أين اتجاه الشجر ؟

قصيدة أين اتجاه الشجر من أروع القصائد للدكتورة ثريا العريض
أصبحت هذه القصيدة من شهرتها غنية عن التعريف ..
هنا في المتاهات حيث وقفتِ
وقفتُ أنادي
أبناءُ أمي شتات يبعثرهم كل وادي
فأين بلادي ؟

***

باسمك ناديتُ .. هل تعذُريني ؟
حروفٌ من النار فوق جبيني
و صوتك يشرخ صدري
يمزق حلقي
دَعيني أنادي به
أين اتّجاه الشجر؟

للدكتورة / ثريا العريض


هنا في المتاهات حيث وقفتِ
وقفتُ أنادي
أبناءُ أمي شتات يبعثرهم كل وادي
فأين بلادي ؟

***

باسمك ناديتُ .. هل تعذُريني ؟
حروفٌ من النار فوق جبيني
و صوتك يشرخ صدري
يمزق حلقي
دَعيني أنادي به
اَعتقيني
***

أنادي .. و قومك لا تستفيق
و إرثُكِ همٌ مُحيطٌ مُحيق
لا أحتويه، و لا يحتويني
أصيحُ باِسمكِ
يا ليتهم سمعوني :

" أرى شجراً يتدانَى إلينا
هشيماً تخطاه وعدُ المطر
أرانا نمد إليه يدينا
فيأكلها جمرُ ذاك الشجر
أرانا و أعيننا مطفأة
تضيّعنا عتماتُ البصر
فمن يشتري بصري ؟
يشتريني ؟
و يدفع عنا بلاء الخطر ؟ "
*
كَفَى يا امرأة
كَفَى يا امرأة
ترَين الذي لا يرى !!
*
" تحت الثرى
و فوق الثرى
و خلف امتداد الوِهادِ
و عُري الذرى .. !! "
***
أنادي كما أنتِ ناديتِ
لَهفي عليكِ
ما صدّقوكِ
و ها أنت باكيةٌ و بَنوكِ
يبيحون آذانهم للرياحِ
و لا يسمعون النشيج
تبرعم أشواكُهم في البِطاحِ
و تزهرُ إذ ترتوي بالضجيج

***

على الجمر أخطو
و أرفع فوق المدى قامتي فأرَى
و لكنني حين أخبرتهم ما أرَى
رجموني
***

لكل طريقٍ علامة
فأين اتجاه الشجر
تخضِّبُ أوراقَه صفرةُ الموتِ
أين اتجاه السلامة ؟
و أين اتجاه الوطن؟
, أين تباع التواريخُ
كي نشتري وطناً .. و زمن ؟
و من سيطالبنا – حين نحرق أحلامنا – بالثمن ؟

***

تفقدت آفاق قومي و أزمانهم
فعدت أجرجر حزني العتيق
و يفلتُ منّي زمامُه
و يذكرك القلبُ .. زرقاء ..
موصومةٌ في اليمامة
تُثيركِ ولولةٌ في الخليجِ
و ترجيع أصدائها في تهامة.. !
***

بِعَينيكِ جئتُ الوِهادَ
شمالاً جنوباً مجنّحةً صائتة
ترفرف في أضلعي " فاختة "
تعضّ على جُرحِها
و تجثُم خائفةً صامتة
ترَى بِعُيوني
و تَهمُسُ حين ترَى ما أرَى :
أي طيفٍ تنادي
وراء انكسارِ الذُرَى
و انشطارِ البوادي ؟
هل تبقّى من الأمس أيُّ ورَى ؟

***

أين صوتكِ يا فاختة ؟
أرَى شجراً يتدانى إلينا
و بحراً من الجمرِ نشعلُه بِيدينا
و أنت بِعَينيَّ تهمِين صبحاً مساء
قضينا.. قضينا
***

