فتح مكة … والهزيمة النفسية لقريش1/2

· لماذا لم يقاوم أهـل مكة دخول الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين لمكةعام 8هـ , واستسلموا وأسلموا؟

· النفسية الجماعية الإنهزامية لشعب مكة أمام تعاظم نفوذ الإسلام بعد صلح الحديبية .

الجزء الأول

منذ العام السادس للهجرة بدا أن ميزان القوى قد بدأ بالتحول لصالح الدولة الإسلامية بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم , ومن هنا جاءت المحاولة الأولى لفرض الأمر الواقع على أهل مكة , وكان ذلك ممكناًرغم أنه لم يكن سهلاً على الرسول صلى الله عليه وسلم وجيشه المصاحب أن يدخل مكة معتمرا ً إلا بعد معركة يفرض فيها الرسول هذا الأمر كأمر واقعٍ على قريش التسليم به

وكانت قوة جيش المسلمين المندفعين بشوقهم لمكة بلد المهاجرين التي لم يدخلوها منذ ست سنوات , إلى جانب ما هو أهم بالنسبة لهم وهو آداء فريضة العمرة , وعرض قوة المسلمين الجديدة قادرة على إفهام العرب وخاصة منهم مشركي قريش أن التوازن العسكري بينهم وبين المسلمين قد ولَّى إلى غير رجعة , وأن عليهم أن يتعاملوا مع دولة الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلامية وفق هذا الواقع الجديد .

موقف قريش :

منذ البداية دلت الأحداث أن قريش قد وقعت بين وضعين أوصلاها إلى أزمة في موقفها من عمرة الرسول ودخوله لمكة , الوضع الأول وهو أنها لا زالت تعيش بوهم الماضي فهي القوة الرئيسية التي يحسب لها ألف حساب , وأنها لها كلمتها التي تسجلها في أحداث السياسة في الحجاز على الأقل , أما الوضع الثاني فإنهم يدركون حقيقة أنهم في مأزق حقيقي بالنسبة لميزان القوى , وأنهم لم يعودوا يمتلكون أية تفوق بعد تضعضع موقفهم في حلف الأحزاب في العام الماضي ( الخامس الهجري ) وهزيمتهم في نهاية المعركة(معركة الخندق) , لقد كان وضعهم السياسي والعسكري قد آذن بالانحدار والزوال إلى غير رجعه , فما كان منهم إلا أن يقوموا بعملية إعلامية ضخمة علَّها تخيف محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم وجيشه الذي تجرأ على المجيء إلى حدود مكة نفسها يهدد بدخولها سلماً , وبهدف ديني يحرج قريش التي لا يحق لها عرفا أن تمنع من يأتي تعظيما للبيت , كيف لا وهم لم يدافعوا عن البيت عندما غزاه ابرهة الأشرم الحبشي الذي غزا مكة بهدف هدم الكعبة قبل أكثر من أربعين عام ولم يمنعوها منه .

تعاهدت قريش على أن لا يدخل محمداً عليهم مكة أبداً , وكما قال بشر بن سفيان الكعبي أحد موفدي قريش للرسول صلى الله عليه وسلم حين التقاه وهو متوجه لمكة عام 6هـ في عسفان قرب مكة آنذاك , فقال : (( يا رسول الله , هذه قريش قد سمعت بمسيرك , فخرجوا معهم العوذ المطافيل و وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا تدخلها أبداً, وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموها إلى كراع الغميم ))(ابن هشام , تهذيب السيرة ,ص 195- 196).والعوذ المطافيل هي الإبل اللبون التي ترضع أولادها والمعنى أنهم خرجوا بها ليتزودوا بها ولا يرجعوا حتى يناجزوا محمداً عليه أفضل الصلاة والتسليم.

ولكن قريش ربما لإدراكها بمدى تغير ميزان القوى فقد كانت على غير عادتها مائلة نحو الصلح والمحادثات التي قد تحفظ لها ماء وجهها وبنفس الوقت تقيها خطورة انكشاف وضعها السياسي العسكري أمام قبائل العرب . ولهذا فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم برده على بشر يؤكد ما ذكرناه (( يا ويح قريش ! لقد أكلتهم الحرب , ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائرالعرب , فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا وإن أظهرني الله عليهم دخلوا بالإسلام وافرين ,وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة , فما تظن قريش ؟ فو الله لا أزال أجاهد على الذي بعثني به الله حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة )) (ابن هشام , 196).

