الكوخ البحري القديم / للدكتور صالح السعدون

`الذكرى إذا أصبحت من الماضي ..لن تعود ولكن يبقى عبق رائحتها في الذاكرةالكوخ البحري القديم

أتذكرُ كوخَنا البحري
أتذكرُني..
وتذكرُ كم تنام الليل ..
في صدري
وكم بتنا بجوٍّ عاصف ..
في ليلةٍ شتويةٍ..
هي ليلةُ العمر
* * *
أتذكرُ كم تناجينا
ومعركةٌ طوالَ الليلِ
بين الموجِ والصخرِ
لها تطربُ مسامعُنا..
كموسيقى..
وأحياناً لها تهتز أطرافي
كصاعقةٍ.. ولا ندري
أيمضي ليلنا خوفاً..
ترى ..؟
أم يهدأ البحرُ
وتنكشف العواصف..
يهدأ المطر
ويظهُر في سماءِ الليلِ
نجومٌ..
وبدرٌ ..قد يساعدُنا
على السهرِ
* * *
أتذكرُ كوخَنا البحري
يظل الموقدُ الشتوي..
يدفئنُــا..
ويؤنسُــنا..
إلى أقصى خيوطِ الليلِ..
إلى الفجرِ
يكادُ لظى العيونِ السودِ
وأنفاسُك..
تبثُ الدفءَ في حجرِي
* * * *
أتذكرُنـا ..
ونحن في ليالينــــا
نطربُ في أغانينــا
بلا وتــر
ولا مزمــار يشجينـا
ولكن صوتَك المحزونَ
يطربنا ..مع القمرِ
وتبكينا رؤى المجنون
ولا قيسٌ ..
بنا يدري
ويطربنا أبو نواس..
وليت الشعرَ لايغري
وأسكرُ من شذا الأشعارِ
وتفعلُ بي كما الخمر
وما في كوخنا خمرٌ
ولا عنبٌ ولا سِكْرُ
ولكن شجيُّ ألحانِك..
وأنفاسِك..وأشعارِك
تحلقُ بي وتجعلُني
أعيشُ النشوةَ الكبرى
وتجعلُني..
أضيعُ بعالمٍ أكبر
وتجعلني ..
كأني شارب الخمر
* * * *
وصائفةٍ ..وشاتيةٍ
تلاقينا كثيراً فيه ياعمري
ولكنا ..
نكاد الآن لانذكر ..
أمانينــا مع السحر
* * *
أتذكر كوخَنا البحري
لقد عشنا بعيداً عنه
..ياقمري
حينــاً..بل
وأعواماً من الدهر
أحس الآن ياعمري
بأني حبيسُ أيامي
وأن العمرَ دون هواكِ..
بلا طعمِ
وأن الليلَ دون لقاك..
شقيقُ الهمِّ والغمِّ
* * *
أحس الآن ياعمري
بأني فقدت أحلامي ..
التي قد كنت أرسمُها
بشاطئ بحرِنا الصخري
بأني نسيتُ أشعاري
التي قد كنت أنقُشها..
بحائط كوخنا الحجري
كأني لم أكن يوماً..
صديقَ الماءِ والأسماكِ
والأصداف والدُّرَرِ
كأن لم تسبحي يوماً..
معي ياطفلتي ..والقلب
بين الخوف والحذر
لقد عشت الهوى غَرِقاً
وعشت الوقت مبهوراً
وعشت العقل مفقوداً
ولم أعثر بساعتها ..
على عقلي..
ولم يظهر له أثر
أكاد أقول عشت الوقت
مجنوناً..بقرب هواك ..
والبحــر
بقرب لماك والنهدين
والعينين والثغر
وأغفو مترعاً ياسيدي..
مابين غاباتٍ من الشَّعرِ
أكاد أذوب بين يديك
ولا أدري ..
إذا ماكنت بي تدري
لأني أخال أن هواكِ..
لأني أخال أن ..
شعورك الأعمى عن الدنيا
سوى دنياً بها نحن..
بجانب كوخِنا البحري
يكاد حبيبتي يُنسيك
جنوني فيك ياقمري
لأنكِ ترفضينَ..
حبيبتي دوماً..
فنونَ العلمِ والتاريخ
وتبقيني مع الشِّعرِ
مع الزهر..
وحائطِ كوخِنا البحري
* * *
لأني أرى ..
ذبولَ الفرحةِ الكبرى
بعينيك ..
لقرب الساعةِ الأخرى
تخافين الفراقَ الشاق َ
تخافين الوداعَ المرَّ..
لأني أرى بعينيكِ
بقايا دمعةً حرَّى
ويصعق قلبَك ِالمجنونَ
إذا مارددَتْ شفتاكِ
حروفاً جمعها الهجرُ
وتغفو حواسُّكِ.. سكرى
إذا مالامست أذنيك..
إكليلاً من الكلمات
من الحب الذي بالدم..
طوال العمر بي يسري
* * *
ألا ليت الزمان يعود
وألقاكم..
بشاطئ كوخنا البحري

684

الكاتب د.صالح السعدون

د.صالح السعدون

د.صالح السعدون مؤرخ وشاعر وأكاديمي / لدينا مدرسة للتحليل السياسي غير مألوفة..

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة