مذكرات مدير عام سابق للتربية والتعليم 2/13
بين معلم مثالي وإدارة تقليدية تقتل الطموح :
د. صالح السعدون
مدير التعليم بالقريات
ومدير عام التعليم بمنطقة الجوف سابقاً
بين معلم مثالي وإدارة تعليمية تقليدية تقتل الطموح :
كنت أحاول دائماً خلال عملي لأربع سنوات في المرحلة المتوسطة أن أبدو مثالياً ؛ كنت أتوسع في الشرح أكثر مما هو في جوانح الكتاب ؛ كنت عملياً أكثر مني مظهرياً , وقد حوربت في ذلك , كما كنت أبحث عن كل معلومة مفيدة لأقدمها بشيء من الإثارة والجاذبية ؛ أتذكر أن المشرف التربوي زارني في الصف الثالث المتوسط, ولكنه أمام دهشته لتفاعل الطلاب معي بالدرس رفض أن يناقشهم بأية أسئلة ؛ لقد كان تفاعلهم أشبه ما يكون بطلاب المرحلة الأولية مع أستاذهم المفضل , وكان مدير المدرسة رحمه الله من أكثر الداعمين لي ؛ كان يرى أنني كنت من المعلمين الوطنيين القلائل الذي إذا حضرت المناقشات بمختلف العلوم والفنون مع زملائنا المتعاقدين فإنني ” أرفع رأسه ” كما قال ذات مرة ؛ كان مندهشاً أنني أتكلم بالشعر والأدب وتاريخه , وأناقش في أدق تفاصيل الجغرافيا والعلوم ؛ ولدي سعة معرفة حتى بالتفاصيل المذهبية ؛ كان يهمس لي ويقول : ” إني فخور بك لأنك تمثل بلدنا خير تمثيل” .
في إحدى المرات تحدثنا أنا ومدرس الجغرافيا عن دولتي لاوس وفيتنام وكان من الجنسية المصرية وكان واسع الثقافة والمعرفة , وحين خطأني بصحة معلوماتي قرَّعني الجميع ؛ بل سخر مني بعضهم بأنك متخصص بالتاريخ فاترك ما ليس لك ؛ حتى اضطررنا إلى المراهنة ؛ فأتى صديقي بالخرائط والكتب , فكانت معلوماتي دقيقة وسط ذهول زميلي – والحاضرين – والذي أقسم ألا يعارضني أبداً ؛ خاصة أنهما دولتين مغمورتين قلَّما نعطيهما وقتاً للدراسة .
كنت أركز مع طلابي على الأنشطة وأعطي السبورة اهتماماً كبيراً من الرسومات التوضيحية والوسائل والطباشير الملون والخرائط المتنوعة التي قد تخدم جزئيات الدرس ؛ كما كان لدي ألبوماً من صور تاريخية وجغرافية يحتل مئات من الصور عن الحضارات القديمة ؛ والأحداث والمواقع التاريخية التي في الكتب المدرسية ؛ بحيث قلَّما يكون لدي موضوعاً ليس له جزء من تلك الصور الناطقة , فقد كنت مؤمناً بالمثل التربوي الصيني الذي يقول ” الصورة تغني عن ألف كلمة ” , كنت أجعل الطالب يعيش الحدث التاريخي بخياله , بحيث يمكنه أن يتخيل أنه كان يراقب الحدث بمسلسل تلفزيوني ؛ حتى الأفلام التاريخية لم أكن أبخل بها ؛ وقد كانت لي تجربة أليمة مع أحد الأفلام إذ كان به من المشاهد المرعبة التي لا تتناسب مع المرحلة والسن لطلابي ولكنني تمكنت بسرعة من استدراك الموقف بأن وضعت جسدي ليحول بينهم وبين تلك المشاهد حتى قدمت تلك اللقطات ؛ كان بعض الزملاء من مدارس أخرى ومن مدرستي يحضرون تلك الدروس في بعض الأحيان .
