العلاقات السعودية الكويتية 2/3
العلاقات السعودية الكويتية 2/3
د.صالح بن محمود السعدون
رئيس قسم الدراسات الاجتماعية
كلية التربية والآداب جامعة الحدود الشمالية
الفصل الثالث : أ) خطة السعوديون في الخليج العربي :
لاشك أن الخليج العربي كان من الصعوبة بمكان أن يتم إخضاعه لقوة محلية برية كقوة الدولة السعودية الأولى
د.صالح بن محمود السعدون
رئيس قسم الدراسات الاجتماعية
كلية التربية والآداب جامعة الحدود الشمالية
الفصل الثالث : أ) خطة السعوديون في الخليج العربي :
لاشك أن الخليج العربي كان من الصعوبة بمكان أن يتم إخضاعه لقوة محلية برية كقوة الدولة السعودية الأولى ؛ خاصة حين نرى أن قوة عالمية كبرى كبريطانيا في الهند بأسطولها المتقدم كانت عاجزة عن فرض هيبتها آنذاك على مشيخات الخليج , ولكن الدولة السعودية وضعت خطة حكيمة ومدروسة ؛ بحيث تضرب كل تلك القوى ببعضها البعض كي يتم السيطرة عليها معتمدة على قوتها الرئيسية بالمنطقة وهي قوة القواسم .
وكانت الخطوط العامة للخطة السعودية للسيطرة على الخليج تتخذ عدة مجالات : فمنها المجال الدبلوماسي ؛ حيث تناور الدبلوماسية السعودية لإيضاح الصورة بجلاء لمختلف الأطراف موضحة الأهداف والسياسة السعودية تجاه الجميع ومنها المجال الإعلامي والدعوي , حيث كانت تحاول أن تكسب مختلف الأطراف للانضمام سلماً للمشروع السعودي , وحركة الإصلاح العربية الإسلامية التي تقودها الدرعية , ومنها المجال العسكري , وكذلك الحصار الاقتصادي , وفيما يتعلق بالدبلوماسية فإنها كانت نشطة في إقامة التحالفات المؤقتة أو الدائمة , فالقواسم برأس الخيمة و رحمة بن جابر بقطر هم من أركان التحالف الأساسي للدرعية التي تجمعهم أسس عقائدية ومشروع سياسي وديني واجتماعي واقتصادي مشترك.
ولكن هناك أطرافاً أخرى يمكن أن تقيم الدبلوماسية السعودية معها تحالفات مؤقتة , ولعل الهدف أحياناً من تلك التحالفات المؤقتة يكمن في إفشال مخططات تحالف معادية لسياسات الدرعية , ففي الوقت الذي كان إمام عُمان معادياً للدولة السعودية , ولكي يشغلها ويثنيها عن مهاجمة بلاده ؛ فقد اقترح على الدرعية مشروعاً سرياً يقتسم من خلاله كل من عُمان والدرعية البحرين من خلال هجوم مشترك بري سعودي وبحري عماني , ولأن قادة الدرعية يعلمون دواعي هذا المشروع ؛ فقد أرسلوا رسالة سلطان عُمان إلى أمير البحرين , و قد قام سلطان عُمان بمهاجمة البحرين عام 1215هـ / 1800 م , و فر زعماؤها من آل خليفة نحو الزبارة بعد أن أخذوا الأمان من الدرعية التي طلبوا مساعدتها ضد القوات العُمانية , حيث تمكنت القوات السعودية بقيادة إبراهيم بن عفيصان من احتلالها وطرد القوات العُمانية من البحرين , ولعل مثل هذه الخطوة الدبلوماسية كانت تهدف إلى ضم جهد البحرين إلى جهد الدرعية ضد عُمان (57) ؛ بدلاً من عمل تحالف مضاد لها .
وكانت قوة القواسم في رأس الخيمة هي القوة البحرية الوحيدة التي دخلت في طاعة الدولة السعودية عن اقتناع واضح وأصيل بالحركة الإصلاحية , ووفق ” علاقات تحالف فريدة ” وخاصة مع رأس الخيمة الذين يمتلكون أسطولاً قوياً , فقد تمكنت من خلال تلك القوة البحرية العريقة – إلى حد ما – أن تشكل أول نواة للأسطول السعودي الجديد , الذي امتد نشاطه من الخليج العربي حتى البحر الأحمر , وكان ذلك واضحاً في عام 1803م / 1218هـ ؛ حين عقد شيخ القواسم سلطان بن صقر اتفاقاً مع الدرعية لنشر مبادئ وأهداف الدعوة الإصلاحية في ما وراء البحار (58).
وقد استخدمت الدولة السعودية قوة القواسم في رأس الخيمة وقوة رحمة بن جابر في قطر لضرب سلطان عُمان ولفرض حصار اقتصادي على الكويت إلى جانب قيام القواسم السعوديين (( بفرض رسوم حماية على المرور من مضيق هرمز من أجل المزيد من السيطرة )) السعودية على الخليج العربي (59), كما سنشرح ذلك تفصيلياً في موقعه كيلا نكرر الأدلة في أكثر من موقع في هذا البحث ؛ فقد استخدمت أيضاً قوة البحرين أيضاً لفرض حصار على الكويت ؛ وكذلك استخدمت البحرية الكويتية لخدمة الأغراض الحربية ضد عُمان (60) .
ولعل هذه الإستراتيجية السعودية بالخليج العربي متبعة منذ عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد حين كلف أميره و رعاياه في رأس الخيمة بإعلان حرب بحرية ضد العتوب في البحرين مبيناً أنه سيمدهم بجيش إضافي ينقل بسفنهم نحو أرض المعركة , ويذكر صاحب لمع الشهاب أن رأس الخيمة اعتذروا بأنهم ليسوا نداً لقوة البحرين , فأولئك (( أكثر منا دولة ورجالاً بل وخشباً [ أي سفناً ] ..)), واقترحوا خطة بديلة , وهي الإقناع والحوار حتى يدخلوا في ولاء الدولة السعودية سلماً وصلحاً , فوافق الإمام وطلب الإمام عبدالعزيز – أو لعله في عهد الإمام سعود من شيخ البحرين – كما يذكر صاحب لمع الشهاب- طلب من آل خليفة أن يقبلوا مطاوعة ومعلمين ترسلهم الدرعية ليدرسوا مبادئ حركة الإصلاح ؛ وأنهم رفضوا بالبداية كي لا تكون أهداف هذه البعثة ذات طابع تجسسي عن دخل البحرين الاقتصادي من التجارة عبر البحار وأسلوب حكمهم لأهالي البحرين , ولكن حين درس شيوخ البحرين الأخطار المحدقة ببلادهم من تسلط سلطان عُمان عليهم والخطر الفارسي الذي يريد اغتصاب بلادهم رأوا أن التغلغل السعودي السلمي أفضل سبيل لنجاة بلادهم , وبهذا فقد قبلوا بالمعلمين السعوديين والدعاة ( المطاوعة ) في بداية الأمر, وكما يقول أبو حاكمة ” وعلى ذلك كان امتداد النفوذ الوهابي إلى البحرين , ناجماً عن زحف سلمي أكثر منه فتحاً عسكرياً ” , ودارت حوارات ولقاءات ومناقشات مذهبية , ” ومباحثات عن الفرق الإسلامية “حتى ” مالت قلوب بني عتبة ” , و اقتنع عتوب البحرين بالدخول في طاعة الدرعية صلحاً(61) .
ولذا فإن الخطة السعودية كانت من الحنكة وبعد النظر أن طوَّقت مشيخات الخليج , ولم يكن في مقدور تلك المشيخات في سبيل الحفاظ على المصالح الخاصة لمشايخ الكويت والبحرين وعُمان ؛ لم يكن بمقدورها إلا التطلع لمعونة الدول الكبرى كبريطانيا في الهند أو الدولة العثمانية من خلال باشا بغداد للتخلص من الخضوع لمبادئ الحركة الإصلاحية التي كانت تغلب الصالح العام والوحدة للأمة على المصالح الذاتية لأولئك الشيوخ . ولم يشذ عن هذه القاعدة إلا شيوخ القواسم وقطر الذين اندمجوا بالمشروع الإصلاحي للدرعية تماماً كقادة الدرعية .
ب) خضوع الكويت للدولة السعودية الأولى :
يتحدث المؤرخون كثيراً – كما ذكرنا أعلاه – على أن الكويت لم تخضع للدرعية ولم تتمكن الدرعية من ضم الكويت تحت لواءها أسوة بكل شاطئ الخليج العربي الغربي , ولكننا سندرس من خلال هذا البحث وبشكل موضوعي فرضية أن الكويت قد خضعت للنفوذ السعودي قبيل سقوط الدولة السعودية الأولى بقليل ؛ وإن كان زمن هذا الخضوع – ربما – كان لسنوات معدودة فقط أسوة بالبحرين وعُمان , ذلك أن السقوط السريع والمفاجئ للدرعية إثر الغزوات الأجنبية للبلاد من قبل حاكم مصر , وتدمير الدرعية قد جعل للكويت قدرة على التقاط أنفاسها ومن ثم التوجه نحو الاستقلال , كما أن مصادرة كل المراسلات والوثائق والمعاهدات السعودية مع العالم الخارجي من قبل قائد الجيش الغازي للدرعية إبراهيم باشا , قد أفقدتنا الكثير من الأدلة الإضافية التي تؤكد فرضية هذه الدراسة , ولكن مع ذلك يتبقى لنا الكثير لنقوله من خلال البحوث والدراسات التاريخية المعمقة .
ولعلنا نجد في دليل الخليج لـلوريمر أنه (( في سنة 1808م / [1223هـ ] رفض عتوب الكويت دفع الجزية [الزكاة] , وكان موقف أميرهم من الوهابيين هو التجاهل والإهمال , فسارت إليهم حملة وهابية ضخمة , لكنها رجعت عن مدينة الكويت . وقد تكبدت خسارة كبيرة ورحب باشا بغداد بهذا العمل , ولم يخف سروره , فأرسل لشيخ الكويت خلعة تكريمية وهدايا أخرى , وفي العام التالي أصدر أمير الوهابيين لتغطية هزيمته السابقة أوامره إلى العتوب , في البحرين والقواسم في رأس الخيمة وسيد مسقط لإعداد حملة بحرية على الكويت والبصرة . لكن القواسم فقط هم الذين أبدوا استعدادهم لإطاعة الأوامر , وحتى هؤلاء لم يعملوا شيئاً ))(62) . و لعل هذا الرأي فيه من التناقض الكثير فنجد أن هارفارد جونز يؤكد عكس ما يذكره لوريمر من أن الهجمات السعودية على الكويت كانت شبه يومية ويصف نائب القنصل الإنجليزي أحوال الكويت إبان وصول خبر اقتراب الجيش السعودي من الكويت أن الذعر يستبد بسكان الكويت وشيخها ولذلك فمن الصعب أخذ رأي لوريمر مأخذ الجد متناسين رأي شاهد العيان الذي كان يصف الحالة النفسية لأهالي الكويت إبان الحدث ساعة بساعة . كما أن البحرين كانت قد خضعت سلماً للدرعية ولذلك فمن غير المستبعد أن تكون قد شاركت مع القواسم في الحصار البحري المذكور وهو ما سنناقشه في موضعه .
و تؤكد كثير من الروايات والتحليلات التاريخية أن الكويت قد خضعت فعلياً للسلطة السعودية , فيذكر غيورغي أن شيخ الكويت عبدالله الصباح (( قد اقترح على السعوديين ضم أسطول الكويت والبحرين القوي إلى سفن القواسم لشن هجوم مشترك على مسقط , وكان يرمي من وراء ذلك عدة أهداف : تخفيف الضغوط على الكويت من جانب السعوديين الذين كانوا يسيطرون على الأحساء وقطر … وأخيراً تعزيز مواقع الكويت في تجارة الخليج . وتحقيقاً لهذه الخطة اضطر شيخ الكويت إلى العزوف سنة1218هـ / 1803م عن المشاركة في غوص اللؤلؤ …وذلك من أجل توجيه كل قواته البحرية إلى مسقط )) , ويضيف إنه (( من المفارقات المثيرة للدهشة أن الوثائق والمذكرات لن تتطرق إلى الدور الملموس الذي لعبته الكويت في العمليات العسكرية التي خاضها السعوديون والقواسم ضد مسقط وعُمان )) (63) , ونحن نرى أن المدهش أكثر ليس هو اختفاء الوثائق التي تثبت أن الكويت كانت متعاونة أو متحالفة مع السعوديون ضد مسقط فحسب ؛ بل كيف اختفت المراسلات أو المعاهدات أو الاتفاقيات التي أجبرت من خلالها الكويت على الخضوع السياسي والعسكري للنفوذ السعودي (64).
بينما يرى أبو حاكمة أن شيخ الكويت ابن صباح – و معه عتوب الكويت – (( قد ساير .. أمير الوهابيين , حين طلب منهم أن تتوجه سفنهم مع سفن عتوب البحرين والقواسم , في مظاهرة بحرية إلى مسقط عام 1218هـ / 1803م لإرهاب حاكمها , وقد فعلت [ أي الكويت ] ذلك على كره منها …لأن ذلك الطلب جاء في موسم الغوص على اللؤلؤ وهو موسم يهتم به عتوب الكويت )) (65) , ولعلنا من الصعب هنا ونحن نقرأ هذا النص أن نتفق مع أبو حاكمة في رأيه أو أن نقبله بما فيه من تناقض فكلمات مثل ” ساير ” و ” طلب منهم ” “على كرهٍ منها ” و ” جاء في موسم الغوص على اللؤلؤ ” فيها من التناقض بحيث أن التفسير الذي لجأ إليه المؤرخ قد لوى عنق الحقيقة , فالطلب قدم من زعيم الدرعية لشيخ الكويت في أفضل مواسم الغوص على اللؤلؤ بما في ذلك من أهم المصالح الاقتصادية للكويت وبدلاً من الربح التجاري يتجه الأسطول الكويتي المدني والحربي لجبهة الحرب , وبدلاً من المكاسب من الغوص والتجارة والمكاسب قد يتعرض هذا الأسطول إلى خسائر فادحة , كل ذلك كان مجرد ” مسايرة ” وهو مبرر لا يمكن أخذه أبداً كتحليل تاريخي مقنع .
