نحو إشراف تربوي فعال 1/6

الإشراف التربوي هو دينمو وماكينة العملية التربوية والتعليمية فمتى كان الإشراف التربوي قائماً بعمله كما ينبغي أن يقوم به فإن التربية والتعليم بالمدارس سيكون في تقدم مستمر , أنه العين الساهرة التي لاتغفل عن سلبيات الميدان التربوي ومعالجتها .
د. صالح السعدون
مدير عام التعليم بمنطقة الجوف سابقاًتطور مسمى لإشراف التربوي /
1/6

مر الإشراف التربوي بالمملكة العربية السعودية بعدة مراحل فمن التفتيش إلى التوجيه إلى الإشراف ؛ ولعل من المعروف أن تغيير المسمى ليس من قبيل الترف أو حب التغيير ؛ وإنما من قبيل تشخيص العمل وممارسته بما يتلاءم مع ذلك المسمى .
فالتفتيش التربوي يعني أن يدس المفتش أنفه وأصبعه ولسانه ليشم ويتذوق ويتحسس بل ويتجسس ويتكلم بعنف الرئيس الآمر ؛ ولعلنا لا نعدو كبد الحقيقة إذا قلنا أن المفتش حتى وإن كان مدنياً فإنه كان يتعامل كالضابط العسكري مع جنوده , فلا رحمة ولا تهذيب ولا لين .
أما ” التوجيه التربوي ” فقد حاول أن يأخذ العصا من النصف فهو قد ترك التفتيش وأساليبه القاسية ؛ ولكنه ظل يسيطر على دقائق الأمور بكل تفاصيل العملية التعليمية والتربوية , وعليك أن تفهم معناه كما يمكنك أن تفهم أن قبطان السفينة أو كابتن الطائرة يوجه الطائرة أو السفينة في مسارها توجيهاً دقيقاً وفق الخرائط التي قد رسمت له مسبقاً لخط سير الرحلة , وبعد تجربة طويلة رأت الوزارة أن التوجيه لا يزال يباشر مهمة التفتيش وإن اختلف المسمى .
فتقرر تغيير المسمى إلى مسمى جديد هو ” الإشراف التربوي ” , وكما أن الموجه التربوي يقود العملية التعليمية والتربوية بتحكم قوي كما يتحكم قائد السفينة بدفتها ؛ فإن الإشراف التربوي يعني شيئاً آخر ؛ وإذا أردت أن تعرف بدقة معنى الإشراف التربوي فعليك أن تتذكر كيف يمكن لصحفي أن يتحكم بالمعركة وهو مطل من على جبل شاهق فيرى كيف تدور المعركة ثم عليه أن يكتب رأيه في كيف يجب أن تدار دون أن يكون هو مكان قائد المعركة أو الجندي الذي يقاتل ؛ عليه فقط أن يبين نقاط القصور ونقاط القوة والتميز بالخطة التي تدار بها العملية التربوية والتعليمية مع إمكانية أن يضع نصائح من خلالها يساهم في معالجة أوجه الضعف والقصور والرقي بمستوى الآداء على أنه يجب أن يكون هو كمرسل والمعلم ومدير المدرسة كمستقبل أن يبدلا لهجة الأوامر إلى مشاورة و مناصحة من قبيل ” وشاورهم بالأمر ” وتقديم الخبرات لهما في كل مناحي العملية التعليمية وعليهما تقبل تلك النصائح و تطبيقها ليس من قبيل تنفيذ الأوامر ؛ وإنما من قبيل اكتساب الخبرات الجديدة والعمل على تطوير الآداء .
ومع ذلك فقد تغير المسمى من التوجيه التربوي إلى الإشراف التربوي ؛ ولكن ظل العمل الممارس كما كان سابقاً هو لا يزال التوجيه التربوي , حين فكرت الوزارة تجريد المشرف التربوي من سلطاته في حركة تنقلات المعلمين ؛ وجد المشرفين أنهم أصبحوا بلا قيمة أو بلا فعالية , أو ربما من الأصح أن نقول بلا هيبة تجعل دخوله للمدرسة ذات رنين خاص على كافة المعلمين والإداريين , ساعد على إفشال القرار أن أقسام شئون المعلمين شحنت بغير ذي كفاءة مما جعل المشرفين يعودون من جولاتهم ومعهم أنين المدارس إلى عهد الموجهين , ولذا أعيدت المهمة ( تنقلات المعلمين ) وإن كانت بصورة تختلف من منطقة تعليمية إلى أخرى إلى قريب من سابق عهدها .
كان الهدف من تجريد المشرف التربوي من سلطاته أن يكون أخاً وصديقاً للمعلم ولإدارة المدرسة ؛ فحين يأتي دون صولجان فسيستمع المعلم إلى توجيهاته بروح الأخ الأصغر الذي ينشد الاستفادة , على أن واقع الميدان لا يمكن أن يجعلنا أن ننظر إلى الأمر بمثل هذه الصورة الوردية , فبعض المعلمين إذا فقد مظلة الخوف من المحاسبة أساء العمل و أبدى لا مبالاة بالأداء ” من أمِنَ العقوبة أساء الأدب ” , ومع أن التنظيم يفترض أن يترك عملية محاسبته لمدير المدرسة ؛ بحيث يوضح المشرف التربوي للمعلم ولمديره نقاط الضعف بأدائه ثم يترك مسألة المتابعة والمحاسبة للإدارة المدرسية ؛ غير أن الحقيقة أن كثير من مديري المدارس هينين لينين بعيدين عن المتابعة الجادة أو المحاسبة المسئولة , ولهذا فما لم يكون مدير المدرسة مشرفاً تربوياً مقيماً مساعداً للمشرف التربوي في تطبيق توجيهاته ونصائحه فلن ينجح ذلك التنظيم للإشراف التربوي .
ولذلك كله فالإشراف التربوي في حقيقته يجب أن يكون عبارة عن : عملية مزدوجة كالعملة من وجهين ؛ فالمشرف التربوي عمله أساسياً في تطوير العملية التربوية في المادة التي يشرف عليها المشرف بدقائقها خاصة والمدرسة بصورة عامة ؛ أما مدير المدرسة فعمله مكملاً لعمل المشرف , عليه أن يتعب في تطبيق نصائح المشرف بتؤدة وعناية وجهد دؤوب ؛ حينها فقط يمكن للإشراف التربوي أن يحلق بجناحيه دون أية نكسات أو مصاعب ويحقق كامل أهدافه .
انتهى الباب الأول
لعلي أحتفظ بحقي في هذه الفكرة فليس مسموحاً لأحد أن يدعيها لنفسه ؛ ولكني أشجع من يطبقها بنفسه ليعود الخير على بلادنا إن شاء الله .