لقد كانت إستراتيجية قريش هي مجرد استعراض عسكري أخير وزائف في اللحظات الأخيرة من الحرب كي يحفظوا هيبتهم أمام القبائل , بمنع الرسول صلى الله عليه وسلم من العمرة . وهو ما يؤكده الرسول صلى الله عليه وسلم في قولين الأول حين قال جملته الأخيرة ((…وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ..)) أي يفترض من قريش أن تدع الرسول عليه السلام لمصيره في حرب قبائل العرب فإن قضت عليه القبائل العربية فهو ما تريده قريش وبهذا وفروا دمائهم , وإن انتصر الرسول صلى الله عليه وسلم دخلوا بما دخل به العرب موفرين شبابهم ودمائهم , وإلا فيفترض منهم أن يدخلوا الحرب وبهم قوة كافية للنصر على المسلمين , وهو ما هو غير موجود مما يؤكده الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله (( ياويح قريش لقد أكلتهم الحرب )), فهو موقف معاند ليس مبنياً على حقائق سياسية أو عسكرية على أرض الواقع , ونجد أن موقف قريش ينكشف أكثر بضعفه وتضعضع تلك القوة المزعومة حين أشاعوا بأنهم قتلوا عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو الذي أوفده الرسول عليه السلام يحمل رسالة لقريش فكان رد الرسول عنيفاً وقوياً حين طلب من المسلمين بيعة الرضوان على الموت , فصعقت قريش فأرسلت سهيل بن عمرو لمفاوضة الرسول وهو الرجل الذي عرفه الرسول عليه السلام كما عرفته قريش بأنه رجل مفاوض قادر على السير بالمفاوضات نحو الصلح وليس نحو الحرب ,فقد قالت له قريش (( ائت محمداً فصالحه ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا فو الله لا تتحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبداً)) إذن هي استماتة الساعات الأخيرة من الحرب ألا يدخل مكة عامه هذا , ولهذا قال الرسول عليه السلام حين رأى سهيل بن عمرو مقبلاً بعد بيعة الرضوان ,(( قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل )) , وما من شك أن شخصية المفاوض لها دور كبير في فشل المحادثات و توتر العلاقات وتوجيهها نحو الحرب , أو تيسير المحادثات وتوجيهها نحو الصلح , ولمعرفة الطرفين قريش الموفدة لهذا الرجل ومحمد عليه الصلاة والسلام المستقبل لهذا الموفد المفاوض كان الاتجاه نحو الصلح .

كانت إستراتيجية الرسول كما رسمها تتكون من شقين , أما الشق الأول ففي قوله أعلاه تقتضي هذه الاستراتيجية أن ينتهي الصراع مع قريش في هذه المرحلة بالصلح والسلام ليتفرغ لقبائل العرب الأخرى , فإذا انتصر الرسول صلى الله عليه وسلم على خصومه من العرب , أجبرت قريش على الاستسلام والدخول بما دخل به العرب , وهو ما يثق به عليه الصلاة والسلام من نصر الله , في الوقت الذي يكون قد وفر دماء قريش من القتل , وهو ما كان يحرص عليه دائماً سواء كانت قريش أو ثقيف وهوازن أو غيرهم فحين طرده أهل الطائف قبل هجرته إلى يثرب وأغروا به سفهائهم وعبيدهم , واستشاره جبريل بأن يطبق عليهم الأخشبين قال عليه الصلاة والسلام (( اللهم إرحم قومي فإنهم لا يعلمون )) .

أما الشق الثاني من هذه الإستراتيجية فقد تقررت بحدث طارئ , وهو النزول عند ما تطلبه منه قريش , وذلك حين طلب عليه السلام من الدليل أن يمشي بجيش المسلمين مع طريق مختلف حيث لا يلتقي جيش المسلمين بفرسان قريش بحكم أنهم قادمون للعمرة وليس للقتال , وكانت مفاجأة لجيش قريش , الذي راع فرسانها قترة جيش الرسول صلى الله عليه وسلم , وقد خالفوا طريقهم (( فرجعوا راكضين إلى قريش )).ولكن ناقة الرسول حين وصل جيش المسلمين إلى ثنية المرار بالحديبية بركت فقالت الناس (( خلأت الناقة , قال ما خلأت , وماهو لها بخلق , ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة , لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها )) . فالمتغير الطارئ باستراتيجية الرسول عليه الصلاة والسلام أنه رأى أن الذي حبس الناقة هو توجيه إلهي له, ينبغي عليه التوقف عنده ,ولذا فقد كان السلام والصلح هو التوجه الذي أصبح سيد الموقف مع أن القوة العسكرية كانت في صالح جيش المسلمين , ولو بشكل طفيف .

النفسية الجماعية للمسلمين كما رآها موفدو قريش :

بعثت قريش بعدة رسل كل منهم يأتي بوجه فيه التأييد لموقف قريش ولكنه يخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تخلى أو انقلب عن تأييده لقريش ,فهذا زعيم خزاعة المتعاطفة أصلاً مع الرسول والمعادية لقريش يلومهم لمعاداتهم محمداً الذي لم يأت إلا زائراً للبيت . وأرسلت قريش آخرين منهم الحليس بن علقمة وهو زعيم الأحابيش , والذي قال الرسول عليه السلام (( إن هذا من قوم يتألهون فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه فلما رأى الهدي …رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاماً لما رأى , فقال لقريش ذلك فقالوا له : اجلس فإنما أنت إعرابي لا علم لك , فغضب عند ذلك وقال يا معشر قريش , والله ما على هذا حالفناكم , ولا على هذا عاقدناكم , أيُصَدُّ عن بيت الله من جاء معظماً له ! والذي نفس الحليس بيده لتُخلُّن بين محمد وبين ما جاء له أو لانفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد ! فقالوا له : مه , كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به .)) ( إبن هشام ص197-198).

لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدهش المفاوضين القرشيين برغبته بالسلام والعمرة , ووحدة المسلمين وتفانيهم بطاعته , فحين جاء الموفد الرابع وهو عروة بن مسعود الثقفي ,(( قال : يا محمد أجمعت أوشاب الناس ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم …وأيم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غداً, وأبوبكر خلف رسول الله عليه السلام قاعد , فقال : أمصص بظر اللات أنحن ننكشف عنه ؟ … ثم جعل يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكلمه ,والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله بالحديد فجعل يقرع يده إذا تناول لحية الرسول عليه الصلاة والسلام ويقول : ويحك أكفف يدك عن وجه رسول الله قبل أن لا تصل إليك , فيقول عروة : ويحك , ما أفظك وأغلظك ! … وأبلغه الرسول أنه لم يأت يريد حرباً , فقام من عند رسول الله وقد رأى ما يصنع به أصحابه , لا يتوضأ إلا إبتدروا وضوءه , ولا يبصق بصاقاً إلا إبتدروه , ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه , فرجع إلى قريش فقال : يا معشر قريش , إني قد جئت كسرى في ملكه , وقيصر في ملكه , والنجاشي في ملكه , وإني والله ما رأيت ملكاً في قوم قط مثل محمد في أصحابه ! ولقد رأيت قوماً لا يسلمونه لشيء أبداً , فروا رأيكم .)) (ابن كثير , البداية والنهاية ج4 , ص166- 167).

النفسية الجماعية لزعامات قريش :

لقد عملت هذه الصور من تفاني أصحاب رسول الله عليه السلام فعلها الكبير في تحطيم نفسية زعماء قريش المخلخلة أصلاً , لقد كانت قريش في وضع من فقد القدرة على تصرفاته , ففي الوقت الذي كان رسول الله يتعامل مع موفديها بكل كياسة وسياسة وتقدير إلى الدرجة أن يتجرأ أحدهم وهو يخاطبه على أن يتناول لحيته عليه الصلاة والسلام , وفي الوقت الذي كان يغضب أصحاب رسول الله رضوان الله عليهم من لمسة اليد من كافر للحيته صلى الله عليه وسلم كان الرسول يبتسم بهدوء لمضيفه , فنجد في المقابل أن قريش قد أصبحت من التشنج أن قابلت موفد الرسول إليهم وهو خراش بن أمية الخزاعي بأن عقروا بعير رسول الله المسمى بالثعلب والذي حمله الرسول عليه , فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأرادوا قتله لولا أن الأحابيش قاموا بحمايته وأعادوه سالماً , كما قاموا بحبس موفد الرسول الثاني عثمان بن عفان مع أنه من أسرة زعامات قريش من بني أمية , مما جعل المسلمين يبايعون الرسول عليه الصلاة والسلام بيعة الرضوان .