وهناك كثير من المؤشرات والنصوص التاريخية لمؤرخين معاصرين ووثائق تاريخية أصيلة تؤكد و تدل على أن اضطرار الكويت للخضوع بطريقة ما للنفوذ السعودي قبل عام 1803 م /1218هـ ؛ ولكن هذا الخضوع الفعلي ربما وفق اتفاقية محددة قد حدث أثناء الغزوة الانتقامية التي قادها سعود الكبير من العراق لمسئولية العراق عن استشهاد والده الإمام عبدالعزيز عام 1218هـ , فيذكر أمين سعيد نقلاً عن الوثائق البريطانية أنه (( قبل سنة 1802م / 1217- 1218هـ أصبح الساحل [الخليجي ] كله من البصرة إلى دبا الواقعة على حدود مسقط , خاضعاً اسمياً للوهابيين ))(66) .
كما يذكر بوركهارت – وهو مؤرخ معاصر لتلك الأحداث – في نص آخر (( وبما أن الوهابيين قد أخضعوا كل الجزيرة العربية تقريباً ؛ فإن غزواتهم أصبحت موجهة بصفة رئيسية إلى جيرانهم الشماليين على طول الفرات من البصرة إلى سوريا ))(67) , و مما يؤكد مصداقية ذلك ما نقله أمين سعيد عن الوثائق البريطانية – أعلاه – إلى جانب ما نقله اتجيسون وكيل حكومة الهند البريطانية في الخارجية الهندية في كتابه الوثائقي عن وثائق شركة الهند الشرقية ( البريطانية ) وآخرين أن السعوديون قد (( أظهروا وجودهم في عُمان لأول مرة عام 1800م [ 1214-1215هـ ] , إذ أخضعوا كل ساحل الخليج العربي من البصرة حتى دبي [دبا] )) (68) وهو كامل ساحل الخليج العربي مابين البصرة وعمان بما في ذلك الكويت .
ولعل الهجوم الذي قامت به القوات السعودية على أسوار الكويت في عام 1803م / 1218هـ , إلى جانب سرية السياسة السعودية في كثير من جوانبها من خلال إدارتها خلف أبواب موصدة ؛ إضافة إلى فقدان الكثير من الوثائق التي صودرت أو أحرقت على يد ابراهيم باشا إثر سقوط الدرعية أو ربما أخذ من قبل خبراء أوروبيين شاركوا بتلك الحرب على الدرعية , قد أفقدنا الكثير من الوثائق التي يمكننا أن نتوصل إلى حقائق كثيرة حيال هذا التاريخ الحافل والمثير للدولة السعودية الأولى , فقد كان من نتائج تلك الغزوة التي قام بها سعود الكبير عام 1218هـ / 1803م أن وقع نوع من الاتفاق أو التبعية الكويتية للدرعية أجبرت الكويت من خلالها على تقديم أسطولها البحري لمهاجمة السواحل العمانية في حرب الدرعية مع سلطان عمان إثر تلك الغزوة مباشرة أو بعدها بقليل , وكانت الكويت قد أثبتت منذ معركة الرقة التي يذكر بعض مؤرخي الكويت أنها وقعت بين بحرية بني كعب في عربستان والبحرية الكويتية عام1197هـ / 1783م أنها قوة بحرية لا بأس بها في المنطقة (69).
ويمكن لنا أن نستقرئ الحالة التاريخية التي حدثت عام 1218هـ/ 1803م وما بعده بأن الإمام سعود الكبير قد حاول أن يحاصر الكويت من خلال معسكر جيشه بالجهراء والشامية عام 1218هـ /1803م فارضاً حظراً ومنعاً لسقاية الماء أو الاحتطاب ؛ وحين طال الحصار ووجد أن الكويتيون استعاضوا باستيراد الماء من جزيرة فيلكا وبالحطب من البصرة كما ذكر عبدالعزيز الرشيد , قرر الانسحاب وتغيير إستراتيجيته لفرض الاستسلام على الكويت , فقرر حصار الكويت بحراً من خلال إغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الكويتية ؛ ففي العام ذاته 1218/1803م تقدمت البحرية التابعة للدرعية من البحرين والقواسم وحتى سلطان عُمان كما تذكر أو تتعرَّض بعض الروايات لفرض حصار على السواحل الكويتية (70) , لكن غيورغي يذكر أنه في عام 1218هـ /1803م قد (( حاصرت سفن القواسم مضيق هرمز لتسد الطريق بذلك على حركة الملاحة التجارية التي تشكل مصدر دخل هام للكويت )) ويؤكد هذا المؤرخ المبدع غيورغي قائلاً : (( وهنا لا يجد المؤرخ مفراً من التساؤل …: كيف يمكن الحديث عن خضوع الكويت لحكام بغداد العربي , إذا كان السعوديون المرتبطون في تلك الحقبة باتفاقية محددة مع الكويت قد دحروا وهزموا باشوات بغداد والبصرة , بينما فرض أسطول سلطان مسقط المرتبط بتعهد سري مع بغداد حصاراً ليس حول البحرين فقط , بل وحول الكويت أيضاً )) (71) فهل كانت مشاركة البحرية العُمانية بحصار الكويت هو لمنعها من الخضوع للدولة السعودية وبقاؤها تابعة لبغداد التي وقع معها سلطان عُمان تحالفاً عام 1804م /1218هـ بحيث التبس الأمر على بعض المؤرخين فظنوا أن عُمان تشارك التحالف السعودي ضد الكويت ؟! علماً أن البحرية السعودية القاسمية – البحرينية – القطرية كافية لإغلاق مضيق هرمز أمام السفن الكويتية.
وهو ما يعني أن الموقف بالخليج العربي آنذاك في أواخر عام 1217هـ / 1802م ومطلع عام 1218هـ / 1803 م كان كما يلي : تمكنت الدرعية من ضم البحرين سلماً فأصبحت قواها البحرية إلى جانب القواسم قوة بحرية ضاربة في وسط الخليج , فخسرت الكويت قسماً من العتوب المتحالفين معها ؛ فاستعانت الدرعية ببحرية القواسم والبحرين لإغلاق مضيق هرمز أمام البحرية الكويتية , ولرحيل الوكالة البريطانية من الكويت إلى البصرة مرة أخرى , وعدم تأييدها للكويت في مقابل الهجمات السعودية ؛ اضطرت الكويت بعد أن قرأت تصرف الوكالة الإنجليزية على أنه رفض للوقوف معها ضد الدرعية ؛ إلى عقد اتفاقية محددة تنظم علاقة الكويت بالدرعية , ويمكن لنا أن نستشف أهم بنودها مما سبق ومن خلال استنطاق الأحداث بما يلي :
1) خضوع الكويت للدرعية ؛ بعد فرض الحصار البحري على سفنها من المرور بمضيق هرمز ؛ بحيث يكتمل عقد الساحل الغربي للخليج العربي بخضوعه من دبا حتى البصرة بما في ذلك الكويت تحت النفوذ السعودي .
2) تسمح البحرية السعودية القاسمية – البحرينية للبحرية المدنية الكويتية بالمرور إلى الهند بقصد التجارة .
3) تنضم البحرية العسكرية الكويتية أسوة بالبحرية البحرينية والقاسمية للمجهود الحربي السعودي العام بعمان لحصار مسقط وضرب البحرية العُمانية لفرض استسلام عُمان وخضوعها للدرعية ؛ بحيث أصبح هذا الائتلاف مشكلاً من الدرعية ورأس الخيمة والبحرين وقطر والكويت .
4) تدفع الكويت للدرعية خراجاً سنوياً قدره ستة آلاف ريال حسب ما ذكره ضاري الرشيد (72).
ولو أننا عدنا لما قبل عقد هذه الاتفاقية السعودية الكويتية فإنه يبدو أن الخطة السعودية كانت قد بدأت بالضغط على الكويت منذ عام 1793م /1208هـ , وحين تدخلت بريطانيا من خلال وكالتها بالكويت آنذاك ضد الجيش السعودي , فرضت الدرعية حظراً على البريد الصحراوي البريطاني الذي هوجم من قبل قبائل مواليه للدرعية ؛ حيث تمكنت الدرعية في ذلك الوقت ؛ من إخضاع بعض القبائل وخاصة قبائل عنزة المنتشرة في بوادي وصحراء العراق حتى في شمال غرب العراق وشرق الشام وتحكمت بالطريق التجاري بين دمشق وبغداد , بحيث وصلت غزوات الجيش السعودي إلى ما وراء نهر الفرات ودجلة وهو ما أسماها صاحب كتاب السياحة أو الرحلة الحجازية منطقة (( سنجارة و ما وراء النهرين الذي يسمى بمزوبيتاميا .. في عام 1190هـ )) (73) , فاضطرت الوكالة أن ترسل بعثة رينود إلى الدرعية , والتي على عكس ما يذكره المؤرخون ؛ من أنها لم تحقق أية نتيجة تذكر , بل يبدو أنها قد حققت الكثير من النتائج , و من خلال استقراءنا للأحداث التالية لمغادرة البعثة من الدرعية للكويت , فقد التزمت بريطانيا بصرامة أكثر بالحياد في الصراع العربي في الخليج بين الدرعية من جهة وكل من الكويت وعُمان من جهة أخرى , ولذا فقد قررت الوكالة إصلاح علاقاتها بباشا بغداد على عجل والعودة إلى البصرة عام 1795م تاركة الكويت وعُمان يتصرفان مع الدرعية وفق موازين القوى الداخلية في جزيرة العرب , ومن هنا جاءت الخطة السعودية بضرب قوى الخليج بعضها ضد البعض الآخر , وقد وافقت تلك السياسة مصالح بعضهم من زوايا دينية وقومية بحتة فالخطر البريطاني والفرنسي والفارسي قد بدأ يطرق أبوابهم ؛ وكان مهماً الانضواء تحت قوة إقليمية كبرى تدافع عن مصالحهم في ظل حظر بريطانيا استيراد السلاح والأخشاب والعبيد لمنطقة الخليج العربي , فحوصرت التجارة والسفن الكويتية مع الهند من قبل البحرية السعودية القاسمية , بينما وجدت البحرين طريقها السلمي نحو الدرعية ؛ أضف إلى أن بحريتها شاركت القواسم ضد الكويت , وحينئذ اضطرت الكويت أن تتخذ الطريق ذاته الذي اتخذته البحرين وفق تفاهماً محدداً لم يكتب المؤرخون – للأسف – فحواه ونصه , ولم نجد له أثر بالوثائق , كما يؤكد ذلك غيورغي من أن ((السعوديون المرتبطون في تلك الحقبة باتفاقية محددة مع الكويت )) , وهنا أجبرت البحرية البحرينية والكويتية للتوجه جنباً إلى جنب مع البحرية السعودية القاسمية نحو الجبهة العمانية لحصار السواحل العمانية وفرض الاستسلام العسكري على سلطان عُمان , ولهذا فقد كانت السلطات السعودية في سباق مع الزمن إذ أن بريطانيا قد (( عكفت [سواء في ] لندن أو بومباي على وضع الخطط التي استهدفت ليس وقف زحف السعوديين فحسب ؛ بل و محاولة إبعادهم أيضاً عن الساحل )) (74) .
وفي المقابل تشكل ائتلاف قوي آخر مضاد للتحالف السعودي من سلطان عُمان وباشا بغداد التي وقع معها سلطان عُمان معاهدة ضم بها ممتلكاته للدولة العثمانية في عام 1219هـ / 1804م مقابل مساعدته ضد الدولة السعودية ؛ إلى جانب بريطانيا التي رغم تأييدها له في تحالفه مع الدولة العثمانية إلا أنها لن تتوافق مصالحها مع مد النفوذ العثماني على كل الممتلكات العمانية في البر الفارسي أو شرق أفريقيا بحيث أن الوجود العثماني في الخليج العربي وشرق أفريقيا يؤثر حتماً على المصالح الإستراتيجية لبريطانيا ؛ بحيث قتل وهو في طريق العودة من العراق نحو مسقط على يد أتباع السعوديين ؛ ويرى غيورغي أن هذا التحالف الذي بدأ يتشكل ( من عُمان والعراق وفارس وبريطانيا ) كان هدفه طرد السعوديين من الساحل الغربي للخليج , وأن سلطان عُمان حين ذهب إلى البصرة كان من أجل التفاوض و مناقشة خطة إبعاد السعوديين عن ساحل الخليج العربي كله مع السلطات التركية والإيرانية .
ولهذا فإن سلطان عُمان كان يحاول فرض الحصار على الكويت كي تتخلى عن ولاءها الجديد للدرعية , والعودة إلى ولاءها القديم للبصرة وبغداد أو الانضمام إلى التحالف السري الجديد الذي بدأ يتشكل بين الدولة العثمانية وولاياتها بغداد ومصر مع بريطانيا وعُمان و مملكة فارس لضرب الدولة السعودية من الشرق والغرب , ومنع الكويت من تقديم أي مساعدة من خلال أسطولها للجيش السعودي العامل في عُمان .
وأمام تلك الأحداث الجسيمة في المنطقة والخيارات التي وضعت كافة الأطراف على مفترق طرق , ومصالح الكويت التجارية , وخاصة بعد إغلاق مضيق هرمز أمام السفن الكويتية ؛ فلم يكن أمام شيخ الكويت إلا الاستسلام , و عقد اتفاقية لم نجد بمصادر الدولة السعودية أو الكويتية لها أية ذكر ؛ وإن كنا قد كتبنا ما هو أعلاه من شذرات متفرقة بالمصادر الموثوقة كاستنباط يمكن الوثوق به , ووضع البحرية الكويتية في خدمة عمليات الجيش السعودي في عُمان , (( و تجدر الإشارة إلى أن وكلاء شركة الهند الشرقية كانوا يتابعون عن كثب تطور الأحداث والموقف في القطاع الشمالي من الخليج , بينما عكفت لندن وبومباي على وضع الخطط التي استهدفت ليس وقف زحف السعوديين فحسب ؛ بل و محاولة إبعادهم أيضاً عن الساحل , غير أن قوات بريطانيا في تلك الحقبة لم تكن كافية لتحقيق هذه الخطط , …ففي ظل هذه الظروف بدأت الدبلوماسية الإنجليزية ووكلاء بريطانيا نشاطاً مكثفاً من تشكيل حلف مناهض للسعوديين من مسقط والعراق العربي وفارس …وتوجه [سلطان] بن أحمد إلى البصرة سنة 1219هـ / 1804م للتفاوض مع السلطات التركية والإيرانية حول هذه الخطة )) بيد أنه قتل في طريق عودته على يد القواسم والعتوب كما ذكرنا أعلاه (75) .