في السنة الخامسة بدأ النظام الثانوي المطور ؛ وكنت مع بداية العام قد رشحت أنا ومجموعة من دفعتي الذين تخرجنا معاً لإدارات المدارس , إثر تغييرات أجريت وشواغر في تلك الإدارات لتقاعد بعض المديرين القدامى , كنت الأكثر تميزاً بين زملائي في ميدان التدريس وكذلك في القيادة , فوجئتُ أن الجميع قد عينوا مديري مدارس ؛ أما أنا فقد أبلغت من كل المصادر أنني كنت مرشحاً لأكبر مدرسة ثانوية وباتفاق جميع الموجهين , ولكن خرجت النتيجة بأن شطب اسمي من بين المجموعة ؛ وأبقيت في موقعي ؛ بصدق تألمت لأن القرار كان ظالماً , ولكنني كنت شاباً منفتحاً ؛ كان العيد الثالث لي بعد العيدين حين أسلم نتيجتي وأغادر المدرسة في أول يوم عطلة بعد عام حافل من التعب والجد والجهد بلا كلل أو ملل ؛ كنت أؤمن بالمثل الياباني والكوري الذي يقول ” نم أربعاً فإن نمت خمساً فإن ذلك معناه الفشل ” كنت أنام أقل مما يحتاج جسدي , ولذلك فالعطلة كانت مكافأة لي بعد عام حافل بالجهاد .
كنت أرتب حقائبي وأتجه في الغالب إلى بلد يعج بالآثار والتاريخ , وقبل سفري كنت أشتري مجموعة من الكتب التاريخية والجغرافية والسياحية وأدرسها قبل وأثناء وجودي هناك ؛ ومع ذلك فكنت أخالف أحياناً تلك القاعدة . ركب معي رجلاً سعودياً ثرياً على الدرجة الأولى بخطوط عالية من عمان إلى تونس عام 1986م وكنت في رحلة من عمان إلى تونس بالطائرة فالجزائر عبر القطار فالقاهرة عبر الطيران ؛ وكنت أضع في أذني تسجيلاً لكاسيت من الشعر الفصحى بعضه كان بصوتي ؛ وبيدي كتاب تاريخ لجمهورية تونس الحديث ؛ فسألني من أكون ولعلني سأعجز عن وصف دهشته وهو يستمع إلي وأنا أقول أنا سعودي مثلك ؛ فأخذ الكتاب وتصفحه ثم استأذنني بأن يستمع لآلة التسجيل فإذا به أشد دهشة , بادرني من أي الناس أنت قلت من الجوف ؛ قال أعني وش أنت ؟ قلت من قبيلة عتيبة ؛ قال أكيد أمك فلسطينية , قلت كلا : إنها من بني عمومة والدي , قال : ما ظننت أن يصادفني شاب سعودي مثل تفكيرك وتصرفك .
سافر معي أحد أصدقائي إلى مصر وكنت أزورها لأول مرة فكنت أصحو الساعة السابعة صباحاً ؛ أفطر وأتجه بسائق التاكسي الخاص إلى متحف فرعوني أو إسلامي أو الأهرام أو القناطر الخيرية أو أقضي وقتاً ممتعاً بقارب في النيل , وكل يوم لي خطة سياحية – علمية مختلفة , فقال كنت أظن أنني سافرت إلى مصر ؛ لقد زرتها أكثر من عشر مرات قبل هذه الرحلة ؛ كأني أزور مصر لأول مرة ؛ فما رأيته معك لم يخطر ببالي .
أعود للوضع الوظيفي كان كثير من الناس يطرحون رأيهم بأن أقدم شكوى للوزارة ؛ محتجاً على هذا الظلم الذي وقع علي من قبل إدارة التعليم ؛ وفي حقيقة الأمر لم يكن الأمر يهمني كثيراً ؛ وقد خططت لتغيير وضعي الوظيفي بطرق عديدة ؛ فمن ناحية أنا على استعداد أن أترك البلد وأغادر وأصنع مستقبلي بعيداً عن هذه التصرفات الشاذة , ومن ناحية ثانية أنا لدي ميول للدراسات العليا ومنذ تخرجت من الثانوية وكلية المعلمين تحتاج لمزيد من الكوادر , ومن ناحية ثالثة ما آمنت في يوم من الأيام قط بأن المسئولين بالوزارة يمكنهم أن ينصفوا مظلوماً ولذلك فلست مستعداً أن أصرف وقتي وراء من يعنيهم المثل :
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي .
في العام التالي 1408هـ كان مقدراً لي أن يصنعني الظلم أكثر فأربعة طلبات أقدمها لقسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة الملك سعود للعمل معيداً بالقسم فأنا الوحيد بين ثلاثة دفعات التي تنطبق عليه الشروط ؛ وكلما راجعتهم أفادوني بأن الطلب ضاع ولم يسجل فقدم من جديد , قابلت عميد كلية المعلمين بالجوف وطلبت منه مراراً العمل كمعيد كان يرحب بي ويحول معروضي إلى شئون الموظفين بالكلية , ولطالما كنت أخرج وأنا لا أدري أأنفجر من الغضب أم من الضحك على ذلك الموظف وهو يقول لي نفس الحجة بأن طلبي ضاع وعلي أن أقدم للعميد طلباً جديداً ولعله لم يرفع طلبي إلا بعد إصراري للمرة الرابعة أو الخامسة .
من جانب إدارة التعليم لم تكن شاكرة لموقفي بأنني على الأقل رضيت بظلمهم وإن كان على مضض ؛ بل زادوا في امتهاني سواء عن دراية أم عن سهو أو ربما كنوع من الامتحان ؛ فقد قدمت طلباً للوزارة للتدريس بالخارج ؛ وكنت ممن تستهويه الطبيعة الخضراء فطلبت العمل بالجزائر ؛ وجاءت ورقة خاصة من الوزارة لأملأ النموذج ؛ وطلبني مدير التعليم بمكتبه وأدهشني بحسن استقباله ؛ وأريحيته وبساطته وبعد مسامرة استمرت ساعة ونصف استعرضنا فيها أسباب اختياري للجزائر وإمكانية أن تكون رسالة الماجستير التي سأكتبها عن موقف منطقة الجوف من الثورة الجزائرية , فقلت له : ربما لو اخترت العنوان عن الموقف السعودي من الثورة الجزائرية ؛ أما الجوف فقد لا يشكل أكثر من مقاله ؛ في نهاية المقابلة سألني من وساطتي بالوزارة إلى الدرجة أن ترسل هذه الأوراق بشكل خاص !؛ حينها عرفت فقط معنى تلك الأريحية ؛ وببساطة قليل التجربة أبلغته بكل ما لدي , وحين جاءت الأوراق نسيت أو أخفيت بأدراج رئيس التوجيه الذي أقفل أدراج مكتبه وتمتع بإجازته ؛ فراجعت الوزارة حين خرجت الأسماء بالصحف فقالوا طلبنا حضورك ولم تحضر , فعدت .. وببساطه اعتذر رئيس التوجيه أنه وضع طلب حضوري في الدرج ثم أخذ إجازته ونسيها ولذلك فهو آسف !!!! هكذا بكل بساطة ! إنه آسف !!! إنها الإدارة التقليدية التي ليس لها إلا هدف واحد هو ” قتل الطموح ” وقتل الأفكار النيرة والشباب المفكر ؛ كان هذا الظلم يصقلني وكنت أكتب بمذكراتي الشخصية وأعنف نفسي قائلاً ” ترى حين تكون … هل ستفعل مثلهم ؟!!!” .
ركزت على الدعاء بأن يزيل الله هذا الظلم عني ؛ أهدتني أختي الوسطى كتيباً للدعاء ؛ جاءتني بشكل مؤثر وكنت الساعة الثانية بالليل أستمع لأغنية لأم كلثوم لامتني وهي تكاد يختنق صوتها ” لو صليت في هذا الوقت أليس أفضل من أن تسمع لأغنية ! ” ثم أعطتني الكتيب ومضت ؛ تأثرت كثيراً ولكني في حقيقة الأمر واصلت الاستماع للأغنية وأنا أتصفح بذلك الكتاب الصغير ؛ وفجأة تقع عيني على الدعاء المستجاب الذي إذا دعي به الله أجاب ففزعت كمن لدغ من حية , فأطفأت التسجيل , وفي حقيقة الأمر سجدت سجوداً طويلاً في عمق الليل سجوداً دون صلاة ودعوت الله دعوة المظلوم ثلاث دعوات رأيتها في ثلاثة أسابيع كفلق الصبح .
في ذلك العام كان كل طريق أسلكه موصد ؛ اشترطت كلية المعلمين لرفع معاملتي للوزارة أن يوافق مدير التعليم على نقلي لها دون تعويض ؛ فذهبت إليه إلى بيته بعد المغرب , وتحدثت معه عن الأمر , فقال نحن محتاجين إليك , ولا نستطيع أن نخلي طرفك دون بديل ؛ فناقشته بأدب صاحب الحاجة والمرؤوس لرئيسه , وبينت له أن بمدارس المدينة حوالي ثمانية معلمين تاريخ أنصبتهم ( 12) حصة فقط ؛ مما يعني أن الزيادة أربعة معلمين ؛ ثم أن خيري للبلد سواء في مدرسة أو كلية ؛ وعبثاً حاولت ولكنه وعدني بأنه سينظر في الأمر , خرجت وأنا أملي بمن يقضي حوائج من يدعوه ؛ واضطررت أن أقتنص فرصة لاحت فالوزارة تريد موجه للاجتماعيات في الجوف والرياض ؛ فعبأت نموذج الطلب وأصررت على ثلاث طلبات ( الرياض , الرياض , الرياض ) ناقشني الموجه التربوي بالجوف لِمَ لا أقبل العمل هنا بالجوف طالما هناك فرصة ؟ قلت : ساعتها ستخبأ أوراقي عند رئيس التوجيه أو تضيع بالاتصالات الإدارية ” دعوني أرحل ” .
استدعتني وزارة المعارف للمقابلة الشخصية , وبعد المناقشة قال الموجه العام بالوزارة نحن نحتاجك للجوف وليس للرياض ؛ فقلت لا إما الرياض أو الدمام أو جدة , فصاح غاضباً : هذا مخيف هذا يعني هجرة من القرى إلى المدينة ؛ قلت وهل بقي بقرى نجد سكانا ؛ إنهم كلهم بالرياض , أبيت أن أقول شيئاً عن الأسباب كان هدفي أن أكمل دراستي العليا , فخفت أن يؤثر ذلك على القرار لو أفصحت عنه .
وفي نفس الوقت أكثرت الدعاء وخلال واحد وعشرون يوماً من بداية الدعاء -ولله الحمد والمنة- بثلث الليل الأخير , جاءتني أربعة بشائر ؛ الأولى : موافقة الوزارة على تعييني ونقلي معيداً بكلية المعلمين بالجوف . والثانية : نقلي موجهاً تربوياً بالرياض . والثالثة : خطوبتي لزوجتي وتكملة نصف ديني . والرابعة : موافقة المقام السامي على منحة ملكية قطعة أرض مميزة لمعلمي وإداريي الثانوية المطورة وكان مدير الثانوية المطورة وهو زميل وصديق قد رفع لنا طلباً جماعياً . هذه البشائر الأربعة كلها تحققت في أقل من أربعة أسابيع ؛ فعلمت أنني قد سلكت الطريق الصحيح وتذكرت قول الشافعي : ” أتهزأ بالدعاء وتزدريه وما تدري بما فعل الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن لها أمد وللأمد انقضاء ”
أعود إلى ما حدث في بداية ذلك العام 1408هـ أصرت إدارة التعليم على نقلي إلى الثانوية التي كنت مرشحاً لها كمدير ولكن كمعلم تاريخ ؛ فرفضت ؛ قال الموجه لِمَ ؟ قلت بدلاً من أن أذهب إلى هذه المدرسة كمدير تريدونني أذهب لها كمعلم هذا أولاً , ثم أنني طلبتُ منك أن تعينني بها منذ أول يوم رأيتك فيه ورفضت بحجة أن بها مميز ستجد لها معلماً مميزاً إن شاء الله هذا ثانياً , ثالثاً :اتقوا الله ؛ مديرها الجديد “زميلي ” كان وما يزال أفضل أصدقائي ؛ ولكن من الناحية العملية فأنا متفوق عليه بالجامعة وبتقاريري أثناء العمل ؛ فأنتم تحرجوني مع نفسي لن أستطيع أن أنفذ أوامره وأنا أشعر بأنني الأفضل والأكفأ , ولأنني أريد أن أحافظ على صداقتي له فلن أذهب لأعمل معه , كان القرار يعني لهم شيئاً , فقلت : انقلوني إلى أي مدرسة ثانوية أخرى ؛ أنا أضع خطاً أحمراً وعلامة استفهام كبرى (؟) أمام هذا القرار لِمَ تصرون على نقلي إلى هذه المدرسة بالذات أهو مجرد تشفي و إهانة ؟!!.قالوا سنحولك للتحقيق إذا لم تنفذ ! قلت افعلوا ما بدا لكم , ولكن حينها ستفتحون عليكم أبواب الجحيم , وستكونون كما يقول المثل ” على نفسها جنت براقش “ستؤثرون على أنفسكم فـ ” من بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجر ” .