والذي نريد تأكيده هنا هو إبراز صورة الإرتياح والتفاؤل رغم الحذر في معسكر المسلمين والهدوء في اتخاذ القرارات إلا عندما أشيع أن موفد الرسول صلى اله عليه وسلم قد قتل على خلاف العرف العربي والعالمي من أن الرسول لا يقتل مما يعني الثقة والقوة التي تسيطر على النفسية الجماعية في معسكر المسلمين , في المقابل نجد أن النفسية الجماعية في معسكر المشركين (قريش) تعاني من روح انهزامية حقيقية , فحين رأى فرسان قريش قترة جيش المسلمين وقد تجاوزوهم لم يهجموا على مؤخرة المسلمين بل هرعوا إلى قريش ليبلغوهم بتقدم محمد وهو ما يعني أن كل مظاهر العسكرية القرشية المعلنة ما هي إلا استعراض أجوف , ثم أن كل قراراتهم تدل على التشنج بما في ذلك كثرة عدد الموفدين ورفض النتائج التي تتمخض عنه خلاصة ما يراه الموفد الذي أرسلوه لمفاوضة محمد عليه الصلاة والسلام , كما حصل مع بديل بن ورقاء الخزاعي وبشر بن سفيان والحليس بن علقمة , بل وصل من تشنجهم أن خلقوا عداوة كانت متأصلة في نفوس خزاعة ثم كادوا أن يخلقوا مشكلة وصلت إلى تهديد حلفائهم الأحابيش أن يقاتلوا قريشاً إلى جانب المسلمين , ثم حين علموا ببيعة الرضوان وأن المسلمين عزموا على الحرب اختاروا رجلاً يعرف الجميع مدى قدراته على إنهاء المشكلة وعقد الصلح , وقد أعطوه تفويضاً مطلقاً للصلاحيات عدا شرط واحد وهو (( ائت محمداً فصالحه , ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا , فو الله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها عنوة أبداً )) ( ابن هشام , ص200).

واختيارهم لسهيل بن عمرو هذا قرأه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه موفد صلح حين قال عليه السلام حين رأه مقبلاً ((قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل )) .

لقد كان موقف قريش في منتهى الضعف رغم انه يبدو على العكس من ذلك , كما كان موقف المسلمين في منتهى القوة رغم أنه يبدو على العكس من ذلك , والذي يمكن لنا أن نفسر به ذلك هو أن قريش رغم ضعفها غير أن دخول المسلمين هذا العام سيبدو أمام العرب أن ذلك حصل عنوة مما يقضي على ما تبقى لقريش من مكانة بعد هزيمتها العام السابق في غزوة الخندق رغم كل ما أعدته في غزوة الخندق عام 5هـ من تحالفات وقوة للقضاء على المدينة المنورة , كما أن إستراتيجية الرسول صلى الله عليه وسلم الأساسية هو إقامة الصلح أو الهدنة مع قريش والتفرغ لقبائل العرب والقوى الأخرى بجزيرة العرب, كما حدث فيما بعد مع خيبر , إضافة إلى الإستراتيجية الطارئة الجديدة والتي قررها عليه الصلاة والسلام حين بركت ناقته على غير عادتها وهو ما فسره بأنه توجيه إلهي فقرر (( ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة , لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها )) .

وبهذا فكل ما حدث ليس من ضعفٍ في موقف المسلمين كما يتراءى للقارئ للأحداث , وإنما إستراتيجية قررها الرسول من معرفة دقيقة بموازين القوى , وجدولة للأولويات , حتى يظن البعض أن شروط الصلح كانت تدل على عكس ما ذكرناه من ميزان للقوتين .

المفاوضات والصلح :

لم تكن المفاوضات صعبة , فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ليناً مع موفد قريش إستجابة لقوله حين بركت ناقته (( لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها ). لذا فقد كان الرسول عليه السلام حليماً إلى درجة لا يمكن لأي رجل دولة أن يصل إلى ذلك المستوى من الحلم , ففي الوقت الذي كان بعض المسلمين كعمر بن الخطاب رضي الله عنهم قد فقدوا قدرتهم على الإحتمال وكان عمر يسأل أبو بكر كما سأل الرسول بعد ذلك بقوله(( يارسول الله , ألست برسول الله ؟ قال بلى قال أو لسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى , قال أو ليسوا بالمشركين ؟ قال بلى قال : فلم نعطي الدنية في ديننا ؟)) وهنا بيت القصيد قال رسول الله عليه الصلاة والسلام (( أنا عبدالله ورسوله , لن أخالف أمره ولن يضيعني )) (ابن هشام ص 200).