ويبدو أن المفاوضات قد بدأت في عام 1219هـ/ 1804م ولم تنته إلا في حدود عام 1223هـ / 1808م أوائل عام 1809 م بحيث أن كل طرف كانت له مصالحة ومطالبه ومحاذيره التي يريد من الأطراف الأخرى أن توضع ضمانات جماعية للحفاظ عليها , فلم يكن لدى البحرين والكويت ممانعة من دخول هذا الحلف ضد السعوديين إذا ما ضمنت بريطانيا لهم انسحاباً آمناً من منطقة الحرب في عمان نحو شمال الخليج . ولكن بريطانيا المهددة بنابليون والتي وصلت طراداته الفرنسية إلى الخليج لضرب سفن شركة الهند الشرقية كما يذكر غيورغي , ولكي يقوم ذلك الأسطول الفرنسي بالأعمال البوليسية في المحيط الهندي والخليج ضد المصالح البريطانية و ليعترضوا بريد شركة الهند الشرقية (76) لم تكن بريطانيا فيما بين عامي 1803و1807م / 1218و 1222هـ مستعدة للانشغال بأمر السعوديين أو محاربتهم بكل ثقلها . وإن كانت تخشى من تحالف فرنسي سعودي يؤثر على مصالحها بالمنطقة ,
ولكن بعد أن بدأ الحلف الجديد بالتشكل الجدي بداية من عام 1223-1224هـ / 1808-1809م و قام الأسطول العماني بالمرابطة في مياه الكويت وتبين أن بريطانيا تُعد العدة لضرب الموانئ السعودية ؛ بدا أن على شيخ الكويت وربما آل خليفة (( أن يحددوا موقفهم بشكل واضح ودقيق , لاسيما وأن شركة الهند الشرقية كانت قد حشدت وضاعفت أسطولها في المنطقة )) ويبدو أن ابن صباح (( كان في موقف لا يحسد عليه )) فالبحرين وقعت بالتناوب بين القوات السعودية والأسطول العماني , وبهذا فقد ابن صباح حليفاً مقرباً منه وأسطوله – آنذاك – كان لا يزال تحت القيادة السعودية في الجبهة العُمانية ؛ بينما بعض قطع أسطول عُمان مرابط في المياه الكويتية (77) , وفي انتظار معركة الحسم بدأ الفرز بين القوى الإقليمية والدولية .
ولعل عدم إفصاح الوثائق والمذكرات عن تلك الاتفاقية أمر ليس مستغرب ؛ فالاتفاقية التي وقعت بين الإمام عبدالعزيز بن محمد وثويني بن عبدالله قبيل الإطاحة بسعدون بن عريعر من زعامة إمارة بني خالد لم نجد لها ذكر بكثير من المصادر ومن ذكرها أشار لها عرضاً , وكذلك الاتفاقية التي وقعت بين الدرعية والمملكة الفارسية حول حماية كتيبة سعودية للحجاج الإيرانيين لم تشر لها المصادر إلا من خلال اعتداء قبيلة الخزاعل على القافلة السعودية التي تضم تجاراً سعوديين وقافلة حج إيرانية تحت حراسة كتيبة سعودية ؛ مما يعني أن الهجوم السعودي على الكويت في ذلك العام 1218-1219هـ /1803م قد أدى إلى نتائج سياسية وعسكرية هامة لم تدون في كتب التاريخ ولم يشر إليها المؤرخون .
و يؤكد ما جاء في – محقق تاريخ أشراف الحجاز خلاصة الكلام – أيضاً أن البحرية السعودية ( القاسمية – البحرينية) قد قامت بمهاجمة السفن التجارية الكويتية القادمة أو الذاهبة إلى الهند (78) ؛ مما يؤيد من وجهة نظرنا أن تلك السياسة من الحصار الاقتصادي كانت هي السبب في إجبار الكويتيين على الخضوع للدولة السعودية. و شكل من أشكال التبعية التي ربما لم يتمكن باشا بغداد من لوم حاكم الكويت عليها لعدم قدرته على مساعدته , ومن الطبيعي أن فرض حصار بحري على الكويت من قبل البحرية السعودية (القواسم – العتوب ) سيشكل ضربة بالصميم للكويت , وهي المدينة القائمة أصلاً على التجارة بالدرجة الأولى , وهذا هو السبب الرئيس الذي جعل شيخ الكويت يشترك في بحريته في الحملة السعودية على مسقط عام 1803م /1219هـ ويكتب للبريطانيين في عام 1805م / 1220هـ أنه من أتباع نجد(79) .
في عام 1805م / 1220هـ بدأت تلك المؤامرة الإقليمية – الدولية على النفوذ السعودي , حيث اتضح نشاطاً دولياً لبريطانيا وفارس والعراق لكل القوى الإقليمية يتقدمها سلطان عُمان ؛ فطلب شيوخ الكويت والزبارة من الحكومة البريطانية (( بأن يضمنوا لهم انسحاباً أميناً إلى البحرين إذا ما قطعوا علاقاتهم بالوهابيين الذين قد يجبرونهم في حالة عدم الضمان بالاشتراك بأعمال عدائية على التجارة البريطانية لكن طلباتهم لم يتم تلبيتها ))(80) وفق السياسة البريطانية المعلنة بالخليج آنذاك بعدم التدخل في شئون جزيرة العرب وأن هدف السياسة البريطانية هو ضمان حرية الملاحة بالخليج ؛ وهذا النص المعتمد على وثائق شركة الهند الشرقية يعني أن الكويت كانت خاضعة منذ أكثر من عامين للنفوذ السعودي وأنها تتحين الفرص بل وتحرض قوى كبرى كبريطانيا بمساعدتها على قطع علاقتها بالدرعية وإلا فإن السعوديين قد يجبرونهم بالقيام بأعمال عدائية ضد بريطانيا , وفيما يبدو أن بريطانيا كانت آنذاك بعيدة عن وضع ثقلها ضد الدرعية إذ أن تلك السياسة ستبدؤها بريطانيا منذ عام 1809م /1224هـ .