ورغم التعزز ومحاولة التظاهر بالقوة فقد رأوا أنني جاد هذه المرة ؛ وجاء النقل إلى الثانوية المطورة ؛ فذهبت إلى مدرستي الجديدة ؛ كان العمل مضاعفاً فنظراً لعدم وجود عمال كان علينا – هيئة التدريس – أن نقوم بكنس الفصول وتنزيل طاولات الطلاب وكراسيهم من الشاحنات بأنفسنا ونرتبها بين الدور الأول والثالث , ولأن أكثرية المعلمين من المتعاقدين فكان من الصعب أن نأتي بالعمال من السوق ؛ كما كان صعباً علي أن أتفرج وزملائي يكدحون لمجرد أني سعودي وهم أخوة عرب ؛ وفوجئنا بمدير التعليم ينزل من سيارته , فكنت قد استأت إلى أبعد الحدود وقررت أن نضع حداً لهذا الصمت غير المقبول , تركت ما بيدي وخاطبته : أيرضيكم منظرنا , لا ندري أنحن ” عمال ” أم ” مدرسين ” ؟! . فأجاب أنت واقف وغيرك يعمل ما علاقتك ؟ قلت : أنا أعمل معهم حتى رأيت سيارتك فتوقفت عن العمل , أليس بإدارة التعليم عمال ينجزون هذه المهمة ؟ غضب وأشاح بوجهه ودخل إلى إدارة المدرسة حيث كان مدير المدرسة باستقباله ؛ لقد كنت صريحاً وقد كلفتني صراحتي ما بقي من أمل لعلاقة يمكن أن تكون سليمة مع رئيسي الأول .
فوجئنا أيضاً بمفاجأة أخرى ؛ كان علينا أن نؤلف الكتب بأنفسنا فالنظام المطور جديد في ذلك العام ؛ ولم تستعد له الوزارة بعد , هذا إلى جانب الكثير من الأعباء الإضافية الأخرى . كان أسوأ ما في الأمر تغير الجو المدرسي فمن مدير متمرس , واثق , يتعامل برقي مع كل الزملاء , بشوشاً وهيئة تدريسية مميزة ؛ إلى مدرسة تختلف عن ذلك بكل المقاييس ورغم أن زميلي كان رائعاً من حيث قدراته الإدارية ؛ إلا أنه كونه بسنة التجربة فقد كان يحتاج إلى وقت .
في حقيقة الأمر لعلنا نتكلم عن مشكلة العمل الجديد بالنسبة لكل موظف ؛ فهي معضلة مستديمة لكثير من الذين يشغلون أعمالهم كمستجدين بالمهنة , فيأتون إليها وهم مشدودة أعصابهم يريدون وبنوع من العنت أن يثبتوا نجاحاً سريعاً لعملهم ؛ كما يريدون أن يحرزوا إعجاب الآخرين ؛ ولعل المعضلة أن كل يُغنِّي على ليلاه ؛ فالبعض ضعيف الشخصية , وعاني كثيراً من تلك المشكلة , ولذلك فهو يريد أن يثبت عكسها بتقمص شخصية ليست له وما خلق لذلك ؛ والبعض يرى أن العمل الجديد يجب أن يغير من شخصيته ؛ بحيث تتواءم شخصيته مع ذلك العمل وهذا خطأ كبير , فقد يكون معروفاً بخفة الظل وروح النكتة والطرفة , وحبه للمزاح والبعد عن التكلف , ثم فجأة يريد أن يغير من شخصيته ليصبح جاداً عابساً شديداً في تعامله , وبعد أن كان ليِّن العريكة ؛ يريد أن يبدو صعب المراس وحاد المزاج , بمثل ذلك سيجلب لنفسه فقد سخرية الآخرين ؛ لأن الجميع تعود عليه حسب سليقته وجبلته ؛ فلِمَ كل هذا العنت ؟ , ولعل الأصح هو أن يوائم هذا المكلف بعمل جديد بين شخصيته الحقيقية وبين ذلك العمل ؛ بحيث لا يطغى تصوره الجديدالخاطئ عن شخصيته على العمل ؛ كما لا يطغى العمل وطبيعته على شخصيته الحقيقية , فخير الأمور الوسط ؛ مع ضرورة التعامل مع العمل الجديد بجدية ولكن أيضاً ببساطة .