1٬580

الكاتب د.صالح السعدون

د.صالح السعدون

د.صالح السعدون مؤرخ وشاعر وأكاديمي / لدينا مدرسة للتحليل السياسي غير مألوفة..

مواضيع متعلقة

2 تعليق على “نحو إشراف تربوي فعال 1/6”

  1. مشكور على هذا الموضوع الذى قلما يتطرق الناس اليه ولكن برأيك لماذا غابت فضيله هندسة التفكير المهني و التنسيق المعرفي لدى المعلم والمشرف على حد سوأ؟

  2. د.صالح السعدون

    الكاتب :(زائر)
    مشكور على هذا الموضوع الذى قلما يتطرق الناس اليه ولكن برأيك لماذا غابت فضيله هندسة التفكير المهني و التنسيق المعرفي لدى المعلم والمشرف على حد سوأ؟

    أولاً أعتذر لعدم انتباهي لسؤالك فقد تأخرت كثيراً عن الرد
    ثانيا : المعلم معذور وغير معذور لديه الكثير من الهموم ويحتاج من ينبهه باستمرار , أما المشرف ففي حقيقة الأمر هو بين أمور متعددة أ) هو لم يُعد أصلاً إعداداً مهنياً مطلقاً عمل له مقابلة ثم رمي بالميدان ليتعلم بالناس , وهو في الوقت الذي يمثل أنه يفهم عمله فهو آخر من يعرف ذلك بالواقع .
    ب) ربما الخطأ ليس خطؤه فيفترض قبل تكليفة يجب أن يُعد بدورة تربوية مدتها أربعة شهور ثم يدخل الميدان بعقلية الباحث وعقلية العالم بعمله
    الأمر الذي يحصل يدخل دون دوره فيتذكر كيف كان الموجه الزائر له يفعل فيحاكيه محاكاة من فاشل إلى أفشل .
    ج) لايوجد حلقات نقاش ولا بحوث يتدارسها المشرفون ولا مقالات أو دراسات حول آخر ما توصل إليه العالم في الإشراف التربوي .. وسائله أساليبه التخطيط لأهدافه طبيعة عمله …كل ذلك في الكتب وفي جوجل أما موجهينا فكابراً عن كابر كانوا ولايزالون وسيظلون يحاكون الموجهين الذين كانوا يزورونهم
    بارك الله فيك أخي الكريم
    د.صالح السعدون [/color]

التعليقات مغلقة