ويقول غيورغي (( يجب ألا نغفل بأن هذه المنطقة بالذات قد شهدت سنة [1219 هـ ] / 1803م ائتلافاً فريداً بين السعوديين والقواسم , وإلى حد ما الكويت والبحرين , من أجل مواجهة عدوان مسقط في البر والبحر , والتصدي لمحاولتي سلطان بن أحمد لاحتلال أرخبيل البحرين , وممارسة الضغط على عبدالله الصباح من أجل أن يدين بالولاء له . ونظراً لأن مسقط قد تحولت إلى حليف لشركة الهند الشرقية بعد توقيعها الاتفاقية الأولى معها في 12اكتوبر 1798والاتفاقية الثانية في 26 أبريل 1800م والتي بموجبها حصلت شركة الهند الشرقية على حق تأسيس منصب ممثل دائم لها في عاصمة السلطنة مع ما يواكبه من حرس وامتيازات , فقد وجد أعضاء الائتلاف المذكور عاليه أنفسهم في وضع شائك وصعب للغاية )) (81).
ولعل كل هذا دليل واضح على أن الكويت قد اضطرت مرغمة على الخضوع للدولة السعودية منذ ذلك التاريخ , كما أجبرت بحريتها للانضمام للحرب المعلنة ضد عمان إلى جانب الجيش السعودي , ولذا فقد لجأ شيوخ الكويت والزبارة إلى طلب رسمي من بريطانيا لضمان سيادتهم وسلامة عودة بحريتهم إذا ما تجرأوا وقطعوا علاقتهم بالدرعية محرضين بريطانيا ومحذرين لها بأن السعوديين قد يجبرونهم على (( الاشتراك بأعمال عدائية على التجارة البريطانية ))بالخليج , وهو الأمر الذي يؤكده ديكسون من أن شيخ الكويت وشيخ الزبارة (( طلبا في عام 1805م [1220هـ] من البريطانيين ضمانات تكفل لهم ملجأ يتراجعون إليه في البحرين في حالة انقطاع وتوتر العلاقات بينهم وبين الوهابيين الذين كانوا يمثلونهم والذين قد يجبرونهم على القيام بعمليات تعرقل التجارة البريطانية . ولكن هذه المقترحات لم تلاق ترحيباً )) (82) . و يبدو واضحاً أن طلب شيخ الكويت ضمان الانسحاب إلى البحرين يعني انسحاب بحريتهم من منطقة الساحل العُماني نحو البحرين في طريقها نحو الكويت .
ومع ذلك ورغم أن حشد الأسطول الكويتي بإمرة الجيش السعودي وخدمة عملياته في عمان يصعب تفسيرها بأنها نوع من التحالف بين الطرفين , أو أنها مجرد نوع من (( المسايرة )) للدرعية كما ذكرنا , لأن الكويت أقل قوة من أن تكون حليفاً ؛ بقدر ما هي تابع له قدر ضئيل من الاستقلال في تلك المرحلة , ذلك الاستقلال الذي يتفق مع سياسة الدرعية في السنوات الأولى من احتلال أية منطقة يخضعونها ؛ فالأحساء على سبيل المثال بدأت الدرعية بإخضاعها منذ عام 1204هـ / 1789م ولكنها لم تخضعها بشكل مركزي إلا بعد ثورة أهالي الأحساء في عام 1210هـ /1795م .
ولعل موقف الكويت بوضع الأسطول البحري الكويتي في ظل خدمة أهداف عمليات الجيش السعودي في ذلك الهجوم الشامل ضد عمان يأتي متناقضاً مع الموقف العثماني المؤيد لحاكم مسقط آنذاك , حيث أمر السلطان العثماني والي بغداد بتجهيز حملة لمساعدة إمام مسقط (83) مما يعني أن الكويت قد أرغمت آنذاك على تبديل ولاءها من العراق والدولة العثمانية إلى الولاء والخضوع للدرعية .
و إذا كان شيخ الكويت وبلدته قد خضعت للدرعية منذ عام 1803م /1219هـ فإنه بدأ العمل على التخلص من هذا النفوذ السعودي منذ عام 1205م ولكنه كما يبدو أصبح واثقاً أنه قادر على التمرد ضد نفوذ الدرعية ابتداء من عام 1808م/ 1223هـ وسواء كان باتفاق مع بريطانيا أو أن هناك دعماً ما قد وصل إلى شيخ الكويت من العراق أو جهة أخرى في أواخر عام 1808م /1223هـ وأوائل عام 1809 م /1224هـ أو ربما أنه ربما تيقن أن الحلف الجديد الذي تدعمه بريطانيا قادر على ضرب الدولة السعودية ؛ مما جعله يبدأ ببحث الضمانات التي تضمن أسباب الوجود الكويتي ؛ حيث عرض على بريطانيا في عام 1809 م / 1224هـ اقتراحاً باستعداده (( الاشتراك بأسطوله بالحملة البريطانية على رأس الخيمة )) حسبما يذكر اتجيسون , مما يؤكد أن البحرية القاسمية كانت سبباً مباشراً لخضوعه للدولة السعودية في الفترة ما بين عامي 1803-1809م /1218-1224هـ وهو ما جعل رأس الخيمة تتعرض للانتقام الكويتي ؛ وإن كان ديكسون يعكس الصورة تماماً ويذكر بشيء – ربما – من الخلط الذي يقع به كثير من المؤرخين عادة , من أن بريطانيا قد عرضت على الشيخ عبدالله حاكم الكويت الاشتراك في الحملة الموجهة لضرب رأس الخيمة ولكنه رفض ذلك (84) , إلا إذا كان ديكسون معتمداً على وثيقة أصيلة – لم نتبينها بعد – فإن هذا الرفض سيكون مرتبط بضرورة إعطاء بريطانيا الضمانات التي طلبها ابن صباح للكويت قبل المشاركة بالحملة.
وما من شك أن الكويتيين بعيدين كل البعد عن فكر الحركة الإصلاحية ( العربية – الإسلامية ) التي تقودها الدرعية , ولم يكونوا قادرين على تقبل هذا الفكر الإصلاحي الذي يجعل من حياتهم التزاماً بمنهج فكري وعقائدي صارم بالحياة والمسئوليات المناطة بهم كجتمع ( أفراداً أوجماعة ) , مما جعل هذا الخضوع السياسي للدرعية مسألة مؤقته لكي لا تتمكن الدرعية من إجراء تغييرات راديكالية في المجتمع والقيادة الكويتيين كما فعلته بالأحساء , بحيث تصبح الكويت جزءاً لا يتجزأ إلى الأبد , و كما تقول د.ميمونة الصباح أن موقف بعض الأقطار في الخليج من حركة الإصلاح في نجد وخاصة في المدن والبيئات التجارية مثل الكويت وغيرها (( ساد روح من الاستياء من هذه الدولة العسكرية التي تفرض سلطتها بالقوة وترهق السكان بالضرائب والمكوس المختلفة باسم الجهاد , مما يؤثر على ازدهار التجارة وحريتها ))(85) .
