مذكرات مدير عام سابق للتربية والتعليم 3/13
في الرياض كانت الحياة تصهرني من جديد /
كانت حياة مدينة صاخبة ؛ أجواؤها لا ترحم , والكل فيها جد ليس فيه استراحة لمحارب
د. صالح بن محمود السعدون
في الرياض كانت الحياة تصهرني من جديد /
انتهت تلك السنة 1408 هـ بكل ما فيها من آلام بالنسبة لي , لقد كانت سنة صعبة ؛ وربما كان ذلك كله نوع من الصقل لي كي أتقبل الرحيل , فقد أصبحت المنطقة مسدودة أمامي وليس لي مكان فيها ؛ كانت الصعوبات تحاصرني وتصنعني في نفس الوقت ؛ كما كانت التحديات تزيدني عناداً على ألا أستسلم ؛ وكما يقول الشاعر :
وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع
وحين أعود إلى الوراء لا أجد في نفسي نقمة على الغير مما حصل لي فكل ذلك كان بـ ” تقدير العزيز العليم ” , كنت أتساءل فيما لو أن إدارة التعليم وافقت على اقتراح الموجهين بتكليفي مديراً لأكبر ثانوية بالمنطقة ؛ ترى ما الذي كان سيحدث ؟ , كنت بالتأكيد سأخلد في ذلك الوقت إلى تلك الوظيفة أو قل ذلك العمل – كما فعل آخرون -؛ راضياً بها ردحاً من الزمن ! كنت سأظل حبيس المنطقة , وربما سأظل قليل التجربة ! كان من المحال أن أتجه لدراسة الماجستير ! إذاً كان الله يعلمُ بسابق علمه وتقديره أنه ومن خلال ظلم بعض موظفي الإدارة لي فإن ذلك الأمر يصنعني , كنت أتجه إلى مستقبل آخر مختلف عما كان سيكون لي لو بقيت في المنطقة ” وجئت على قدر يا موسى ” و ليس من يشكك بأن كل شيء بقدر.
أتذكَّر قول عُمر بن الخطاب رضي الله عنه حين وصل إلى دومة الجندل واستقبله قادة الجيوش الإسلامية قادمين من الأردن إلى دومة الجندل وحين قرر الرحيل إلى الأردن أبلغ أن الطاعون قد عم بلاد الأردن فقال تمهلوا وأرجأ سفره إلى الأردن وفكر بالعودة إلى المدينة ؛ فغضب أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه وهو أحد قادة فتح بلاد الشام وقال : أفراراً من قدر الله يا عُمر , فقال عُمر : لو أن غيرك قال هذا يا أبا عبيده , نعم فراراً من قدر الله إلى قدر الله . وهو ما يعني أن الله بسابق علمه قد علِمَ باختيارك فقدَّر قدرك , حتى جاء أحد الصحابة وقال ما معناه : أنه سمع رسول الله قال إذا فشا الطاعون في بلد فمن هو بداخله لا يخرج ومن هو بخارجه لا يدخل ؛ فحمد الله عمر وعاد ومن معه إلى المدينة فسلموا من الموت بالطاعون , وعاد قادة الفتح إلى الأردن واستشهدوا بطاعون عمواس : أبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة مع خلق كثير من جيشهم . وهو ما يعني بالنسبة لي أن كل ما حدث لي كان سبباً لنتائج كانت ستنتج بالمستقبل من وراء الظلم الذي حصل لي ومن وراء قدر الله لي بالرحيل .
اتجهت إلى الرياض حيث إدارة التعليم وحوِّلتُ إلى رئيس التوجيه التربوي بتعليم الرياض , كان من أفضل الإداريين في الحقيقة لولا ديكتاتوريته , كنت أرغب بشمال الرياض ؛ حيث أكون قريباً من الجامعة ؛ ولأني جئت بدون توصية أرسلني على عكس رغبتي إلى الجنوب رغم تشابه المراكز بالنسبة للحاجة .اتجهتُ إلى حيث وُجِّهتُ دون نقاش وبألم يصاحبني فالجنوب ذو حارات متشابكة وكثافة سكانية ؛ وشوارع ضيقة وزحام يفترض بي أن أبكر يومياً بنصف ساعة عن الموعد الذي يمكن أن أتجه به إلى عملي لو كنت بالشمال ؛ كما أن الشمال قد عشتُ به فترة دراستي بالجامعة وشوارعه فسيحة ومناطق راقية ؛ وقد أراد الله سبحانه أن يُعوضني خيراً ؛ حين وجدتُ رجلاً يرأسُ ذلك المركز هو إداري خبير فإلى جانب خبرته بالتوجيه التربوي وإدارة مركز التوجيه ؛ فهو أيضاً موجه للإدارة المدرسية ومتحدث لبق ومقنع ؛ ويتعامل مع الجميع بأسلوب راق ومحترم ؛ فسلمت علي الأستاذ عبدالمحسن المجاهد وأخذت عملي .
كانت الصدمة الأولى لي هي شدة الحر في شهر يونيو بمدينة الرياض ؛ كما كانت هناك الكثير من المصاعب ؛ فأنا لم يمض على زواجي أكثر من شهرين , وكان لابد من أن أترك المخدع الزوجي والجو البارد في بلاد الشمال نحو جو شديد العبوس في مدينة الرياض ؛ كما كانت أزمة كبيرة لا تزال تنتظرني ؛ ألا وهي نقل زوجتي إلى حيث أعمل ؛ كنت متذمراً من شدة الحر فمازحني سائق المركز وهو رجل مهيب لديه من تاريخ القبائل والأشخاص في نجد وجزيرة العرب ما لا يمكن أن تحصيه المجلدات , ورغم أني حذر بل وأكره الأحاديث ذات الصفة القبلية من زاوية أن كل مآسينا بالدولة السعودية الأولى والثانية وكذلك الثالثة جاءت من وراء شدة ولاء الأفراد للقبلية على حساب الدولة الأم التي هي بعد الله سبحانه تكفل حياة اجتماعية آمنة لكل أفراد المجتمع , وتلتزم بالأمن أكثر من الحياة القبلية في جزيرة العرب التي كانت تقوم على الغزو وقطع الطرق وما إلى ذلك خلال مئات السنين ؛ غير أن هذا الرجل كان شديد الجاذبية إذ أنه يعرف الأحداث بمسمياتها ومواقعها وأشخاصها وأزمنتها فكنت ترى التاريخ ناطقاً يحكي بلسانه , قال مستغرباً : ” هاه يا وليدي ما أنت قادر تتحمل الحر هالأيام ؛ أصبر للشهر الجاي [ أغسطس ] لما تشوف الإسفلت ( يعطن ) ساعتها تعرف حر الرياض ” وقد دهشت حين شاهدت كما وصف أن الدخان أو البخار أو قل ما شئت يتصاعد من الإسفلت من شدة الحر ؛ حين أنك لا تستطيع أن تمسك مقود السيارة بيديك في وقت الظهيرة .
قبيل بداية عودة الطلاب إلى المدارس كنت مشغولاً بنقل زوجتي إلى منطقة الرياض ؛ ولسوء الحظ أصدر الرئيس العام لتعليم البنات في ذلك العام قراراً يمنع المعلمات الجدد من طلب النقل إلى مناطق أخرى إلا في نهاية العام , وتزداد المصاعب بقرارات داخلية للإدارة العامة لتعليم الرياض (البنات) بمنع تعيين المعلمات الجدد داخل المدن , وقد كانت تلك الأخبار كلها محبطة لي وتؤدي إلى اليأس ؛ ومما يزيد الإحباط حديث الزملاء عن أقارب لهم في العام الماضي والحالي تم تعيينهم في رماح 150كم شرق الرياض وحويرة نساح 150كم جنوب الرياض ؛ وكانت علاقاتي جديدة بمدينة الرياض ؛ هاتفت كل من يمكن مهاتفته في حقيقة الأمر ولكن ظلت الردود بين الأمل والصعوبات الحقيقية المعروضة .
لجأت إلى سلاحي الجديد ” سهام الليل ” وقرأت حديثاً معناه أن هناك ساعة من اليوم لا يسأل الله أحداً فيها إلا أجابه ؛ فتحزمتُ للدعاء إلى الدرجة أنه على مدى ساعات اليوم كنت أدعو في أول الساعة ومنتصف الساعة وأخر دقائق من كل ساعة راجياً من الله تسهيل هذا الأمر الذي رأى الجميع أنه مستحيلاً , وكان نص دعائي أن تنقل زوجتي إلى ” وسط الرياض ” وبعد أن تعطلت المعاملة بأقبية رئاسة تعليم البنات خيرتني إدارة التعليم بالرياض لطلبات عاجلة ومفاجئة بين مدرستين الأولى في دخنة (58) والثانية ( العاشرة) في شارع الوزير ( الملك فيصل ) وكلتاهما في قلب الرياض ؛ فسجدت سجوداً طويلاً كسجود شكر لله سبحانه على استجابته للدعاء ؛ أذكر زميلي وهو مدهوشاً حين علم بتعيينها هناك قال والله إن وراك ظهر … فقلت نعم والله إن ورائي أعظم منه ( أعني به الله سبحانه ) .
منذ اليوم الأول كان جدولنا معداً وبدأت زيارات المسح علينا مراعاة المدارس التي لديها زيادات بالمعلمين لنأخذ آخر من عمل بتلك المدرسة من التخصص لنستكمل النقص الحاصل في مدرسة أخرى من تلك التخصص ؛ كان هناك فكرة رائعة بمراكز التوجيه التربوي بالرياض ؛ ألا وهي مدارس خاصة بكل موجه تابعة له يزورها كل يوم أربعاء يسمى هذا الموجه التربوي بالنسبة لتلك المدارس ” الموجه المتابع ” ؛ كان أشبه ما يكون المسئول الأول عن تلك المدرسة يزورها ويقضي بها منذ الدقائق الأولى للطابور الصباحي وحتى الساعة الثانية عشرة .ويتابع بها كل شيء من الأمور الإدارية إلى النظافة ووصولاً إلى الصفوف وسير العملية التعليمية والتربوية وحتى المشكلات السلوكية التي قد تعاني منها المدرسة يشاهد أعمال المدير والوكلاء والمرشد الطلابي وبقية المعلمين والأنشطة الطلابية ؛ ولقد بلغت تلك التجربة شأواً أن كان نجاح المدارس موكولاً بقدرة الموجه على قيادة دفة المدرسة إلى جانب مدير المدرسة .
في جانب آخر كان لابد لنا كتوجيه تربوي أن نقوم بمحاضرات وندوات ودورات تربوية لمعلمينا كل في تخصصه , ولم تكن التجربة الأولى لي بالجوف ؛ بحيث يوجد أمامي عشرون معلماً للاجتماعيات ؛ بل كانت بمدينة الرياض حيث في المحاضرة الواحدة يوجد قريب من الستمائة أو السبعمائة معلم ؛ وما من شك أن التجربة الأولى تكمن صعوبتها في الوقت الذي سيسبق استلامك للمايكروفون ؛ لم أكن أشك بقدراتي ؛ ولكن وجدت قلق زملائي من وجود موجهي الوزارة كمستمعين كأمر مقلق لهم فأقلقني في بداية الأمر , ولكني في الحقيقة وجدت الأمر مثل ” صنع كوب من الشاي ” لقد كان الأمر أكثر من سهل ؛ بل وكانت مداخلات المعلمين الجادة تجعل من الأمر أكثر من مفيداً ؛ لقد كانت مناسبة لتبادل الخبرات والمعلومات ؛ وطرح المشكلات والعقبات ؛ والاستئناس بالجديد من الأفكار والأطروحات ؛ لقد شجعني موجه عام الوزارة بأن اللقاء كان مثمراً إلى الدرجة أن لابد من الاستفادة من الإمكانيات التي عندنا – أنا وزميلي – في هذا المجال , لقد كانت العقبة الوحيدة هي أن الرياض بزحامه وضوضائه لا تسمح للمعلمين بمثل هذه الاجتماعات على مدار أيام بسهولة .