أنَّى تنامين يا فاختة ؟
غداة مررتِ بِبغدادَ
هل عاتبتكِ عيونٌ حيارَى
و أفزعك ليلُها المستعد ؟
نفرتِ بحزنِكِ نحو الخليج
لتنسيه في لمسات الزبد
فألفيته غيرَ ذاك الخليج
بشطآنه وجعٌ و كمد
تفيض هموماً و نارا
و أبناؤه عبثا تحتويها؟
***
إلى أين تمضِين يا فاختة ؟
منابعُ حلمكِ قد غاضَ منها الشجر
و أعشاشُ أمسِك لم يبق منها أثر

***
عشك في القدس ؟ قرَّ به العابرون الجدد
بيروتُ ؟ تنبض تحت الرماد
و أرزاتها تتقد
و نخل الكويت ؟
كأبراج بغدادَ ..! نازفةٌ تعتفر ..!
دمشق ؟ يراودها الغرباء
فتذكر أخوتها و تصدّ
و في القاهرة؟
تنامُ الملايينُ مسحوقةً خائرة
و تحلمُ بالسندباد
يجوب البلاد
فتصحو مزمجرة هادرة
طرابلسُ .. ؟ تغلي .. !
الجزائر .. ؟ تحسُب أبناءها و تَعدّ .. !
بكل البلاد.. الصبايا.. النساء
تشقُّ ملابسَها و تحدّ.. !

حتى المحيط بأمواجه يمورُ شقاء
حتى الجبال
أطلسُ مثلك محتدمٌ بالسؤال
يسائل عن طارق بن زياد
ما كان بعد حريق السفن ؟
و هل سيعود ليبني المدن؟

***

أين صوتُك يا فاختة ؟
و أين وجوهُ بَنِيك التي لم تعد ؟
متى سيتم اللقاءُ و ما سيجُدّ؟
" يغنون أسماءهم للرياحِ
فتبقى مراكبُهم في سفر.. "
تعيدين رجعَ السؤال برجعِ السؤال
و لا من يردّ

***

أي أبناء تدعين يا فاختة؟
الذين استكانوا إلى الصمت أمس
استحالت مراكبُهم رغوةً و زبد
أم بنوكِ الذين ستأتي مراكبهم بعد غد؟
لك الله يا فاختة
بأفقك لم تبق إلا الحدود التي تستعِر
أفقك منحصرٌ في الهشيمِ
و حلمك منعتقٌ للسديمِ
كلما طلته نلته.. يبتعد

****
بحثتُ وراء ملامح قومي عن سيّدٍ معتمد
عليمٍ يفسّر لي عن متاهاتهم
أمسِهم .. يومِهم .. غدِهم
لا أجِد.. !
كربِهم .. حربِهم .. صلحِهم ..
لا أجد.. !
***
أيُّ أسماء نذكر عند الكرَى ؟
كلُّ تاريخنا كان شوقاً
إلى جبهةٍ لِبَطل
و منتظرٍ سيصل
يطل غداة انهمار المطر
و يزرع في أرضِنا وجهَه و الشجر
يجرّد في العاديات حسامَه
و يحمل فوق الجبينِ حمامة ..
فلماذا تظلُّ العيون خواء؟
من يشتري للملايين حلماً ؟
و من يفتديها.. إذا حلمها يستبدّ ؟

أسائل فاختةٍ عن بنيها
فتهتف: يا ليتني لم ألِد !
****
من مزّق الحلم يا فاختة ؟
و كبّلَ صوتك في الصدر تحت كمامة
و كبّلني في تباريح هذا الكمد ؟
***
أنا اليوم " زرقاء"
عيني أمدُّ خُطاها
و أرحلُ في صوتِها و أجدّ
لأبحثَ عن فرحةٍ أرتديها
و أعلمُ أني – كزرقاء_ لا أرتجيها
يجف بحلقي النداء
و ما من عزاء
يطالبني الجمعُ أن أتغاضَى
و أنضم صامتةً لِصفوف الكفيفين
أو أبتعد !
أأطفئ عيني ؟
أأطفئ عيني ؟
و تبقين لاهثة في الضلوع؟
مكممة للأبد؟
د. ثريا العريّض

986

الكاتب د.صالح السعدون

د.صالح السعدون

د.صالح السعدون مؤرخ وشاعر وأكاديمي / لدينا مدرسة للتحليل السياسي غير مألوفة..

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة