوضع خطير وبينت كل قراراته وإجراءاته وتصرفاته على أنه كقائد عسكري وسياسي عرف أن هزيمته بالمقاييس العسكرية محققة ومؤكدة , ولكنه مجبر على خوض المعركة غير المتكافئة مهما كانت النتائج حسب المبدأ المعروف ( مكره أخاك لابطل ) .

إجراءات ألب أرسلان الفورية : أعلن السلطان السلجوقي فور دراسته للموقف أنه لابد من تأمين وضع سلطنته من بعد المعركة التي سيخوضها مع إمبراطور بيزنطه :

أ) أعلن أن ابنه الأكبر ملكشاه ولي عهده وخليفته من بعده , مما يعني أنه قد وضع في حساباته الهزيمة والاستشهاد أكثر من النصر , كما أرسل زوجته والأموال والأثقال التي بموكبه مع وزيره نظام الملك إلى همذان لكي لا يقعوا غنيمة سائغة لجيش التحالف , ولضبط السلطنة من قبل وزيره إلى جانب ولي عهده , خاصة أن التقديرات الأولية لم تعطي أي أمل للنجاح أو النجاة .

ب) اتجه بفرسانه من لحظته إلى أرض المعركة , وجعل مقدمته من أشدهم بالقتال , حيث أن هذه المقدمة التي لم يقدر المؤرخين عددها قد التقت بمقدمة التحالف وكانوا من الفرق الروسية وعددها عشرة ألاف مقاتل ففني من الروس الكثير وأسر الكثير وفر من تبقى وكان ممن أسر قائد المقدمة الروسي , الذي ما إن وصل إلى ألب أرسلان مع الأسرى حتى جدع أنفه .

جـ) مع أن هذا النصر كان مبهجاً غير أنه لم يخدع ألب أرسلان إذ أن ميزان القوة لا يزال وبوضوح لصالح التحالف المسيحي , ولذا فإنه أرسل إلى إمبراطور بيزنطه يطلب ((المهادنة )) , وبغرور وصلف لا يقل عن صلف بوش الصغير قائد ما سمي في السنوات الأخيرة بقائد التحالف (وهو تحالف مسيحي تقوده البروتستانتية هذه المرة ) بشروطه على الرئيس العراقي صدام حسين , أجاب الإمبراطور البيزنطي أرمانوس قائلاً لألب أرسلان (( لا هدنة إلا بالري )) .

د) إستمع السلطان لمستشاريه بعد رد الإمبراطور وعلى رأسهم إمامه وفقيهه أبو نصر محمد بن عبدالملك البخاري الحنفي , الذي قال (( إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان وأرجو أن يكون الله تعالى قد كتب باسمك هذا الفتح فألقهم يوم الجمعة بعد الزوال في الساعة التي تكون الخطباء على المنابر , فإنهم يدعون للمجاهدين بالنصر والدعاء مقرون بالإجابة )) .

هـ) أرسل ألسلطان ألب أرسلان إلى الأمصار القريبة والبعيدة –وعلينا أن نتذكر وسائل الإتصال السريعة في ذلك العصر من الحمام الزاجل وغيرها – بالدعاء للمجاهدين في صلاة الجمعة المحددة لبدء القتال , وفيما يخصه والمجاهدين معه ومن لحق بهم من المجاهدين من المناطق القريبة منه وهم عدد قليل , خطب بهم صلاة الجمعة ودعا وبكى واتخذ العديد من الإجراءات والقرارات , كان لها أعظم الأثر على حماسة فرسانه المجاهدين لله والمخلصين له :

1- أمر من أراد الإنصراف (( فلينصرف فما ههنا سلطان يأمر وينهى )). وهو يعني أن من دخل المعركة قد حوَّل نظرته لها من واجب رسمي إلى واجب ديني جهادي .

2- ألقى القوس والنشاب الذي يعني القتال من بعد , وأخذ السيف والدبوس وهو ما يعني للفرسان أن السلطان قد قرر الإلتحام مع العدو في المعركة . وهذا يعني منتهى التنضحية والفداء .

3- عقد ذنب فرسه , وهو ربما يعني حسب العادات التركية , أنه قتال مودع ليس فقط لزخرف الحياة وزينتها, ولبس البياض وتحنَّط وأعلن أنه إذا ماستشهد فإن لباسه هذا هو كفنه ليلقى الله فيه, وهنا نجد المفارقة بين ألب أرسلان المجاهد بلباسه وذنب فرسه وسيفه وبين إمبراطور الروم وجيوش التحالف معه الذين جاؤوا وهم يجرون أذيال الكبرياء والغرور , حيث ((جاؤا في تجمل كثير وزي عظيم )).

4- كان ينظر للمتطوعين بنفسه بعناية الراعي المسؤول عن رعيته فيرد الطفل الصغير والرجل الهزيل الجسم أو المريض أو الشيخ ,حتى أعد جيشه للقتال بالشكل الذي دخل به المعركة .

5- حين تقابل جيش المسلمين بجيش التحالف , كان الفارق كبيراً بكل شيء , فترجَّل عن فرسه وعفَّر وجهه بالتراب وبكى رأفة بحال جيشه وحال الأمة وأكثر الدعاء, ثم ركب وحمَل وحملت معه فرسانه في هجوم صاعق مذهل للعدو الذي فوجئ أن ألب أرسلان وجيشه قد مضوا في شقهم لصفوفه حتى قلب جيش التحالف , وهو ربما نوع من الفناء المحقق , حيث أن 15,000 فارس وسط 200,000 فارس وراجل .

سير المعركة :

· و هنا تتدخل الإرادة الإلهية , وجنود ربك لا يعلمهم إلا هو سبحانه , فقد صاحبتهم غباراً كثيفاً لوقت طويل كاف حجز بين جيش التحالف بحيث لم يعد هذا الجيش قادراً على التنسيق أو تبادل المعلومات أو تلقي الأوامر من القيادة التي حصرت بالمعركة وفقدت من هول المفاجأة أي قدرة لها على التخطيط أو إدارة المعركة , ومع تصورنا أن 15000 ألف فارس بهجومهم السريع سيثير الغبار , غير أن هذا الغبار لم يكن لمجرد أثر عابر لهجوم الفرسان إذ أنه استمر طويلاً حتى لم يعد جيش التحالف المسيحي قادراً على تمييز عدوه وربما أدى إلى أن يقتل بعض منهم بعضهم الآخر .

· بدأ الفرسان المسلمين السلاجقة مذبحة حقيقية بكل المقاييس العسكرية لعدوهم في معركة الإلتحام هذه مع جيش التحالف , في جيش كثيف أصابه كما أصاب قيادته الشلل التام , بل فقد كل قدرة على الإتصال وكما يقول إبن الأثير (( فقتل المسلمون منهم كيف شاؤوا فأنزل الله نصره عليهم , وقتل منهم مالا يحصى حتى إمتلأت الأرض بجثث القتلى )) . وكان من بين الأسرى إمبراطور بيزنطة نفسه .

· علم حوالي 80000 من المقاتلين التركمان المسيحيين النسطوريين الذين كانوا مشاركين بالتحالف من طرف روسيا , أن عدوهم من المسلمين ليسوا إلا أبناء عمومتهم الأتراك , ولا يعلم كيف تم الإتصال إبان الإلتحام بالمعركة , ولكن ربما أن صيحات المسلمين للقتال جعلت التركمان يعلمون أن لغة عدوهم هي اللغة التركية , فكان قرارهم في منتصف المعركة أن إنحاز القائد التركماني إلى بنوا جنسه وبنوا عمومته , مما زاد من يأس جيش التحالف الذي فقد قيادته , فتخاذلت وارتبكت معنويات جيش التحالف , وتضاعفت عزائم المسلمين بهذا المدد من الله في عمق المعمعة , ولعله يلاحظ أنه من الأحداث النادرة في التاريخ أن ينحاز الناس لقوميتهم في تلك العصور إذ أن الأولوية آنذاك كانت دائماً للدين . وهكذا أتم الله النصر للمجاهدين وجيشهم الذي لا يمكن له النصر حسب المقاييس العسكرية المنظورة .

· بعد إن إنجلى غبار المعركة ولاذ من سلم من جيش التحالف بالهروب والباقي قتل أو أسر أحصي الأسرى فوجد إمبراطور بيزنطة ضمنهم . فماكان من ألب أرسلان إلا أن لطمه ثلاثة مقارع بيده على وجهه ,وقال ألب أرسلان (( ألم أرسل إليك في الهدنة فأبيت , فقال دعني من التوبيخ وافعل ما تريد , قال ألب أرسلان : ما عزمت أن تفعل بي إن أسرتني , قال أفعل القبيح , قال فما تظن أنني أفعل بك , قال الإمبراطور : إما أن تقتلني وإما أن تشهر بي في بلاد الإسلام والأخرى بعيدة وهي العفو وقبول الأموال واصطناعي نائباً عنك , قال ماعزمت على غير هذا , )) وفداه بمليون ونصف دينار ,وأن يرسل لـه عساكر الروم متى تم طلبها من قبل ألب أرسلان , وإطلاق جميع أسرى المسلمين في بلاد الروم ,( وهو ما يذكرنا في ملاحقة الولايات المتحدة الأمريكية لأسراها في فيتنام ) . وعند إطلاق سراحه سأل الإمبراطور عن الجهة التي يسكن فيها الخليفة العباسي فأخبر بها , فالتفت نحوها (( فقام وكشف رأسه وأومأ إلى الأرض بالخدمة وهادنه السلطان خمسين سنة .وتعامل معه تعامل الملوك إذ شيعه لعدة أميال )).

· علمت بيزنطة بالكارثة وثقل شروط الصلح التي وقعها إمبراطورها , فقامت بإنقلاب بالحكم ربما ليكون الإمبراطور الجديد في حلٍ مما وقع عليه سلفه , في حين إتجه أرمانوس في البداية إلى الزهد والتصوف ثم تمكن من إعتلاء عرش أرمينيا .

عبر ودروس من المعركة :

1) أثبتت المعركة أن المسيحية هي العدو الأكبر للإسلام والمسلمين , بحيث أنها تعتبر دائماً وأبداً أن الإسلام هو عدوها الأول ولم تستطع هذه الديانة برموزهاالدينية والسياسية والشعوب المنساقة كرها وراء الكنائس المسيحية نسيان أو تبديل هذا العدو بآخر , أو التفكير بعصر سلام يعم العالم من خلال تسامح تزعم الديانة المسيحية أنها تتبناه , وتعمل للوصول إليه .وقد يتنوع العنصر الذي يقود الأمة الإسلامية من العرب إلى الأكراد إلى الأتراك , ولكن الإسلام يظل كما هو عدوهم الأول . فقد تشكل هذا التحالف المسيحي ضد المسلمين دون إستفزاز من قبل المسلمين لهم , وإنما فقط لأن الحكومات المسيحية أحست بضعف المسلمين وقررت ضربهم ضربة قاصمة , ولعل العبرة سواء بذلك العصر أم بالعصور الحديثة , فإن المسيحية على إختلاف عناصرها تتحد بقوة ضد الإسلام والمسلمين متى رأوا الفرصة سانحة . فهذا التحالف الذي خاض معركة ملاذكرد أو مانزيكرت , تشكل من كل من اليونان الذين تتشكل منهم الأمبراطورية البيزنطية , والرومان والبلغار والصرب والبوسنيون الأوائل والروس وحتى التركمان في وسط آسيا , كما أن هذا التحالف قد تشكل من عدة مذاهب مسيحية على إختلاف توجهاتها فالأرثوذكسية والكاثوليكية والنسطورية كانت قد إنضوت تحت هذا التحالف برمتها , وهو كما يحصل الآن بأفغانستان والعراق حيث تنضوي الكاثوليكية والأرثوذكسية والنسطورية تحت لواء البروتستانتية عدو المسلمين الأول عي العصر الحديث .

2) تثبت هذه المعركة أسوة بمعركة بدر وحنين واليرموك والقادسية وغير هذه المعارك , أن كثرة العدد والعدة ليست العامل الحاسم والأهم في النصر في الحرب , فقد كانت نسبة المسلمين قياساً بالروم في معركة اليرموك 6:1 أي أن الروم يعادلون ستة أضعاف المسلمين , وفي هذه المعركة كانت النسبة بين الطرفين 13 :1 لصالح التحالف المسيحي , ورغم ذلك كان النصر الإسلامي مبهراً في كلتا الحالتين , والهزيمة المسيحية كارثية في الحالتين أيضاً , ورغم أن الميزان العسكري في كل هذه الحالات راجح للكثرة فإن النصر كان للقلة ؛ حتى في حالة حنين التي أعجب المسلمون بكثرتهم فهزموا من قبل تحالف ثقيف وهوازن , (( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ,……………)) و (( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله )) .

3) العامل الديني كان حاسماً وواضحاً من قبل الطرفين في هذا النزاع , إذ نجد أن التحالف المسيحي لم يدخل ديانات أخرى في هذا التحالف , بينما نجد المسلمين فيما إتخذ ألب أرسلان من إجراءات وقرارات بدءاً من إختيار ساعة النزال هي ساعة الجمعة , والإهتمام بجانب الدعاء سواء من قبل المسلمين بصلاة الجمعة أو من قبل السلطان والجيش المجاهد , صرفت إتجاهات الفرسان إلى أن هذه المعركة هي جهاد صرف نلمسه حتى في لبس ألب أرسلان للكفن الأبيض بدلاً من الدرع الواقي من السهام والسيوف والرماح , كل ذلك يجعل العامل الديني حاضراً بين الطرفين في النزاع وخاصة حين نجد شعوباً مسيحية ليس بينها وبين المسلمين أية عداوات أو إحتكاك مباشر في العقود السابقة للمعركة .

4) ثبت في هذه المعركة أهمية الدعاء لله طلبا للنصر وهو مافعله الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة بدر حيث أطال الرسول وهو في عريشه الدعاء والتضرع لله والتبسط للمسلمين حتى أنه أعطى الحق لأحد المسلمين حين لكزه الرسول بعصاه أن يأخذ حقه منه صلى الله عليه وسلم , حيث كان ذلك المسلم يخطط لتقبيل بطن رسول الله والقصة معروفة , وهو ما فعله المجاهد ألب أرسلان رحمه الله من تعفير وجهه بالتراب والإجراءات التي إتخذها رحمه الله . كرميه للقوس والدرع والنشاب ووصيته بدفنه إن أستشهد بملابسه البيضاء التي إختارها كفناً لـه قبل دخول المعركة , وتواضعه وبكاؤه وغيرها كلها ساهمت في جعل الجندي المسلم يُقبِلُ على المعركة باعتبارها إحدى الحسنيين ألنصر أو الشهادة .

5) مع أننا لم نجد نصوصاً تشرح كيف إنضم الجنود التركمان المسيحيين النساطرة إلى جانب أبناء عمومتهم الأتراك , إلا أن هذه الحادثة تدل على ليس فقط أهمية بل إمكانية شق الصف المسيحي , ومدى فداحة الخسارة التي تلحق بالتحالف المسيحي , حين ينجح المسلمين في شق هذا التحالف . وهو من الأهمية بمكان أن رأينا كيف تعاني أمريكا وبريطانيا من إستنزاف بشري ومالي وعسكري واقتصادي بشكل عام حين رفضت أوروبا القديمة ممثلة بفرنسا وألمانيا وبلجيكا ثم لحقت بهم أسبانيا برفض المشاركة العسكرية بالعراق .

6) أثبت التاريخ أن الدول المسيحية لم تفي بعهودها نهائياً للمسلمين , فرغم أن الهدنة التي وقعها الإمبراطور الأسير المعتدي , بالهدنة مع المسلمين لمدة خمسين عاماً وهو مايعني أن المسلمين لا ينوون الشر للطرف الآخر وإلا لأمكن تطوير الهجوم لإفتتاح القسطنطينية , وبالمقابل لم تعترف القيادة الجديدة بشروط الصلح , بل طلبوا المدد من البابا حيث بدأ العمل من أجل تنظيم الحروب الصليبية .

7) يثبت التاريخ مدى الرأفة والرحمة والأدب والذوق الذي يتعامل به عظماء الأمة الإسلامية مع أعدائهم , متأسين بموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش بفتح مكة حين قال لهم ((ماتظنون إني فاعل بكم قالوا خيراً أخ كريم وابن أخ كريم قال إذهبوا فأنتم الطلقاء )) , وهو مافعله السلطان السلجوقي المجاهد ألب أرسلان حين قال للإمبراطور الأسير ((ما عزمت أن تفعل بي إن أسرتني , قال أفعل القبيح , قال فما تظن أنني أفعل بك , قال الإمبراطور : إما أن تقتلني وإما أن تشهر بي في بلاد الإسلام والأخرى بعيدة وهي العفو وقبول الأموال واصطناعي نائباً عنك, قال ماعزمت على غير هذا … وهادنه السلطان خمسين سنة .وتعامل معه تعامل الملوك إذ شيعه لعدة أميال )). وهكذا فعل صلاح الدين رحمهم الله أجمعين .

ولكن يبرز السؤال مهماً عما إذا كان العدو الذي يسفك دماء المسلمين ليس إلا من أجل أنهم مسلمون , هل يحق لحكام المسلمين الرأفة بهذا العدو ؟ ! .أننا نرى في عصرنا كيف يتعاملون مع أسرى المسلمين سواء كانوا من الدهماء أو الزعماء , وأحداث أفغانستان والعراق لا تزال عالقة بالأذهان .ولعل تصريحات رامسفيلد حين عرض العراق صور الرعب الذي يغطي وجوه بعض الجنود الأمريكيين المأسورين, حيث أقاموا الدنيا حول مضمون اتفاقيات جنيف للأسرى, ولكن حين انتصروا رأينا ماحصل للأسرى وللسجناء من المسلمين سواء بسجن أبوغريب أو بكوبا .

هذه قطرة من بحر ولكنها تمثل وجهين للصراع المسيحي الإسلامي , المتجدد عبر العصور , فالتحالف المسيحي تحرش واعتدى دون استفزاز أو مبرر اللهم إلا أنه أحس بقوته وبضعف المسلمين , والجانب الإسلامي الذي رغم أنه الضحية إلا أنه يتعامل بمنتهى الإنسانية مقابل روح همجية مسيحية ليس لها مثال بالتاريخ , ترى بالعصور القادمة هل يتوقع الجانب المسيحي تعاملاً راقياً من المسلمين بعد أن أذاقوهم الذل والهوان في هذا العصر الحديث ؟‍ ‍.

1٬777

الكاتب د.صالح السعدون

د.صالح السعدون

د.صالح السعدون مؤرخ وشاعر وأكاديمي / لدينا مدرسة للتحليل السياسي غير مألوفة..

مواضيع متعلقة

تعليق واحد على “معركة ملاذ كرد”

  1. [url]http://www.top3rab.com[ll]توب عرب[/url]
    [url]hhttp://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=27[ll]عالم حواء للطبخ[/url]
    [url]hhttp://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=27[ll]عالم حواء[/url]
    [url]hhttp://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=27[ll]حواء[/url]
    [url]hhttp://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=27[ll]عالم حواء للديكور[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=14[ll]غرائب وعجائب[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=14[ll]صور غرائب وعجائب الدنيا[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=14[ll]غرائب وعجائب بالصور[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=14[ll]غرائب وعجائب الصور[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=14[ll]غرائب وعجائب الدنيا[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=12[ll]افلام وثائقية[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=12[ll]افلام[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=12[ll]افلام وثائقية مترجمة[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=1285[ll]صور[/url]
    [url]www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=9[ll]البرامج المجانية[/url]
    [url]www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=9[ll]تحميل البرامج[/url]
    [url]www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=9[ll]تنزيل البرامج[/url]
    [url]www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=9[ll]البرامج المعربة[/url]
    [url]www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=9[ll]برامج[/url]
    [url]www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=9[ll]صور[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=1819[ll]تنزيل العاب سيارات[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=1819[ll]العاب سيارات[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=2244[ll]صور مضحكة[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=2244[ll]صور مضحكة جدا[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=2246[ll]صور سيارات[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=2246[ll]صور السيارات[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=2275[ll]صور انمي[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=2275[ll]صور أنمي[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=2275[ll]صور كرتون[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=2257[ll]صور رومانسيه[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=2257[ll]صور رومانسية[/url]

التعليقات مغلقة