نتاج التعليم السعودي : 2/7

نتاج التعليم السعودي : 2/7
التعليم السعودي والتنمية البشرية :
في الفترة الأخيرة بدأ العالم يغير من خياراته في التنمية ومسمياتها و الفكر الذي يقوم عليها ؛ حيث بدأت دول العالم تنظر إلى أن التنمية الحقيقية تكمن في تنمية الإنسان ذاته ؛ حيث سيقوم ذلك الإنسان المعد بتنمية مجتمعه , فإذا قمنا بتنمية القدرات الخاصة والمهنية لهذا الفرد

]نتاج التعليم السعودي : 2/7
التعليم السعودي والتنمية البشرية :
في الفترة الأخيرة بدأ العالم يغير من خياراته في التنمية ومسمياتها و الفكر الذي يقوم عليها ؛ حيث بدأت دول العالم تنظر إلى أن التنمية الحقيقية تكمن في تنمية الإنسان ذاته ؛ حيث سيقوم ذلك الإنسان المعد بتنمية مجتمعه , فإذا قمنا بتنمية القدرات الخاصة والمهنية لهذا الفرد ؛ فإن ذلك سينعكس على تنمية حقيقية لهذا الشعب . ولهذا فقد ارتبطت وصُممت عملية التخطيط وخطط التنمية الشاملة في بعض الدول على أساس تنمية الإنسان بالدرجة الأولى كهدف رئيس لتلك الخطط , بحيث أن خطط أي دولة من الدول للتطور العلمي والاقتصادي والصناعي والمادي والاجتماعي سيكون الثمرة الطبيعية التي تأتي بشكل انسيابي بعد بناء تلك القاعدة الشعبية الكبيرة المؤهلة والمعدة من الناحية المهنية و العلمية و الخبراتيه تأهيلاً عالياً .
ولعل هيئة الأمم المتحدة قد تجاوزت ومنذ عام 1990م مؤشرات قديمة كانت تصنف العالم إلى عالم نامي و عالم صناعي أو عالم أول وعالم ثالث إلخ ..؛ وأصبح مؤشر التنمية البشرية هو المعتمد والذي يركز على المستوى التعليمي لسكان أي بلد في العالم . ولعل هذا ما حصل في إيسلندا التي قال رئيس وزرائها مجيباً عن أسباب تطورها السريع قياساً ببلدان أخرى في العالم أن السبب هو ” التعليم ثم التعليم ثم التعليم ” ؛ وهكذا في كوريا الجنوبية التي شهدت أكبر طفرة في العالم من حيث عدد حاملي شهادة الدكتوراه حيث يزيد عددهم عن مليوني دكتور / دكتورة من الجنسين .
من هنا دعونا نتجه إلى دراسة دقيقة لمدى نتاج تعليمنا العام والجامعي , فمن الطبيعي أن التنمية الشاملة تعني أن كل مواطن قد أُعد من أجل خدمة الوطن والمواطن ؛ وأنه ليس مسئولاً يحتاج إلى من يخدمه بالأسلوب العثماني حين يُخدم الباشوات بالسيف والكرباج – وهو الأسلوب السائد في الولايات التي عايشت التسلط أو قل الإدارة العثمانية لأربعة قرون – ؛ بقدر ما هو خادم كبيرٌ وأمين – وله الشرف أن يكون خادم بدلاً من وزير أو مدير عام – يبحث من القطاعات التي يفترض أن يقوم بخدمتها , و لقد سعت أهداف التربية والتعليم في بلادنا إلى أن يكون نتاج هذا التعليم بمثل هذا المستوى من خدمة المسئول لمواطنيه , وكنا ندرس بتعليمنا أن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعُس ليلاً أي يبحث عن قطاعات من الفقراء قد تكون محتاجة لخدمته ؛ وحين وجد العجوز التي تطبخ الحجارة لتصبر أطفالها الذين يتضورون جوعاً حتى يناموا قام بطهي الطعام بنفسه وهو يبكي ؛ وكان منطق العجوز كيف يتولى عمر أمرنا ولا يدري عنا ؟ ولم يقرعها عمر بل كان يبكي ويُبعد مساعده لكي لا يساعده بحمل الدقيق على ظهره أو بطهي الطعام ويتولى العملية وحده .