ويؤيد هذا الرأي د. أحمد حسن جودة الذي يرى أن الشعب الكويتي (( كان من البحارة , وكانت الكويت ميناء حراً لجميع الأجناس والأديان الأمر الذي سبب استياءها من الحركة الوهابية المتعصبة ))(86), وهو أمر تؤكده طبيعة الأحداث آنذاك فالتجار معظمهم من اليهود والهنود والفرس , والفرقة العسكرية التي تستخدم المدفعية ضد الجيش السعودي – كما يروي هارفارد -كانت فرقة من الهنود التابعين للوكالة البريطانية في الكويت كانت تواصل تدريباتها اليومية خارج أسوار الكويت ؛ و تؤكد علاقات الشيخ عبدالله الصباح الوثيقة إلى حد كبير ببريطانيا كما يقول العميد كاير في عام 1778م حسب ما ذكره هارفارد جونز (( إن حاكم الكويت الثاني الشيخ عبدالله بن صباح قد أصبح ” مرتبطاً جداً ” بالبريطانيين الذين كانوا بدورهم يكنون له احتراماً كبيراً كرجل يحافظ على كلمته )) , ولعل من الملاحظ أن أكثر مؤرخي الكويت موضوعية لا يمكن لهم استخدام كلمة الدولة السعودية للإشارة إليها في عهد الدولة السعودية الأولى , وإنما يصرون على استخدام كلمة الوهابيون ؛ مما يعني موقف معاد تماماً لهذه الدولة حتى من الناحية الفكرية (87) , كل ذلك يجعل توجه القيادة والمجتمع في الكويت نحو عداء كامل مع الدرعية وحركتها الإصلاحية . ولذلك فمن غير المستغرب كما ذكرنا أعلاه تحريض ابن صباح لبريطانيا عام 1805م /1220هـ على أن تضمن بريطانيا انسحاباً آمناً للبحرة الكويتية من جبهة الحرب العُمانية وإلا فإن الدرعية قد تجبر الكويت بأعمال عدائية ضد المصالح البريطانية , فضلاً عن طلب رسمي كويتي للمساهمة والاشتراك في ضرب رأس الخيمة القاعدة البحرية السعودية في عام 1809م /1224هـ مع الحملة العُمانية البريطانية المشتركة ضدها (88) .
ويبدو أن قيادة الدولة السعودية على علم بما يدور خلف الكواليس في الكويت والبحرين وعمان , بل وحتى ما يدور في بلاط بغداد ومصر وأستانبول , فقد جدد سلطان عُمان من خلال وفد رأسه أخيه سالم محاولة تجديد الحلف الذي بدأ بتشكيله والده قبل مقتله , اتجه به نحو حاكم شيراز الفارسي في نهاية عام 1225هـ/ 1810م لإقناعه بإقامة حلف مشترك ومساعدته عسكرياً ضد الدولة السعودية بالسلاح والجند , كما جاءت الأخبار من مصر بأن محمد علي باشا يستعد لشن هجوم على الأراضي السعودية من الغرب ؛ مما حدا بإمام الدولة السعودية الثالث سعود الكبير أن يتخذ سلسلة من الإجراءات الإدارية والعسكرية في الخليج العربي , فالخطر بدأ من الشرق وانتهى بالغرب ؛ فشيخ الكويت بدأ برفض دفع الزكاة للدرعية منذ أواخر عام 1808م / 1223هـ , وبريطانيا ضربت الدولة السعودية في أهم قواعدها العسكرية البحرية رأس الخيمة في عام 1224هـ/ 1809م , ومحمد علي باشا بدأ حربه ضد الحجاز من الغرب في عام 1226هـ /1811م , وإن كانت أخبار تلك الحرب قد وصلت منذ عام 1225هـ / 1810م , ومن ضمن هذه الإجراءات التي قامت بها قيادة الدولة السعودية عام 1225هـ/ 1810م ما يلي :
1) مقاومة مشروعات سلطان عُمان وشن هجوم لاستخلاص البحرين من الأسطول العماني وشن هجوم مضاد على مسقط .
2) إرسال وفد إلى حاكم شيراز الفارسي , وأخذ تعهد منه بوقف مساعداته العسكرية لسلطان عُمان .
3) محاولة الحد من فوران أتباعه برأس الخيمة بعد أن ثبت أن قوة البحرية السعودية القاسمية غير متكافئة مع البحرية البريطانية .
4) قام الإمام سعود الكبير بإجراء تغييرات إدارية في الخليج العربي , بأن انتقلت قيادة المنطقة من الأحساء إلى موقع متقدم في قلب الخليج وهو البحرين , بحيث أصبح عبدالله بن عفيصان يحكم من المنامة بدلاً من الهفوف أو المبرز , وبهذا فقد أصبح آل خليفة تابعين للحاكم السعودي الجديد ؛ مما أوجد نفوراً وتذمراً ؛ ولذا فقد تم استدعائهم إلى الدرعية , وفرضت عليهم الإقامة الجبرية .
5) تشجعت الكويت لإعلان موقفها بشكل أوضح , فالضربة التي وجهت لآل خليفة من قبل الدرعية ؛ إلى جانب ضرب الأسطول البريطاني والعماني لرأس الخيمة جعل عبدالله بن صباح يعلن موقفه بشكل جلي المعادي للدرعية ؛ فهو من ناحية خشي أن يكون مصيره كمصير آل خليفة , ومن جانب آخر اتضح أن بريطانيا كانت تعمل بصمت ضد النفوذ السعودي ؛ بل والوجود السعودي ذاته .
6) أمر سعود الكبير والي قطر الموالي للدرعية بنفس حماس زعماء رأس الخيمة بفرض حظر على السفن والتجارة الكويتية وإلحاق أقصى ضرر فيها.
7) بدأ محاولات الاتصال بممثل شركة الهند الشرقية في بوشهر لتحسين العلاقات معها , للوصول إلى تفاهم مشترك معها ؛ خاصة أن البحرية البريطانية فيما يبدو قد استمرت بفرض حصار بحري على التجارة القاسمية والسعودية فيما يتعلق بالسلاح والعبيد وحتى الأخشاب التي يمكن من خلالها بناء السفن في رأس الخيمة (89).
و في وقت متزامن مع حملات جيش التحالف الأجنبي الذي يقوده محمد علي باشا ضد الحجاز , ورغم هزيمته في وادي الصفراء إلى ينبع ؛ إلا أن قادة الدولة السعودية قلصوا قواتهم في الخليج العربي ؛ مما سمح لسلطان عُمان من تجديد التحالف مع آل خليفة الذين لجأ بعضهم إليه في مسقط , وقاموا بهجوم مشترك على رحمة بن جابر في قطر التابع للدرعية من جنوب وشمال الجزيرة , حيث أخليت قطر وانسحبت القوات السعودية منها ؛ فقام التحالف الجديد مدعوماً من بريطانيا بشن حرب بحرية ضد البحرية التابعة للسعوديين يصفها غيوغوري بأنها (( واحدة من أكبر المعارك البحرية بين الأساطيل العربية في تاريخ الخليج )) , حيث اشتركت بحرية العتوب بالبحرين متحالفة مع بحرية الكويت التي وصلت المعركة لمساعدة آل خليفة في معركة حامية الوطيس قتل فيها أكثر من ألف جندي , وغرقت الكثير من السفن , واستخدمت المدفعية بشكل مكثف ومباشر , وهزم قائد البحرية القطري (السعودي) وأخلى قطر منسحباً إلى الدمام ؛ ويفسر غيورغي هذا الموقف المجازف من قبل شيخ الكويت بأنها قد ضمنت استقلال الكويت وخلقت ظروفاً مواتية للغاية للمشيخة أمام تجارة الترانزيت بين الكويت وحلب مستغلة انقطاع التجارة البرية بسبب الحرب بين باشا مصر و القوات المتحالفة معه ضد الدولة السعودية (90).