كان العمل بمدارس الرياض لا يخلو من المشقة فوجدت بعض زملائي الموجهين قد تخلصوا من كل المدارس الصعبة وألقوها بلا رحمة علي وحدي , فهذه مدارس أهلية مسائية وصباحية لقوى نافذة ؛ وهذه مدرسة أو تلك لمديرين على علاقات واسعة مع شخصيات نافذة بمجتمع الرياض , وبعد أن استلمت جدولي منهم جاءني موجه صديق وأعطاني معلومات وافية حيال كل تلك المدارس علاقاتها وعلاقات منسوبيها والقوى النافذة وراءها , وفي حقيقة الأمر ؛ البعض كان ” يغرق بشبر من الماء ” كما يقول المثل الشعبي , نعم كان لدى هذه القوى نوع من التعنت , واطلعت على ملفات وقضايا لبعض المدارس قبل زيارتي لها ووجدت أن بعض تلك القضايا تكبر ” مثلما تكبر كرة الثلج ” ولكنني صدمت حين اكتشفت في نهاية الأمر بأن معظم تلك القضايا صادرة من أسباب نفسية لأولئك النافذين وأولئك الموجهين معاً ؛ حتى أن بعضها كان على مسألة الإضاءة , ولم أكن قادراً أن أفهم لِمً تكون قضية كبيرة من أجل لمبات لا تتجاوز قيمتها عن ثلاثين ريال في مدرسة أهلية.
قررت في بداية الأمر ألا أتكلم كثيراً بل يجب أن أسمع كثيراً ؛ فالله خلق لي لسان واحد بينما خلق لي أذنين , وطالما أنني أمام قوى كبيرة يجب أن أتعامل معها بحكمة ؛ وهذه المدارس التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة لا تعني شيئاً بمحيط مدينة الرياض المتلاطم بالسكان ؛ ونجحت في زيارتي الأولى وأعطيت انطباعاً لتلك المدارس أن الهدف من زياراتي هي مصلحة المدرسة وليس الاستعراض من قبلي , ولم أخرج من تلك المدارس إلا ومدير المدرسة يسألني بلهفة عما يمكنني أن أنصحهم به أو أوجههم به ؛ كان لدي ملاحظات منذ أو وهلة ولكن بالنسبة لي ولهم هنا , كان الموقف ” ما هكذا تورد الإبل ” وعدتهم قائلاً : هذه زيارة تعارف وصداقة معكم ومع البيئة المدرسية ؛ وستكون لي قريب جداً زيارة أخرى سأبلغكم بملاحظاتي إن شاء الله ؛ لِمَ العجلة ؟ قال أحدهم : أسمع عن أهل الشمال وهدوئهم ولكني أول مرة أتعامل معه .
لقد كسبتهم ووضعتهم كأصدقاء ووضعت نفسي صديق زائر للمدرسة ؛ لقد كانت ” سياسة ليَّ اليد” أو ” كسر العظم ” بين زملائي وبينهم هي ما أوجد ذلك الشرخ في العلاقة ليست بينهم وبين تلك المدارس ؛ بل بينها وبين إدارة التعليم ذاتها ؛ في الزيارة الثانية كانت تلك المدارس لا تزال ” تحبس أنفاسها ” وتستقرئ شخصية هذا الموجه ؛ انهمكت بالعمل حتى أخمص قدمي , وبعد إنجازي لمهمتي لم يكن لدي رغبة في المبادرة بالتوجيهات والملاحظات ؛ بل تناولنا شئون الحياة والمجتمع وأخذت وقتاً وأنا بعيد عن أي حديث بالعمل , وحين هممت بالخروج قدموا لي دفتر الزيارات ؛ فأغلقته بعد أن استفدت من قراءة أسلوب زملائي إبان زياراتهم السابقة للمدرسة ؛ وسلمتهم ورقة بحجم كف اليد مكتوبة بقلم الرصاص فيها ملاحظات كثيرة وشفعتها بكلمات رقيقة بأن المدرسة ممتازة ولكني أطمح أن أراها مميزة مع منتصف هذا العام إذا تعاونا على تلافي تلك الملاحظات , لم أكن أخرج إلا والمدرسة منهمكة كأفضل مدرسة على الإطلاق لتلافي نقاط ضعفها ؛ ولم ينته ذلك العام إلا وأنا مثل قائد الفريق الذي حكم على فريقه بالنجاح ويريد مباراة أو لجنة تصادق على حكمه ؛ وفي الوقت الذي كان زملائي يتهموني بمداهنة تلك المدارس كنت على يقين أن طريقتي ستفضح قبح أسلوبهم وعجرفتهم وتركت الحكم لرئيس المركز الذي دهش من التحول في تلك المدارس وضخامة الإنجاز .