وفي تراثنا العربي الأصيل يقول المثل أو الحكمة المشهورة ” كبير القوم خادمهم ” فهل نحن كما تعلمنا ؛ هل تمكن التعليم من تغيير منهجيتنا في التنمية البشرية ؟ !.
1) الغالبية العظمى من الموظفين حين تراجعهم لإنجاز معاملاتك كمواطن يحدث ما يلي : أ) التردد في إنجاز الخدمة . ب) البحث عن تعقيد المعاملة . ج) تأجيل البت بالقرار . د) الاعتذار بأن لدية معاملات لها أولوية بالنسبة لمعاملتك . هـ) التلذذ بإطالة مراجعاتك لمكتبه بدل المرة عشر مرات وبدل الساعة عام كامل .و) البحث عن نواقص المعاملة من الأوراق الروتينية مهما قل شأنها وتأثيرها . ز) وضع كثير من الأسئلة أو التساؤلات عن أسباب رغبة المواطن بإنجاز تلك المعاملة وكأنك تريد أن تعمل لديه في شركته الخاصة , والنتيجة هو أن المواطن تحفى أقدامه وهو يجري خلف شبابيك بها قضبان غليظة مغلقة لكي لا تصل بسهولة إلى هؤلاء الموظفين الذين هم من نتاج النظام التعليمي ؛ ويريدون أن يخدمهم الوطن والمواطن بدلاً من أن يخدموه . هذا ليس تعميماً أيضاً فهناك رجال يعملون عكس هذا غير أنهم قلة أمام كثرة هؤلاء.
2) الغالبية العظمى من مسئولي جامعاتنا عمداء كليات أساتذة جامعات رؤساء أقسام بل ومديري وأركز على مديري ووكلاء الجامعات أنفسهم ؛ هم من مخرجات تعليمنا العام والجامعي ثم ذهبوا إلى أتعس جامعات العالم التي يستميت في حبها كل الليبراليين وهي الجامعات الأمريكية , فهل يمكننا أن نتفاءل بمخرجات تعليمنا من هؤلاء المسئولين ؟! وهل يخدمون الوطن كما يخدم عمر تلك العجوز وأطفالها ؟ ! أو كما يقوم الرئيس الأمريكي كارتر ببعض الأعمال الخيرية بصنع أدوات خشبية بيديه للفقراء بأمريكا ؟ دعونا نرى بعض المظاهر : أ) يمنعون الكثيرين من شبابنا وبناتنا المتفوقين والمتفوقات من الحصول على وظيفة معيد أو معيدة تحسباً إلى جعل بعض التخصصات شاغرة لخمس وعشرون سنة قادمة لكي يعاد التعاقد معه بعد التقاعد لعدم وجود متخصص بذلك التخصص ؛ فضلاً عن ترك مئات الوظائف من المعيدين شاغرة مع أن بلادنا تئن من ضربات المجرم المدعو ” بطالة ” ومع وجود المؤهلين بشغل تلك الوظائف من المعيدين والمحاضرين وأعرف جامعات لديها قريب من مائتي وظيفة معيد ولم يوظفوا عليها إلا أقل من عشرة بالمحسوبية .( هذه ليست مبالغة بل حقيقة ) . ب) منع بعض الشباب الخريجين حاملي شهادة الدكتوراه والخبراء الوطنيين من العمل أو النقل من وظائفهم إلى الجامعة كأساتذة مساعدين بحجج عديدة ؛ ولدي خطاب وثيقة مدهشة لو نشرته لأحدث صدمة اجتماعية كبرى وسيكون له تبعاته من وكيل إحدى الجامعات الذي عين بالمحسوبية ؛ فقد يبحث بعض أولئك المسئولين عن نوعية سياسية يصبغ فيها الجامعة , فإذا كان ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين فهو حريص على ألا يقبل كدكتور إلا من ينتمي للجماعة ؛ وإذا كان ليبرالياً ذو توجهات أمريكية أو ليبرالية أو قل ما شئت فهو يمنع كل من لا يتوافق مع هواه ؛ وقد شهدت وتابعت ورأيت كيف يمنع أساتذة يحملون شهادة دكتوراة بتقدير امتياز من جامعة عربية أردنية متفوقة هي جامعة اليرموك بحجة عدم قناعة هؤلاء المسئولين بمستوى هذه الجامعة , رغم أن هذا الشاب أثبت لهم بالأسماء أنهم قبلوا شباباً سعوديين آخرين بتقدير أقل من نفس الجامعة , وأن جامعتهم يعمل بها خريجو جامعة اليرموك من الأردنيين . فكيف نفسر هذا النتاج التعليمي لتعليمنا وللتعليم الأمريكي معاً من خلال مسئولي أكبر طبقة متمتعة بتنمية بشرية عالية – كما هو مفترض – بعكس ما توحي به تصرفاتهم تماماً .
3) يُعجب بعض من أعرفهم من مديري الجامعات بالتوجهات الليبرالية والجامعات الأمريكية ؛ وحين يدير جامعته يتعامل بطريقة زعيم ديكتاتوري أفريقي ” لا أريكم إلا ما أرى وأهديكم سبيل الرشاد ” فلا قيادة جماعية بروح الفريق ” , ولا شورى , ولا شفافية في اتخاذ القرارات , ولا تخطيط بعيد أو متوسط أو قصير المدى , وكل حالة تعالج على إنفراد بعيد عن كل الأطر أو التوجهات أو المهنية أو الآليات المقننة للتعامل مع القضايا بنوع من التجرد أو الابتعاد عن المحسوبية , ففي قضية واحدة متشابهة يمكن أن توقف إجراءات معاملة لمدة سنة كاملة أو أكثر , ولكن تنجز معاملة مماثلة ممهورة بتوقيع المحسوبية خلال خمسة أسابيع ؛ ويمكن أن يقفز فرد مقرب بسبب المحسوبية خلال ثلاثة أشهر أو أكثر في ثلاثة مناصب أو أربعة متتالية كرئيس قسم فوكيل كلية فعميد كلية فوكيل جامعة , بينما يحرم من هو أكثر خبرة وأحقية من حتى رئيس قسم لمجرد أنه لا يمتلك الوطنية التي يبحث عنها مدير الجامعة ذاته وهي وطنية علقت في ذاكرته وتلبست تفكيره منذ كان بالمرحلة الإبتدائية ولم تستطع الجامعات الأمريكية التي درس بها أن تمحو تلك العوامل من التعرية الزمنية في قعر ذاكرته فتخرج وجاء ليمارس عكس ما يقول .
ومن هنا فنتاج التعليم السعودي من أعلى المستويات من حملة شهادة الدكتوراه ؛ هل هم بالمستوى الفني والمهني بأن كانوا أو أصبحوا جزءاً من هذه التنمية ؛ نحن لا نعم لأن التعميم ضد الحقيقة وضد الموضوعية ؛ وهناك كثيرون متميزون طالما هم بعيدون عن المسئولية ؛ ولكن الأكثرية ممن يتسلمون المسئوليات يتغيرون فور استلامهم لمهامهم فتصبح التنمية البشرية في ذاتهم ولمن حولهم من الموظفين ممن يقدمون الخدمات في إدارته للمواطنين ؛ أبعد ما يكونون فعلاً عن أن يساهم في التنمية البشرية في الوطن فضلاً عن أن تنعكس تلك التوجهات – التي يفترض أنها صُمِّمت على هذا الأساس من تنمية الفرد للوصول من خلاله إلى تنمية المجتمع – على سلوكه من حيث بُعده عن المحسوبية .
وللحديث بقية في المقال القادم إن شاء الله .
د. صالح بن محمود السعدون
مدير عام التعليم السابق بمنطقة الجوف

1٬480

الكاتب د.صالح السعدون

د.صالح السعدون

د.صالح السعدون مؤرخ وشاعر وأكاديمي / لدينا مدرسة للتحليل السياسي غير مألوفة..

مواضيع متعلقة

4 تعليق على “نتاج التعليم السعودي : 2/7”

  1. إلى دكتوري الفاضل

    فلقد زدت على الجرح الذي أنفتح ولم يلقى من يداويه ويضمده

    فأنا مؤيدتك ليست فقط في كل جملة وكلمة بل في كل حرف ونقطة التي تزن

    ذهب فما أجمل كلامك ولكن من يطبقه ويأخذبه على محمل الجد

    وأنا أقسم بالله لو أن كل مسئول راعا ضميره وأعطى كل ذي حقا حقه بغض ا

    للمحسوبية لكانت بلادنا من الدول المتقدمة لكان هناك إطلاق للقدرات العقلية والمواهب البشرية

    ولكن هنا في بلادنا وولله الحمد سياسة أنت مين وأبن مين ومن واسطتك بل أصبح حتى في أمر الواسطات لهو من المخجل الكثير

    أخيرا

    أملي في الله كبير

    طالبة ماجستير

    لا تقل يارب لي هم كبير ولكن قل ياهم لي رب كبير

  2. د.صالح السعدون

    الكاتب :(زائر)
    إلى دكتوري الفاضل

    فلقد زدت على الجرح الذي أنفتح ولم يلقى من يداويه ويضمده

    فأنا مؤيدتك ليست فقط في كل جملة وكلمة بل في كل حرف ونقطة التي تزن

    ذهب فما أجمل كلامك ولكن من يطبقه ويأخذبه على محمل الجد

    وأنا أقسم بالله لو أن كل مسئول راعا ضميره وأعطى كل ذي حقا حقه بغض ا

    للمحسوبية لكانت بلادنا من الدول المتقدمة لكان هناك إطلاق للقدرات العقلية والمواهب البشرية

    ولكن هنا في بلادنا وولله الحمد سياسة أنت مين وأبن مين ومن واسطتك بل أصبح حتى في أمر الواسطات لهو من المخجل الكثير

    أخيرا

    أملي في الله كبير

    طالبة ماجستير

    لا تقل يارب لي هم كبير ولكن قل ياهم لي رب كبير

    بارك الله فيك أختي وأبلغك كبير المنى
    وحقق لك ولي ولكل غيور على هذه الأمة أمانينا وتطلعاتنا
    لي رغبة في التفاؤل فتفاءلي معي
    ربما خلال بضع سنوات نبلغ منانا وتذكري معي هذا الرأي
    أرى الأمور بدأت تبشر بخير
    فلعل وعسى
    بوركت يمينك ووفقك الله لما تحبين من الرقي والتفوق وبلوغ المنى
    من يدعو لك بالغيب
    د.صالح السعدون [/color]

  3. طالب جامعي(زائر)

    الله يعطيك الفافيه وصح لسانك في كل كلمة قلتها

    طالب جامعي مدري هو انا استحق كلمة طالب جامعي
    (جامعة الحدود الشماليه)

  4. د.صالح السعدون

    الكاتب :طالب جامعي(زائر)
    الله يعطيك الفافيه وصح لسانك في كل كلمة قلتها

    طالب جامعي مدري هو انا استحق كلمة طالب جامعي
    (جامعة الحدود الشماليه)[/QUO

    حياك الله أخي الفاضل
    حفظك الباري من كل شر
    وأنت طالب جامعي اليوم وغداً سنراك تغرق الجامعة ببحوثك وإنتاجك إن شاء الله
    فلا تتشاءم بل تفاءل وسر إلى الأمام
    ألف شكر لمرورك[/color]

التعليقات مغلقة