من المهم أن يتجه المكلف بعمل جديد أياً كان ذلك العمل سواء كان موجهاً تربوياً أو مدير مدرسة أو معلماً أو رئيس قسم إلى التدريب ؛ أولاً التدريب الذاتي من خلال القراءة والقراءة حول طبيعة ومشكلات ومميزات وطرائق ووسائل ذلك العمل الجديد وخلافها , ثم بالإمكان أن يتجه إلى دورات تدريبية على حسابه أو على حساب عمله ؛ من المهم أن يتقن استخدام الأجهزة الحديثة , كما أنه من المهم أن يزور نظرائه كزيارة عمل يمكنه أن يستفيد من الخبرات الموجودة , أذكر قصة كانت قد حصلت بالرياض فقد استحدث قسم ما بإدارة التعليم وعُيِّن أفراد القسم مع رئيسهم في وقت واحد ؛ بحيث لم يكن ذلك الرئيس بأفضل من مرؤوسيه من حيث فهمه للعمل , فقرر أن يعقد اجتماعاً يومياً مع زملائه يسألهم بما حدث لهم بالميدان حتى ملوا من كثرة الاجتماعات , وكان رئيس القسم هذا مثابراً على تلك المهمة باهتمام بالغ ؛ بحيث كان يسجل كل ملاحظة مهما كانت صغيرة أو تافهة , كان واحداً من العاملين معه من مدينة جدة , وقد فطن للسبب الذي جعل رئيسه يكلفهم كل هذا الجهد من الاجتماعات , وحين اشتكى زميل له من كلفة الجهد والوقت المبذول من خلال تلك الاجتماعات مال إليه هامساً وقال : ” أنت عارف ليه بيعمل كدا , دا .. بيتعلَّم فينا ” ؛ وفي حقيقة الأمر هذا الرئيس أصبح من أفضل الإداريين في زمنه على الإطلاق , لقد تدرب جيداً واستفاد من تجارب زملائه مجتمعين ” لقد تعلم من نقاط ضعف ونقاط قوة زملائه “.
د.صالح السعدون
مدير عام التعليم بمنطقة الجوف
معلم قديم(زائر)
مرحبا دكتور صالح
…………….[ …..]
تمتعت كثيرا وأنا اقرأ مذكراتك الجميلة
:WOW:
المعلم (زائر)
لن يمر على تعليم الجوف مدير تعليم مثلك طبق العدل على الجميع ولم يقرب اقربائه ويكفي انك حاربت الشلليه وانهيت مايسمى بجوفنا من تعصب للقرشه ومعاقله .
(زائر)
حياه مليئه بالكفاح والنجاح
**************
أسأل الله لك حياة سعيدة بالدارين
بوركت
أبو بكر
د.صالح السعدون
شكراً لك
لعل الذي تعنيه إنما هو مجرد وصف حسب ما أتذكر نفسي , وقد قرأته أيها العزيز لعلنا لا نختلف كثيراً حيال هذا الأمر هذه هي المذكرات لو كانت للاعب أو فنان أو سياسي أو وزير لابد أن يتحدث عن نفسه حسب اعتقاده .. على أية حال أرحب بك صديقاً وأدعوك لأخذ المفيد
ولا تنساني من الدعاء بوركت
ابو بكر [/color]
د.صالح السعدون
*******************
لن أدعي فضلاً في ذلك فيكفي أن نأتي يوم القيامة وأيدينا مقيدة إلى أعناقنا حتى يعتقنا الله سبحانه أسأل الله سبحانه أن يسعدنا بالدارين
أشكرك أيها المحب وبوركت يداك لك امتناني
ابو بكر [/color]