وفي حقيقة الأمر إن هذه الخطوة الكويتية لا يمكن أن تحسب في ميزان القوة على أنها تدخل في حسابات المجازفة بشكل مطلق ؛ ذلك أنها جاءت بعد أن أثبتت الأحداث أن القوات السعودية مشغولة بقوى كبرى وآلة حرب حديثة يقودها جنود أجانب ويخطط لها ضباط أوروبيون وجيش خليط من مختلف الأجناس (91) ؛ وأن شيخ الكويت إذا كان قد خضع للدرعية في عام 1803م فقد بدأ بالتفكير والتخطيط للانقلاب على ولائه للدرعية منذ عام 1805م ولكنه لم يبدأ بالتنفيذ إلا في أواخر عام 1808م أوائل عام 1809م ؛ إضافة إلى أن الأحداث الأخيرة بالخليج أثبتت أن عُمان قد تمكنت بمساعدات بريطانية من دحر رجل السعودية القوي بقطر , وكذلك بحرية رأس الخيمة ؛ بحيث أخليت قطر والبحرين من القوات السعودية , ومن ثم جاءت خطوة ابن صباح لتضع نفسها بالميزان , ولكي تثبت أنها في حالة عداء تام مع الدرعية , وأن ولاءها لم يكن إلا من قبيل” مكرهاً أخاك لا بطل “.
ولقد تمكنت السفن الكويتية بعيد سقوط الدرعية من ممارسة التجارة المحرمة بالتعاون مع الأجانب ضد أتباع السعوديين من أهالي رأس الخيمة ؛ فقد كانت السفن البريطانية تطارد سفن القواسم وتصادر حمولاتها , وحولت البحرين (( إلى مركز ضخم لإعادة تحميل وتخزين وترويج هذه البضائع المصادرة والمستولى عليها من القواسم )) , فتشتري السفن الكويتية هذه البضائع المصادرة بأبخس قيمة ثم تصدرها إلى إيران وغربي الجزيرة العربية , بحيث سيطرت السفن والتجار الكويتيون على هذا النوع من ” التجارة المربحة للغاية ” كما تؤكده وثائق وأرشيف شركة الهند الشرقية (92), وبهذا تثبت الكويت أنها مجرد مشيخة قائمة على أسلوب حياة وعادات وقيم التجار التي لا تقيم وزناً إلا للربح والمال فقط وأنها من الصعب عليها الانسجام مع مبادئ الحركة الإصلاحية آنذاك .
ويرى أمين سعيد أن الكويت بلغت شأواً من القوة فبل سنة 1223هـ / 1808 بحيث أحجمت عن تلبية آخر دعوة وجهتها إليها نجد للمبادرة إلى مساعدتها , وقد أدى ذلك إلى شن هجوم نجدي على الكويت سنة 1224هـ/ 1809 فصدت الهجوم . وبقي شيخ الكويت من ذلك الحين مستقلاً استقلالاً نسبياً عن النفوذ الوهابي (93) , وفي حقيقة الأمر أنه لا شيء جديد في قوة الكويت ؛ غير أنها شعرت في بداية عام 1224هـ/ 1809م أن بريطانيا ولأول مرة تلقي بثقل أسطولها متحالفة مع سلطان عُمان ضد رأس الخيمة القاعدة البحرية للقواسم السعوديين(94) , وأن الكويت يمكنها أن تلعب السياسة كسلطان عُمان متحالفة مع المصالح البريطانية على حساب ولائها للدرعية , ويبدو أن حاكم الكويت قد استغل الضربات البريطانية العمانية لكل من رأس الخيمة وشناص ليسحب أسطوله من هناك بأمان , ويُعلن التمرد ؛ في وقت رأى أن الجبهة السعودية الغربية قد استعرت بحرب شعواء من تحالف من القوى الكبرى التي قامت بتسليح محمد علي باشا ودعمه بقوة , حتى أصبح شيخ الكويت متأكداً أن الدولة السعودية ستنشغل بتلك الحرب عن أمور الخليج العربي نهائياً .
ويذكر ضاري بن فهيد الرشيد في تاريخه ( نبذة تاريخية عن نجد ) أن الكويت كانت تابعة لنجد , وأنه أسوة بمشيخات الخليج كانوا يدفعون للدرعية الخراج أو الزكاة فيذكر أنه (( منذ قرن تقريباً كانت نجد كلها بيد آل سعود …ومما كان في حوزتهم – عدا نجد – عُمان والقطر وأبو شهر والكويت والزبير وكانوا يأخذون من كلٍ خراجاً قدره ستة آلاف ريال سنوياً )) (95) وهو ما يتوافق مع ما توصلنا إليه .
ولعل مما يؤكد خضوع الكويت في الساحل الغربي من الخليج العربي للدولة السعودية أن منطقة شيراز وأبو شهر قد خضعت ولو لوقت يسير كما يؤكد بعض المؤرخين وهي على الشاطئ الشرقي من الأرض الإيرانية ولو لفترة قصيرة من الزمن إذ يؤكد أوبنهايم أن حملات الإمام عبدالعزيز بن محمد البحرية قد بلغت (( حتى الجانب الفارسي من الخليج )) , و قد تمكنت قوات سعودية بحرية القواسم من غزو بعض السواحل الهندية , ومن السيطرة على شيراز و توجيه حملات قوية ضد الساحل الفارسي ولكن بريطانيا في عام 1809م في نفس الحملة البحرية التي ضربت رأس الخيمة تمكنت من انتزاع مدينة شيراز الساحلية من قبضة السعوديين كما يؤكد أوبنهايم , وربما هو مايعنيه ضاري الرشيد في ذكره من أن أبو شهر كانت خاضعة للدرعية (96) .
ولذلك فمن الطبيعي أنه في الوقت الذي كانت الدولة السعودية الأولى تتطلع إلى بحرية قوية تتمكن من إخضاع عُمان وكسر الحصار الاقتصادي والعسكري الذي تفرضه شركة الهند الشرقية وإخضاع سواحل الخليج العربي الشرقية و بعض السواحل الهندية والفارسية لنفوذها أن تُخضع الكويت قبل التطلع إلى المناطق البعيدة .
و لعله من المستغرب أن الكويت التي كانت قد خضعت بالقوة للسعوديين ؛ حيث لم تنل استقلالها إلا قبيل سقوط الدولة السعودية بقليل ؛ قد نالت تقدير موقفها من الدرعية من قبل بريطانيا , حيث أن بريطانيا قد فرضت على كل مشيخات الخليج معاهدات للصلح إجبارية عدا مشيخة الكويت . مما يعني أن بريطانيا كانت تولي ثقة مطلقة بتوجهات حاكمها ابن الصباح .
د.صالح بن محمود السعدون
رئيس قسم الدراسات الاجتماعية
كلية التربية والآداب جامعة الحدود الشمالية