على غرار ذلك وأكثر كان تعاملي مع مدارس المتابعة فكانوا يثنون وهم مدهوشين يقولون : كان الموجهين قبلك (يشخطون )بأصبعهم على الطاولة , ويقولون لماذا النظافة بالمدرسة سيئة ؛ وكنا نقول لهم هذا هو جو الرياض دائماً غبار هذه الطاولة تم غسلها صباحاً وخلال ساعات قليلة كساها الغبار فلدينا أعمال أخرى لابد من انجازها والمدرسة نظيفة على أحسن صورة , وإذا به يكتب بدفتر الزيارات أن النظافة سيئة فما يزيدنا ذلك إلا إحباطاً . أما أنت فمنذ أن جئت كموجه متابع ونحن قد ضاعفنا الجهد فحين تكتب لنا ملاحظاتك بقلم الرصاص وبورقة خارجية تحملنا مسئولية تجاه شخصك لا تحتمل فو الله إنا نضاعف الجهد احتراماً لأسلوبك في العمل .
تنقلت بين مدارس الرياض قاطبة فمن الجنوب إلى الشمال إلى الجنوب و الغرب إلى العودة إلى الجنوب ؛ استفدت من الأستاذ / عبدالمحسن المجاهد رئيس مركز التوجيه التربوي بجنوب الرياض فوائد لا تحصى – تقاعد منذ سنوات – , فهو لا يكل ولا يمل من العمل يتابع موجهيه بدراية فمرة أجده يدخل معي أو يوقف سيارته بجانبي أو قد يسبقني بدقيقة نحو الطابور الصباحي أو أجده يصلي الفجر في الطريق أثناء زيارتي لمدرسة في قرية خارجية , أو يترك معاملة هامة بجانبه حتى إذا كانت الثانية عشرة والنصف أو الواحدة ظهراً اتصل عليَّ في مدرستي ليستدعيني غداً للمركز لإنجاز تلك المعاملة , كنت أعلم أنه ليس بحاجة ماسة إلى إنجازها يوم الأحد مثلاً لأنني غداً الاثنين سأكون بالمركز ؛ ولكنه كان بحاجة إلى أي سبب منطقي يتابع وجودي بتلك المدرسة في وقت متأخر من الدوام لتلك المدرسة الابتدائية ؛ بحيث لا يفهم مدير المدرسة أن مدير المركز يتابعني ؛ وإنما هو فقط كان بحاجة إلي .كان أسلوباً مدهشاً للغاية يجعل الإنسان فخوراً به .
كان لدينا في المركز اجتماعاً شهرياً للموجهين , وكان وكنا في حقيقة الأمر نستمع ونستفسر ونحاول أن نأخذ الملاحظات ونادراً ما كنا نتجادل ؛ ذلك أننا أمام رجلاً نادراً ما يقع في خطأ وكنا نأخذ منه التوجيه بصدور رحبة كأخ أكبر لنا .وكان ذلك من أسباب النجاح الباهر في المركز ؛ كان يترفع عن الأمور الصغيرة أذكر أنه رفض يناقشني بشكوى تقدم بها معلم للتربية الإسلامية حيال عدم لبسي للثوب قصيراً دون الكعبين وحين أبلغني زملائي ؛ وسألته ؛ قال : تأتينا ملاحظات فيها الغث والسمين .
د.صالح بن محمود السعدون
مدير عام التعليم السابق بالجوف