يقول عمر مازلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيراً ,

في الوقت الذي كان فتح باب المفاوضات مع قريش على أساس رجوع المسلمين دون زيارة البيت ودخول مكة صدمة حقيقية نفسية على الأقل , فإنهم كانوا يدركون أن محمداً لا ينطق عن الهوى , فقد قال أبو بكر : يا عمر إلزم غرزه فإني أشهد أنه رسول الله , قال عمر : وأنا أشهد أنه رسول الله .

في ذلك الوقت شعر موفد قريش بلين رسول الله وزاد في شروطه حتى يقف المسلم مندهشاً لأول وهلة ! أمام حلم محمد عليه السلام , وتعنت سهيل بن عمرو , و يلتبس الأمر على المرء بأن ميزان القوى لصالح قريش وإلا لمَ استجاب الرسول لهذه الشروط المجحفة .وفي الوقت الذي دعي علي رضي الله عنه لكتابة نص وثيقة الصلح فإن الوثيقة نصت على مايلي :

· رفض سهيل بن عمرو أن يبدأ علي الكتابة حسب أمر رسول الله بالبسملة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قائلاً لا أعرف هذا ولكن أكتب ( باسمك اللهم )

· اعترض سهيل على أن تنص الوثيقة اعترافاً بمحمد كرسول لله سبحانه قائلاً لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ولكن أكتب اسمك وأسم أبيك .

· نصت الوثيقة على أن الطرفين (( اصطلحا على وضع الحرب على الناس عشر سنين , يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض )).

· (( من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه ردَّه إليهم ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يرده عليه )).

· ((أنه لا إسلال ولا إغلال))( غبن هشام ص200-201) , أي لا سرقة أو سطو خفيف ولا خيانه بين الطرفين .

· (( أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه ))( ابن كثير , ج4 , 168- 169) .

· (( إنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة , وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنها فدخلتها بأصحابك ,فأقمت بها ثلاثاً , معك سلاح الراكب , السيوف في القرب , لا تدخلها بغيرها )).

كانت هذه شروط صلح الحديبية .

1٬665

الكاتب د.صالح السعدون

د.صالح السعدون

د.صالح السعدون مؤرخ وشاعر وأكاديمي / لدينا مدرسة للتحليل السياسي غير مألوفة..

مواضيع متعلقة

تعليق واحد على “فتح مكة … والهزيمة النفسية لقريش1/2”

  1. [url]http://www.top3rab.com[ll]توب عرب[/url]
    [url]hhttp://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=27[ll]عالم حواء للطبخ[/url]
    [url]hhttp://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=27[ll]عالم حواء[/url]
    [url]hhttp://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=27[ll]حواء[/url]
    [url]hhttp://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=27[ll]عالم حواء للديكور[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=14[ll]غرائب وعجائب[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=14[ll]صور غرائب وعجائب الدنيا[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=14[ll]غرائب وعجائب بالصور[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=14[ll]غرائب وعجائب الصور[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=14[ll]غرائب وعجائب الدنيا[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=12[ll]افلام وثائقية[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=12[ll]افلام[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=12[ll]افلام وثائقية مترجمة[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=1285[ll]صور[/url]
    [url]www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=9[ll]البرامج المجانية[/url]
    [url]www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=9[ll]تحميل البرامج[/url]
    [url]www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=9[ll]تنزيل البرامج[/url]
    [url]www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=9[ll]البرامج المعربة[/url]
    [url]www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=9[ll]برامج[/url]
    [url]www.top3rab.com/forumdisplay.php?f=9[ll]صور[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=1819[ll]تنزيل العاب سيارات[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=1819[ll]العاب سيارات[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=2244[ll]صور مضحكة[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=2244[ll]صور مضحكة جدا[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=2246[ll]صور سيارات[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=2246[ll]صور السيارات[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=2275[ll]صور انمي[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=2275[ll]صور أنمي[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=2275[ll]صور كرتون[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=2257[ll]صور رومانسيه[/url]
    [url]http://www.top3rab.com/showthread.php?t=2257[ll]صور رومانسية[/url]

التعليقات مغلقة